تثير الازمة القائمة بين العراقوالولاياتالمتحدة مجموعة من الاسئلة حول الابعاد الحقيقية لهذه المواجهة، ونتائجها المحتملة؟ وماذا تريد واشنطن؟ وماذا يريد صدام حسين؟ وهل ما يجري هو نهاية السيناريو؟ نلاحظ بداية ان صدام يروج عبر وسائل اعلامه واتصالاته لمسألة انه بدأ بمواجهة الاميركيين بعد ان يأس من رفع الحصار. وفي المقابل فان الولاياتالمتحدة تعرف جيداً مدى سهولة جر صدام حسين الى حيث تريد بهدف توريطه ولهذا يمكن التأكيد ان واشنطن هي التي بدأت المواجهة عندما اخذت عمليات التفتيش طابعاً مختلفاً مقارنة بما كان يجري في السابق حيث بدأت هذه الفرق بمحاولة تفتيش ما يسميه حكام بغداد المواقع ذات السيادة الرئاسية، اي مراكز الحكم ومفاصله الحساسة، كما ان طائرات التجسس من طراز U2 اتخذت خط سير جوي يراقب مراكز الحكم وهو ما ظهر من خلال الخرائط التي أعلن الاعلام العراقي عنها عند بدء المواجهة. وهو أمر كان يعني لصدام حسين، وما يمكننا ان نظنه ايضاً، ان الولاياتالمتحدة بدأت هذه المرة استهداف السلطة في العراق ومحاولة الاطاحة بها. واذا كان ما سلف صحيحاً فلا بد من وجود اسباب موجية له ودوافع تجعل القرار الاميركي يأخذ هذه الوجهة ويمكن اجمال الدوافع والاسباب بالآتي: 1 - لاحظت واشنطن عدم امكان استمرار الحصار الى ما لا نهاية وبدأت أصوات ترتفع في مجلس الامن والاسرة الدولية تطالب باعادة النظر في الحصار المفروض على العراق وهو ما اطلق عليه تسمية "تصدع التحالف الدولي". 2 - ادى انتخاب الرئيس خاتمي الى تبدل في الخطاب الايراني جعل من امكان التوافق بين العراق وإيران أقرب للتحقق من أي وقت مضى. وظهرت ايضاً بوادر تقارب بين بعض دول الخليج العربية والعراق. والتعاطف الايراني الحديث مع العراق والشعب العراقي يثير مخاوف حول دور ايراني محتمل في تقرير مستقبل البلاد. 3 - كانت الولاياتالمتحدة تريد محاصرة سورية باسرائيل وتركيا، الا ان احتمال عودة العلاقات العراقية السورية ووجود علاقات ايرانية سورية استراتيجية من شأنه أن يثير المخاوف على رغم ان العراق جراء القيود التي تتحكم به غير قادر على القيام بأية أدوار ذات شأن في تحالف ثلاثي من هذا النوع، لكنه يبقى جغرافياً ممراً صالحاً يربط ايران وسورية. اضافة الى ما تثيره عودة العلاقات السورية - العراقية من مخاوف قيام قوى محسوبة على سورية بالاستيلاء على نظام الحكم في بغداد. او ان العلاقات العراقية - الايرانية - السورية ستسهم في دعم ركائز النظام وتجعل مسألة اسقاط صدام المؤجل من قبل المخابرات الاميركية امراً صعباً للغاية اذا ما تأخر تنفيذه اكثر مما حدث، وهو امر دفع الادارة الاميركية الى اتخاذ قرار الاطاحة بالنظام على عجل، وهو ما ادركه صدام وعبر عنه طارق عزيز عندما ذهب الى نيويورك وقال ما نصه: "اننا نريد ان نعرف اذا كان نظام الحكم هو المستهدف أم الاسلحة"؟ ولأن عزيز لم يحصل على اجابة وافية عن هذا السؤال كان من المنطقي ان يستمر التصعيد الذي نراه لأن النظام يدرك ان تفتيش القصور الرئاسية والاماكن الحساسة بما في ذلك المعتقلات السرية سيوفر لواشنطن عدة اهداف: أ - تسهيل اسقاط النظام عبر تقديم كل المعلومات التي يتم الحصول عليها للجهة التي تعمل لحساب الاميركيين في داخل العراق. ب - كسر هيبة صدام امام من لا زالوا معه في مؤسسة الحكم. ج - سيوفر تفتيش القصور والاماكن ذات السيادة الرئاسية معلومات دقيقة عن الاختبارات البيولوجية على السجناء واماكن التعذيب ووسائله والمقابر الجماعية وجرائم الابادة التي يمارسها النظام ضد الشعب العراقي. وعندها تطالب بمحاكمة صدام وأركان حكمه. د - يعلم العراقيون ان البناية التي وقف سكرتير رئيس الجمهورية عبد حمود امام عدسات الكاميرات ليقول انها بناية متداعية آيلة للسقوط هي معتقل للسياسيين وفي اقبيتها تم اعدام 500 سجين خلال الشهر الماضي فقط. ويبدو ان النظام نجح في اخلاء البناية خلال زيارة الصحافيين التي تسمى بناية "الحياة" وفيها دارت أبشع عمليات التعذيب والقتل. بات صدام يدرك ان الولاياتالمتحدة تلاحقه هذه المرة وفرضت عليه المواجهة. فاذا رفض السماح بتفتيش المواقع الرئاسية قد تقوم الولاياتالمتحدة بتوجيه ضربة جوية صاروخية قاصمة تستهدف قصوره ومؤسساته الامنية والاعلامية. ومثل هذه الضربة سينتج عنها انهيار في مؤسسات الحكم خصوصاً ان حلفاء النظام الذين دافعوا عنه أو وقفوا معه عام 1991 اصبحوا هم خصومه الآن. ولأن هاجس الخوف من البديل في العراق كان الحضور السني في المعارضة ضعيفاً آنذاك. اما الآن فقد خرج الآلاف عن النظام ونفذ حكم الاعدام في عدد منهم بتهمة التآمر على صدام، مما يسهل على أي وحدة عسكرية مرتبطة بالمشروع الاميركي التحرك نحو بغداد اذا ما بدأت ضربة جوية اميركية من دون ان يشكل ذلك مغامرة للسيطرة على مراكز الحكم في العاصمة والاعلان عن انقلابيين جدد يأتون لانقاذ العراق من الوضع المأسوي الذي هو فيه. وبالتأكيد فان الشعب العراقي سيبتهج ويرحب بمن يأتي مهما كان لأن العراقيين يريدون الخلاص مما هم فيه وان ظروفهم لا تتيح لهم التدقيق بنوعية البديل. اما الذين يتحدثون عن ان ادارة الرئيس كلينتون تريد تغيير انظار الشعب الاميركي من فضائحه الجنسية الى معركة اخرى فان كلامهم غير دقيق لأن المواجهة بدأت في نهاية 1997 كذلك الحشود وأيضاً التهديد باستعمال القوة ولا علاقة بين الحدثين.