منذ انطلاقتها الاولى والسينما لا تقبل على شاشتها الكبرى في معظم بطولاتها النسائية الا الجميلات، لذا فسجلها مليء بالاسماء التي ما زال جمهور الفن السابع يحلم بها ويتذكرها حتى الآن. لكن مع تطور هذه الصناعة الفنية، بدأ التوجه يختلف في طريقة انتقاء الممثلة، اذ ان الملاءمة للدور والموهبة صارا يسبقان مقاييس الجمال التي كانت تعتمد سابقاً. فالماكياج جاهز لتغيير اية شخصية، والعارضات الجميلات جاهزات للحلول في اي مشهد يراه المخرج مفيداً مكان الممثلة الحقيقية كما حدث مع جوليا روبرتس في فيلم "المرأة الجميلة" التي لعبته امام ريتشارد غير، وعلى هذا الاساس يقول بعض النقاد: سينما اليوم تعشق كل جميل موهوب. وإذا كان الامر كذلك، فما هي المقاييس الجمالية المقبولة للفن السابع في زمننا هذا؟ التحقيق الآتي يجيب على هذا السؤال. هل تعتبر ميشال بفايفر جميلة؟ الجواب سيكون "نعم" من دون تردد، ولكن ميشال نفسها تقول انها تشبه البطة. ويرى كثيرون ان في عينيها الحمراوين الجاحظتين قليلاً وشفتها العليا الرفيعة في الوسط والممتلئة الجانبين عيباً ربما كان من اسرار جمالها، اذ لم يعد الجمال يعتمد المقاييس الثابتة التي تمسكت بها الاجيال السابقة. كمال الشكل لا يعني النجاح بالضرورة في عالم السينما اليوم، وكم من جميلة لا تشكو من اي خلل في مظهرها فشلت في مهنة تعتمد كثيراً على الشكل. وربما كان ذلك لأن الجميلات يركزن اولا وأخيراً على المظهر ويعتبرنه البطاقة الوحيدة للنجاح والشهرة. ولكننا لا نزال نتذكر امبراطورة ايران السابقة ثريا الرائعة الجمال التي فشلت فشلاً ذريعاً في السينما لبرودتها الفائقة. وهناك كثيرات غيرها لم يحصلن على حقهن لسبب أو لآخر، والأمر نفسه ينطبق على فنانين وسيمين كثر لم يعرفوا طريق النجاح، ربما لاعتمادهم الكبير على الشكل واعتباره اولوية. جودي فوستر، رآها البعض اقل جمالاً بشعرها الاسود في "صمت الحملان" الذي نالت عنه جائزة الاوسكار للمرة الثانية. عينا جودي جاحظتان بشكل واضح، ولكنها من جميلات الجيل الشاب في هوليوود، ومن حسن حظها انها قديرة في مهنتها وتعتبر من اللواتي جمعن المجد من طرفيه. ولا ننسى جون هنكلي الذي حاول اغتيال الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغان في اوائل الثمانينات لأنه كان مهووساً بفوستر وأراد "لفت" نظرها. منذ السبعينات برز اتجاه واقعي في نظرة هوليوود الى نجومها، وظهرت ممثلات ذكّرننا بفتيات نراهن في الشارع والمحلات وغيرها من الاماكن التي لا علاقة لها بعالم النجوم والخيال. الجمال نادر وصعب، ومعظم النساء يفتقر الىه، وكم من مراهقة وقفت امام المرآة وتمنت لوناً آخر لعينيها وشكلاً آخر لوجهها وأنفاً أدق وفماً مكتنزاً، الخ؟ وكم من فتاة وامرأة تمنت ان تستفيق في اليوم التالي لتجد انها تشبه هذه الفنانة او تلك؟ وتكبر هؤلاء ويتعلمن ان يقبلن انفسهن كما هن او يلجأن الى الطب والمستحضرات لتغيير شكلهن. ولكن السينما، عالم الاحلام، فتحت الباب امام الحياة وقبلت كل الوجوه التي "تقول" شيئاً او تحمل تعويضاً ما قد يكون الاثارة غالباً. وهكذا ضاقت المسافة التي تفصل النجمات عن معظم المتفرجات، وباتت فرصة الشهرة متوافرة امام الكثيرات بعدما اقتصرت على "النخبة" المتميزة. ولكننا لا نملك الا ان نسأل: "هل تريد هؤلاء النساء ان يفتحن مجلة ليرين وجهاً مثل وجوههن، ام انهن يرغبن في وجه مختلف يرتفع عن المستوى العادي ويشبع تطلع المرء الدائم الى الفائق والرائع الجمال؟ الجاذبية أساس يتعايش النوعان معاً في عالم الفن والاعلان ويحققان الشهرة والثروة. لم يعد الجمال يتمسك بالتناسق بل اخذ يبحث عن الجاذبية، امر تستطيع الكثيرات المساهمة في تحقيقه عبر مستحضرات التجميل وتسريحات الشعر والمصورين المهرة. غلين كلوز مثلاً ليست جميلة، ولكن من يراها في "جاذبية مميتة" لا يستطيع الا ان يعترف بجاذبيتها التي تحرك المشاهد منذ رؤيتها. إلين باركن بطلة "بحر من الحب" مع آل باتشينو صغيرة العينين ضيقتهما، كبيرة الفم وذات انف يعرف بپ"أنف المصارع" اذ يبدو كأن عظامه قد كسرت. مع ذلك تعتبر باركن من جميلات الثمانينات والتسعينات. انجليكا هيوستن الطويلة العريضة ذات هيكل يشبه تركيب الرجل، ولكن كثيراً من النقاد تحدثوا عن فتنتها في "النصابون"، ومن العاملات في وسط الازياء من يراها مثالاً لپ"الجمال الجديد". كيم باسنجر الجميلة بالاجماع ذات عينين صغيرتين، واعترفت انها تعذبت كثيراً في طفولتها ومراهقتها لفرط ما سخر رفاقها من فمها الكبير الذي لا يبدو كبيراً جداً اليوم. مقاييس الجمال اذا سئلنا عن مقاييس الجمال فهل نستطيع تحديدها؟ الجدات والامهات قد يتحدثن عن فم صغير وعينين كبيرتين ووجه مثلث ممتلئ وعظام غير بارزة. ولكن كم من اللواتي ينطبق عليهن هذا التحديد يفتقرن الى الجمال، وكم من اللواتي يندرجن في خانة المقاييس المناقضة يعتبرن من رموز الجمال! عندما كانت بريجيت باردو في عزها تساءل كثيرون عن سر نجاحها وتفوقها على غيرها من الممثلات اللواتي يفقنها جمالاً. وإذ حاولوا تفسير اللغز تحدثوا عن "ذلك الشيء الذي يملكه بعضنا ولا يملكه آخرون". اي انهم فسروا اللغز بلغز آخر، وربما كمن السر في المحصلة النهائية لالتقاء كل العناصر وشخصيتها و"النداء" الذي ينبعث منها ويفهمه الآخرون على حقيقته، اضافة الى الثقة بالنفس والشكل معاً. جينا دايفيس التي مثلّت في "تلما ولويز" تناقض كل المقاييس التقليدية، فكل ما فيها كبير، ومع ذلك تعمل مثل غيرها من الجميلات. سوزان ساراندون زميلتها في الفيلم عادية الجمال وذات عينين جاحظتين، ولكن من يستطيع ان ينكر جاذبيتها؟ وجوي لي شقيقة المخرج سبايك لي ذات وجه كل ما فيه كبير، ومع ذلك تبدو سعيدة بوجهها ومهنتها ايضاً. الأمثلة كثيرة على اللواتي رفضتهن السينما ثم كرّستهن من نجماتها. ايزابيلا روسيلليني ابنة انغريد برغمان اعتمدتها شركة "لانكوم" نجمة اعلاناتها منذ اعوام، ولا تفكر اليوم باستبدالها بأخرى. وبعدما رُفضت في السابق لفمها الكبير وجسمها الممتلئ تعتبر الآن من الجميلات. وبياتريس دالي ذات اسنان كبيرة متفرقة وفم كبير ناتئ، وما كان يمكن ان تسنح لها الفرصة لو ظهرت منذ عشرين عاماً، لكنها اليوم من اعضاء نادي الجمال الجديد. وكذلك الامر بالنسبة الى لورا ديرن التي تقول انها تجد نفسها احياناً شديدة الجاذبية وأحياناً اخرى بشعة تماماً. وأنجليكا هيوستون مثلاً تستطيع ان تصلح شكل انفها الضخم بعملية تجميلية، علما ان ذلك يصحح شكلها ولكنه لا يجعلها اجمل، ولكن روسي دي بالما قد تجري عشرات العمليات بلا طائل. فعيناها جاحظتان جداً، وجفناها عريضان جداً، وأنفها طويل متموج العظم وأسنانها كبيرة طويلة وفمها لا يطبق الا بصعوبة، ووجهها ناحل طويل. ويكفي وصفها ليبدو الامر هجاء، لكن هذه هي روسي التي رآها البعض شديدة الاثارة في "نساء على وشك الانهيار العصبي"، والله أعلم؟ الجمال غريب قال فرنسيس بيكون 1561 - 1626 انه "ليس هناك جمال ممتاز الا ويشكو من غرابة في النسب". وكم ينطبق ذلك على العارضة الشهيرة ليندا ايفانجيليستا التي يراها بعضهم من اجمل النساء في العالم، بينما يقتنع آخرون انها اشبه بالساحرة. حاجبا ليندا طويلان مرتفعان، فمها وأنفها كبيران وعظام وجنتيها بارزة. مصممة الازياء البريطانية كاثارين همنت لا تطيقها، لكنها من اغلى العارضات في العالم، ويستعين بها كثيرون من اهم المصممين في فرنسا وايطاليا لقدرتها على ابراز شخصيتها في كل ما ترتديه، امر يوحي للنساء جمال القطعة مهما كانت بسيطة فيقبلن على شرائها. صبغت شعرها ليقبلوها الشخصية مفتاح النجاح، يقول العاملون في السينما والاعلان، ولا يكفي الجمال وحده. في الثلاثينات ركضت بيتي ديفيس التي كانت سمراء جاحظة العينين وراء مخرجي هوليوود بلا طائل. كانت تلقب بپ"الصعو الاسمر الصغير"، والصعو طائر صغير الحجم، ورأى احد المنتجين انها تفتقر الى الجاذبية وان احداً لن يصدق ان رجلاً ما سيتحمل مشقة السير الى حيث تجلس في الغرفة نفسها ليستميلها. في ذلك الوقت كانت الجميلات امثال ريتا هيوارث وجين هارلو ومارلين ديتريتش يتحكمن بالشاشة، لكن ديفيس لم تيأس. جميلة صغيرة كانت كافية لتصبح ممثلة لپ"الجمال الشرير". صبغت شعرها اشقر عسلياً وحصلت على بطولة أول دور عاطفي. بعد ستة اعوام كان المنتج نفسه يعمل في تسويق "الهوت دوغ" وكانت هي نجمة تحصل على 3500 دولار في الاسبوع. للأمر حدوده بالطبع، فان اجمل النساء قد تفشل اذا افتقرن الى الثقة بنفسها. وإذا كانت روسي دي بالما ذات نظرة مثيرة تنقل رسالة شخصية للمشاهد فان كيتي بيتس مسطحة التعبير عاطفياً ولا يمكن ان تقنعه اذا قامت بدور عاطفي. بيتس حصلت على اوسكار افضل ممثلة عن دورها في فيلم "البؤس"، ولعبت دور فرانكي بنجاح في قصة "فرانكي وجوني" على المسرح في برودواي. ولكن عندما حولت القصة فيلماً فازت ميشال بفايفر بالدور، لأن بيتس قد تقبل كصديقة او ام او عمة او سيدة اعمال ولكنها لا تبدو ملائمة لدور عاطفي. الرجال الوسيمون الذين يتمتعون بسحر شخصي وجدوا دائماً قبولاً عند اهل السينما، سواء كانت جاذبيتهم ناعمة او خشنة. ايرول فلين ذو القسمات الدقيقة الناعمة وجد مكاناً مثل كاري غرانت بطل افلام هيتشكوك ذي الملامح الخشنة والنظرة القاسية. همفري بوغارت نجح في جعل نفسه اسطورة لكنه كان قصير القامة وافتقر الى الوسامة، وربما فسّر ذلك تمتعه بما يسمى "السحر القاسي" او الخشن الذي يوحي القوة والرجولة. ركس هاريسون سئل عن سر جاذبيته للنساء فقال: ربما "جيوب عيني". فأثار غضبهن. لكن التفسير قد يكون معيباً لأن ابرز ما كان في هاريسون نظرته وصلعه. جون داين بطل الوسترن الصنديد العنيد كان يخبئ صلعه بشعر مستعار وكان من ممثلي "الوسامة الخشنة" في هوليوود. فرانك سناترا كان مطرباً عظيماً لكنه كان ممثلاً عادياً قصير القامة، ومع ذلك صمد في السينما ولا يزال صامداً كمغنٍ. عضلات الرجال وإذا قارنا رجال الامس برجال اليوم في السينما وجدنا انهم تمتعوا دائماً بتعويض ما عن الخلل الذي يشوب صورتهم. ممثلو اليوم يكتفون بتعويض واحد عن "تركيبة" غير ملائمة من الاناس: العضلات. طرزان السينما القديمة كان جوني ويسمولر بطل السباحة الذي تمتع بالوسامة والشكل اللائق معاً. هل نقارنه بطرزان اليوم، أرنولد شوارزينغر بطل كمال الاجسام النمسوي الذي فاز غير مرة ببطولة العالم، وجنى الملايين من افلام خيالية في وقت يفتقر الى الحد الادنى من الجاذبية؟ سيلفستر ستالون ذو عينين وشفتين ملتويتين وصوت اجش ومع ذلك يعتبر، مع اخذ عضلاته بعين الاعتبار، وسيماً وهذا يكفي ليكون نجماً. جون ترافولتا الذي وصل الى الحضيض بعد فشل فيلمين له سمع نصيحة صديقه ستالون وعمل على نفخ عضلاته بالتمارين الرياضية لكي يسترجع مكانته، وقام بالفعل ببطولة عدد من الافلام كان انجحها "انظر من يتكلم" الذي تبرز فيه عضلاته وان لم يستعملها. الممثل ليام نيسون ذو انف يحتاج عظمه البارز الى عملية تجميلية، لكنه يقوم بأدوار عاطفية منذ ظهوره، بل انه اعلن خطبته على الممثلة الجميلة بروك شيلدز التي استغربت هوليوود طويلاً فراغ حياتها العاطفي، وإذا بها تختار نيسون الذي لا يتفق كثيرون على وسامته وإن اعترفوا بجاذبيته. باتريك سوايزي ليس وسيماً ولكنه جذاب على رغم عينيه الغائرتين وفمه البارز. الفرنسي آلان ديلون اكثر من وسيم، ولكن كثيرين وكثيرات فضّلوا جان بول بلموندو عليه لأن الأول شديد النعومة والثاني ذو مظهر خشن. والممثل الاميركي دون جونسون بطل "ميامي فايس" لا يستهوي النساء اللواتي يبحثن عن الرجولة لأنه جميل ولكنه ناعم. وبرت رينولدز الذي انفقت هوليوود الملايين لترويجه كرمز للرجولة لم يصمد لأنه قاسي القسمات ولكنه غير جذاب. تغيّرت الصورة، اذاً، وفتحت هوليوود الباب امام الناس العاديين. لكن هؤلاء يلقون قبولاً لأنهم لا يزالون يتمتعون بفوارق معينة تضخمها السينما وتربطها بعالم آخر وان لم يكن دائماً عالم الخيال والحكايات. صحيح ان الناس يبحثون عن انفسهم في ما يقرأونه ويشاهدونه ولكنهم يتطلعون دائماً الى مثال يتجاوز واقعهم ويجعله أجمل وأفضل.