مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بطل "ايران - غيت" يتكلم للمرة الاولى . مكفرلين يفتح ملفاته السرية لپ"الوسط" سألت الاسد : هل ستنسحب من لبنان ! أجابني : في ضوء الانسحاب الاسرائيلي هذا ما جرى بيني وبين أمين الجميل ونبيه بري ووليد جنبلاط 7
نشر في الحياة يوم 03 - 08 - 1992

يكشف روبرت مكفرلين مستشار الرئيس الاميركي السابق ريغان لشؤون الامن القومي، في هذه الحلقة السابعة من ذكرياته التي خص بها "الوسط"، تفاصيل الحوار الذي جرى بينه وبين الرئيس حافظ الاسد في دمشق حول موضوع انسحاب القوات السورية من لبنان ومواضيع اخرى، كما يكشف ان الرئيس الاميركي وافق على خطة لسحب القوات السورية والاسرائيلية من الاراضي اللبنانية تتضمن استخدام القوة اذا لزم. ويتطرق مكفرلين، في هذه الحلقة ايضاً، الى محادثاته مع الرئيس امين الجميل ومع نبيه بري رئيس حركة امل ووليد جنبلاط الزعيم الدرزي حول كيفية اصلاح النظام اللبناني وتطويره.
وقد وافق مكفرلين، بطل قضية "ايران غيت"، على ان يخرج عن صمته ويتكلم للمرة الاولى منذ انكشاف امر الاتصالات السرية الاميركية - الايرانية وزيارته السرية الى طهران عام 1986. واتفقت "الوسط" مع مكفرلين على ان يروي لها ذكرياته ويفتح ملفاته السرية ويقول ما لم يقله من قبل، سواء حين كان في الادارة الاميركية او بعد استقالته منها. وتم الاتفاق على عدم نشر اية كلمة من ذكريات مكفرلين هذه في اية مطبوعة اخرى في العالم، عربية كانت او اجنبية غير "الوسط" لكن مكفرلين يحتفظ لنفسه بحق نشر مذكراته هذه لاحقاً بعد صدورها في مجلتنا.
ولا بد من القول ان مكفرلين لم يكن، فقط بطل قضية "ايران - غيت" بل كان اكثر من ذلك، فقد لعب دوراً، الى جانب الدكتور هنري كيسنجر، خلال حرب تشرين الاول اكتوبر 1973، وتجول في الشرق الاوسط كمبعوث خاص للرئيس ريغان، وقام بمهمات "خاصة وسرية" في عدد من دول المنطقة، وتولى معالجة الكثير من الملفات الحساسة والخطرة، كالملف اللبناني وملف الارهاب في الشرق الاوسط والملف الليبي، وقابل مجموعة كبيرة من الزعماء والمسؤولين في المنطقة العربية واسرائيل وشارك في صياغة السياسة الاميركية في الشرق الاوسط فترة من الزمان.
وفي تموز يوليو 1983 اختاره ريغان ليكون ممثله الشخصي في الشرق الاوسط ثم اصبح في تشرين الاول اكتوبر 1983 مستشار ريغان لشؤون الامن القومي، وبقي في منصبه هذا حتى كانون الثاني يناير 1986. وبعد ذلك تولى منصب المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ثم انشأ وترأس عام 1989 "مؤسسة مكفرلين"، وهو لا يزال على رأسها حتى اليوم. ومهمة هذه المؤسسة تقديم استشارات الى مسؤولين ورجال اعمال من دول عدة. وفي ما يأتي الحلقة السابعة من ذكريات مكفرلين:
توجهت الى دمشق في تموز يوليو 1983 للاجتماع بالرئيس حافظ الاسد، بناء على طلب الرئيس ريغان، وكخطوة تمهيدية، مني ومن الادارة الاميركية، لتعييني كمبعوث خاص لريغان الى لبنان والشرق الاوسط خلفاً لفيليب حبيب.
استقبلني الرئيس حافظ الاسد ذلك اليوم من تموز يوليو 1983 في غرفة اجتماعاته المشهورة بالسجادة المعلقة على جدارها التي تصور انتصار صلاح الدين الايوبي على الصليبيين، وهي صورة لا بد للزائر ان يواجهها طوال الاجتماع. وكان الاجتماع وهو الاول من اجتماعات عدة تلت لي معه، تعريفاً مذهلا لي بهذا الرجل العديد الصفات. ورحب بي وهو يبتسم. وفي عيني الاسد وميض يلطف الجو ويجعله كجدّ يمكنك ان تأمن على صبي في الرابعة من عمره بين يديه حين يأخذه لزيارة حديقة الحيوانات. وبعد التحية التقليدية التي استمتع بها أيما استمتاع، نظراً الى ان اميركا جاءت اليه، سأل بشكل عابر ان كنت فكرت يوماً في لغز مثلث بيرمودا. ثم مضينا الى الحديث لمدة تزيد على الساعة عن تلك الظاهرة الغامضة التي ادت الى غرق العديد من القوارب وفقدان العديد من الطائرات والارواح في المحيط الاطلسي الغربي قبالة الساحل الاميركي.
بعد ذلك، وفي اجتماع ثان بدأ بساعتين من الحديث عن مخلوقات خارج اطار الارض، اصبح واضحاً لي ان الاسد يلجأ الى بحث موضوعات لا علاقة لها بموضوع البحث، كتكتيك تفاوضي لكي يربك زائره ويفقده حذره وحيطته. ولكن لا بد لي من القول انني استمتعت بها بعد ان بدأت اطرح الاسئلة المتصلة بجدول اعمالنا الحقيقي. وكنت بين الحين والآخر اقسو عليه حين اسأله عما اذا كانت هذه الظواهر الكونية قد اثرت في قدر سورية او اذا كان لدينا نحن او لدى اسرائيل التكنولوجيا اللازمة لاشغال انفسنا بهذه القوى القصيّة. وبعد ان اصبحت مستشاراً للامن القومي بعد ثلاثة اشهر طلبت من وكالة الفضاء الاميركية ان تحضر لي عدة صور بالاقمار الصناعية لسورية باستخدام كاميرات الاشعة تحت الحمراء وغيرها من الكاميرات. وقد كانت صوراً رائعة حقاً ولا شك لدي بأن الاسد استمتع بها حين ارسلنا هذه الصور اليه.
الاسد والانسحاب من لبنان
لكن لنعد الى الموضوع الاساسي. كان مقرراً ان تشمل محادثاتي مع الاسد قضايا عدة ابرزها الوضع اللبناني والوضع في الشرق الاوسط وامكانات تطوير العلاقات الاميركية - السورية واحتمالات قيام تعاون او تنسيق بين دمشق وواشنطن حول عدد من الامور.
في الاجتماع الاول مع الاسد الذي دام ست ساعات، تحدثنا عن تاريخ العلاقات الاميركية مع سورية. ومرّ الاسد مرات عدة على ذكر هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي السابق ومجيئه الى سورية احدى وثلاثين مرة خلال ديبلوماسيته المكوكية عامي 1974 و1975. وكان من الواضح ان الاسد يشعر بكبرياء شديدة لان كيسنجر، احد الوزراء البارزين في دولة عملاقة هي الولايات المتحدة، كان آذاناً صاغية له ولم يكن كلامه مجرد خطابة رنانة. ومن الواضح ايضاً ان الاسد اراد ان يبين بجلاء انه يتوقع هذا الاصغاء مني، وانه ينبغي عليّ الا اتوقع احراز اي تقدم من دون مثل هذا الانتباه والاهتمام.
وبعدئذ قدمت عرضاً طويلاً لاهداف الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، مع التأكيد انها لا تتعارض مع الاهداف السورية. وبحثنا موضوع اسرائيل وحقيقة وجودها لمدة ساعتين تقريباً. ولكن بعد كل مجموعة من البراهين الجدلية كان الاسد يرد بمواعظ لا تؤدي الى شيء.
وناقشنا الوضع في لبنان لحوالي ساعتين. فبالنسبة الى النقطة المركزية المتعلقة باستعداده للتفكير في الانسحاب من لبنان اكد ان سورية سوف "تنسحب في ضوء الانسحاب الاسرائيلي" من لبنان. لكن مناقشتنا لما يعنيه بعبارة "في ضوء" لم تؤد الى اية نتيجة. ولم اتمكن من انتزاع اي تعهد او وعد رسمي محدد من الاسد بشأن موضوع انسحاب القوات السورية من الاراضي اللبنانية. وبدا واضحاً ان الرئيس السوري لا يريد ان يقدم اي التزام بهذا الشأن الى الولايات المتحدة والى مبعوث الرئيس الاميركي.
وبالنسبة الى النقطة المركزية "هل يمكن لبلدينا ان يواصلا الانهماك في حوار مستمر من اجل تخفيف حدة التوترات في المنطقة؟" كان جوابه: "نعم، يسرني ان استقبلك في اي وقت". وبعد ست ساعات من المحادثات من دون اي استراحة ومن دون ان يرفع قدميه عن الارض، لا اظن ان هذا الاجتماع كان انتصاراً. ولم أتمكن من الحصول على امور ملموسة محددة تتعلق بالمواضيع التي ناقشها الرئيس السوري.
حواري مع الجميل
ولدى عودتي الى واشنطن رفعت تقريراً الى الرئيس ريغان الذي اغتبط لان الاسد اراد مواصلة الحوار. وخلال 24 ساعة سألني اذا كنت اريد ان اخلف فيليب حبيب كمبعوثه الشخصي الى لبنان والمنطقة. وكان القاضي كلارك مستشار ريغان لشؤون الامن القومي ذكر لي تلك الامكانية قبل ان اتوجه الى الشرق الاوسط، الا انني لم اعطه جواباً. اذ انني لم اجد ما يبشر بالتحسن، للاسباب التي ذكرتها في السابق، الا اذا غيرنا استراتيجيتنا بأكملها لكي تشمل هدفين: اولاً العمل على احداث تغيير كامل في الخريطة السياسية اللبنانية، وثانياً التحرك بعزيمة ونشاط ولو اشتمل ذلك على استخدام قواتنا اذا ما دعت الضرورة لكي نحقق انسحاب القوات السورية والاسرائيلية من لبنان. وشرحت هذين الشرطين للرئيس ريغان فقال انه يوافق عليهما. وبناء على ذلك قبلت المنصب ووضعت خطة لتنفيذ ذلك. وحين شكلت فريقي اخترت ريتشارد فيربانكس، وهو صديق قديم كان يشغل انذاك منصب مساعد وزير الخارجية، ليكون نائباً لي، لأنه ظهر لي ان كسب تأييد دول المنطقة لديبلوماسيتنا يقتضي مني الترحال والسفر اكثر مما يستطيع شخص واحد القيام به. ولهذا كنت بحاجة الى نائب كفوء. واخترت موظفين معي ايضاً، وهم هاوارد تايتشر والاميرال فيل دور وكريس روس. وكانوا جميعاً رجالاً طيبين وعلى معرفة جيدة بأمور الشرق الاوسط وادراك تام بالقضايا المختلفة في لبنان وفي المنطقة بأسرها. لكنني ارتكبت خطأ جسيماً، وهو عدم اشراك المزيد من ممثلي الخدمة الديبلوماسية المحترفين معي. ولا يعني هذا ان الديبلوماسيين كانوا سيقدمون لي اكثر مما يقدمه الرجال الذين اخترتهم، ولكنني اخطأت لانه ليس من الحكمة، كاجراء وقائي، ان استثني اولئك الذين سيفسرون ويحللون البرقيات الواردة الى واشنطن.
وامعنت في الخطأ حين وصلت الى لبنان في نهاية شهر تموز يوليو 1983 لانني لم أشرك الفريق المحلي لسفيرنا في بيروت ديلون. ولم يكن هناك سبب وجيه لذلك ايضاً - فمع انه كان علينا ان نعيش ونعمل من منزل السفير، فإنه كان في وسعنا ان نجد وسيلة للعمل معاً. لقد كانت غلطة كبيرة.
لن انسى المرة الاولى التي رأيت فيها الرئيس امين الجميل. كان على رأس موكب يسير وسط احد الشوارع متألقاً في بدلته الكتانية البيضاء، يحيط به اعضاء مجلس وزرائه، وبدا وكأن بلاده على وشك استضافة الدورة الاولمبية. ولم يعط الانطباع ابداً بأنه رئيس دولة بدأت تشهد عملية التفكك والانحلال. وفي اول محادثة لنا استهل الحديث بإعلان حماسي عن قراره اختيار "الخيار الاميركي" والتزامه القاطع به. وحين سألته ما الذي يقصده بذلك رد بقوله: "انتم بلد عظيم وقد تدخلتم في المشكلة، وانتم الوحيدون القادرون على حل مشكلاتنا، وانا اؤيدكم تأييداً مطلقاً. ولم يمض وقت طويل حتى اتضح لي ان ما كان يقوله في الواقع هو: "هذه مشكلتكم انتم وليس لدي اية افكار، وانني لن اجازف بشيء، وما لم تفكروا في طريقة لاخراجنا من هذه الحالة فأنها ستكون نهايتنا ونهايتكم وسيقع اللوم عليكم".
وقررت زيارة العواصم الاقليمية المختلفة لاشرح تعليماتي للمسؤولين فيها واطلب المشورة منهم. ومن المثير للاهتمام انه لم يكن هناك قلق على تورطنا في لبنان الا في الاردن. اما في القاهرة والقدس ودمشق فقد كان جميع المسؤولين يفضلون ان نتركهم وشأنهم.
وحين عدت الى بيروت قررت ان الطريق الوحيدة امامي هي مواجهة الرئيس الجميل صراحة بضرورة تحقيق المصالحة السياسية الفعلية بين الفئات اللبنانية المختلفة. وشرحت له اعتقادي بأن لبنان لا يمكن ان يكون مستقراً ما دام توزيع السلطة والفوائد الاقتصادية لا يعكس ولو بشكل تقريبي التركيبة السكانية. وانصافاً له فقد كان واضحاً. اذ اجابني بقوله: "صديقي، يجب ان تحدث المصالحة، ولكنها لن تحدث بسرعة وكأنه يقول ليس في فترة حياتي. وانا ليس لدي حرية العمل وكأنه يقول انني لا استطيع مخالفة والدي. كما ان المطالب الشيعية والدرزية غير معقولة والاسد يؤيد هاتين الجهتين". ومع انه كان في العبارة الاخيرة بعض الحقيقة فإنها لا تشير الى ادراك المشكلة. اذ ان وليد جنبلاط ونبيه بري ليسا على تلك الدرجة الهائلة من الشجاعة، ولكنهما في الوقت نفسه ليسا سعيدين لكونهما تحت السيطرة السورية. ولو كان لدى الجميل الشجاعة لمخالفة والده بيار الجميل لما كان من الصعب عليه ان يصلح النظام السياسي في لبنان عن طريق الحوار مع زعماء الطوائف الاخرى.
ولاحظت ان الجميل كان يكره مجرد التحدث الى نبيه بري رئيس حركة امل الشيعية ووليد جنبلاط زعيم الحزب الاشتراكي وزعيم الدروز في لبنان. وعندما طلبت من الجميل بالحاح ان يفتح حواراً مع بري وجنبلاط قال لي ان هذين الاخيرين مصممان على تدمير الوجود المسيحي في الحكومة ولا يمكن الثقة بهما. وحين قلت له انني اعتزم الاجتماع اليهما اشتكى من ان الولايات المتحدة تسعى الى تقويض رئاسته. واتضح لي انه كان يلجأ الى هذا الاسلوب مع فيليب حبيب الذي لم يكن مهتماً بالضغط من اجل تحقيق المصالح.
مع بري وجنبلاط
واجتمعت مع نبيه بري اولاً. وبري رجل غير متفلسف ولديه قدرة على تولي المسؤوليات وان لم يكن، في ذلك الحين على الاقل، على درجة عظيمة من الرؤية السياسية. ومع ذلك فإن بري كان بوسعه ان يؤمن موافقة الشيعة اذا تم التفاوض على ميثاق سياسي جديد. وخلال اجتماعاتنا كان صريحاً جداً، اذ كان يقول: "المسيحيون لا يعاملوننا بعدل يجب ان يكون لدينا مدارس جيدة ومستشفيات ومساكن مثلما لديهم هم. وانا مستعد للتفاوض. واذا ما وقف امين الجميل في وجه والده فإنني سأجلس معه الى الطاولة نفسها". لقد احببت بري. وانا اعتقد انه كان لديه عام 1983 اهداف متواضعة، وكان في وسعه ان يخدم المصلحة العامة للشيعة في لبنان لو ان الجميل كان راغباً حقاً في الحوار معه. الا ان الشيء نفسه لا يمكن قوله عن وليد جنبلاط. فلم اشعر في اي جلسة من اكثر من ست جلسات مع وليد جنبلاط انه كان صافي التفكير تماماً.
اذ لم يكن ليستطيع مواصلة المحادثة اكثر من دقيقتين او ثلاث دقائق، من دون ان يبدأ المشي في الغرفة او يطلب مشروباً. وكان هناك زعماء دروز آخرون في وسعهم ان يكونوا محاورين ممتازين، ولكنهم كانوا جميعاً ينزلون عند رغبة وليد.
كان الموقف الاميركي معرضاً للخطر، على الارض وسياسياً. اذ اننا نشرنا مع البريطانيين والفرنسيين والايطاليين حوالي عشرة الاف رجل في محاذاة الساحل. وكانوا مكشوفين امام النيران المعادية من مواقع محميّة الى الشرق من سلسلة جبال الشوف. وكانت سفارتنا في بيروت نسفت في شهر نيسان ابريل 1982 مما ادى الى مقتل العشرات. ولا بد ان لهذه القوات حق الدفاع عن النفس. اذ كان في وسعها ان ترد على النيران اذا ما تعرضت للهجوم، مع انها كانت تجازف بذلك في التعرض لتهمة الانحياز الى هذا الجانب او ذاك، تبعاً للقتلى الذين يسقطون من هذا الجانب او ذاك حين ترد على النيران. وكنت ادرك ذلك جيداً. ولكن لم يكن لي اي سيطرة على القوات الاميركية لانها لم تكن ضمن نطاق اشرافي، كما ان قواعد الاشتباك التي لديها كانت من وضع رؤساء الاركان ووزير الدفاع كاسبار واينبرغر في واشنطن. وهكذا كان كل ما في وسعي هو ان اوصي لان القرارات كانت تتخذ في واشنطن.
قررت ان اكرس نفسي لرعاية خطّي سياستنا، اي دفع الجميل نحو اجراء اصلاح سياسي حقيقي، ووضع خطة لانسحاب القوات السورية والاسرائيلية من لبنان بالتنسيق مع استخدام القوات النظامية اللبنانية المسلحة الجديدة والقوات المتعددة الجنسيات. وبعد ثلاثة اسابيع رفض خلالها الرئيس الجميل، حتى مجرد الحديث عن الاصلاح، بدأ يدرك انني سأوصي بسحب قواتنا من لبنان الا اذا بدأ الاصلاح. ومع نهاية اب اغسطس 1983 بدأ يقول ان من الممكن "الدعوة الى الوفاق والمصالحة" في خطاب وطني. ورحبت بكلماته مع انه كان من الواضح انه لم يلفظها باقتناع. كذلك لم تحدث اي متابعة فعلية لترجمة القول الى فعل، باستثناء تلك الدعوة الخطابية.
في هذه الاثناء، عاد الكونغرس بعد عطلته الصيفية في آب اغسطس الى الالتئام واخذ يضغط على الرئيس ريغان لكي يشرح الى اين تقودنا سياسته في لبنان. ولكي اساعد الرئيس في الدفاع عن سياسته استدعاني الى واشنطن للاجتماع الى قادة الكونغرس. وبعد جلسة في غرفة مجلس الوزراء في البيت الابيض مع زعماء الحزبين طلب مني رئيس مجلس النواب تيب اونيل زيارته. وكنت احب اونيل. فقد كان يختلف بشكل مرير مع الرئيس ريغان في معظم القضايا، ولكنه كان على استعداد لاعطاء سياساته المهلة الزمنية الكافية لكي تنجح اذا كانت هناك فرصة لذلك. وقد اراد ان يعرف مني بصفة خاصة رأيي في امكانية اجراء اصلاحات في لبنان واخراج القوات الاجنبية من البلاد. وابلغته اعتقادي ان فرصة اخراج القوات الاجنبية لها من النجاح نسبة خمسين في المئة، لكن فرصة تحقيق الاصلاح اقل من ذلك. لكنني اضفت القول ان الامور ستكون اوضح بعد حوالي ثلاثين يوماً اخرى. وقلت له انني اعتقد اننا وصلنا الى مرحلة لا بد معها من استخدام القوة لاثارة اهتمام الرئيس الاسد. واذا ما فعلنا ذلك بطريقة صحيحة - اي بشكل هائل متواصل وموجع - فإننا يمكن ان نحقق وقفاً لاطلاق النار. وعلينا ان نكون على استعداد لمواصلة ذلك، ونشر قواتنا ايضاً للمحافظة على فصل القوات المنسحبة. الا ان الخطة قد تنجح. ورد اونيل بقوله: "انها ليس فكرة عظيمة". ثم صمت برهة من الزمن واستطرد: "تريد ثلاثين يوماً! حسناً".
وحين كنت في واشنطن قلت للقاضي كلارك اذا كنا نريد اثبات اي قدر من المصداقية في التزامنا العلني بالرد على اي هجمات ضدنا فإننا بحاجة الى المزيد من قوة النيران في مسرح الاحداث في لبنان. ووافق على ذلك، ثم قال ان الرئيس ريغان وافق على تحرك السفينة الحربية "نيو جيرزي" من المحيط الهادىء الى البحر الابيض المتوسط بأسرع ما يمكن.
وبدأت مرحلة جديدة من التعامل الاميركي مع المشكلة اللبنانية ومع سورية.
الاسبوع المقبل:
الحلقة الثامنة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.