التقت "الوسط" مصممة الجواهر ريما الباجه جي في مكتبها في جنوبلندن والذي تقوم بجواره ورشة صغيرة، تعمل فيها مساعداتها الدؤوبات على التدقيق وفحص كل قطعة مجوهرات تصممها. كما يقمن بالترتيبات اللازمة لشحن الطلبات حول العالم عبر الهاتف والفاكس، جلست ريما محاطة بالصور المكبرة التي أُخذت عن بعض اكبر مجلات الازياء العالمية مثل "فوغ" و"إيل" وغيرهما ، تظهر فيها اجمل عارضات الازياء يتحلين بهذه المجوهرات الانيقة. وبينما كانت ريما ومساعدتها منهمكتين بتصليح مشبك صغير لحلق من الفضة، سألتها ان كان اهتمامها هذا ينطبق على كل قطعة تخرج من ورشتها، فأجابت بان "هذا امر طبيعي. نحن نهتم بكل قطعة ننتجها، ففي نهاية الطريق، لن تشتري الزبونة حلقاً يؤذي أذنها لانه مشدود، او يصعب لبسه لأن مشبكه رخو". ذوق رفيع وبان ذوق هذه المصممة العراقية الشابة، من مظهرها الانيق وبساطة ما اختارته لتزيين مكتبها من صور حولها وعينات انسجة ملونة جذابة وحلي جميلة. وحتى روح النكتة لديها ظهرت على الحائط، حيث علّقت صورة لحلي مذهّبة ومبهرجة للغاية كتبت عليها بخط عريض "قبيح!". وتقول ريما "لا احب المبالغة في التصميم، بل افضل التواضع بالملبس لانه يظهر الاناقة والثقة بالنفس، وهذا ما اعمل عليه في تصاميمي". وبالفعل، تتسم مبتكراتها بالاناقة والانوثة والخطوط البسيطة الطبيعية. وناولتني قلادة واسوارة من حجر الصرد، اي العقيق الاحمر البرتقالي، من مجموعتها لموسم الصيف وهي تقول "احب تصميم الحلي مستعملة الاحجار الكريمة الطبيعية مع الذهب او الفضة ولا استعمل البلاستيك ابداً، اذ اشعر ان المواد الطبيعية تملك ميزات خاصة تجعلها مريحة للبس وتعطي كل قطعة شخصية منفردة". الطبيعة معظم تصاميم ريما تنطلق من حبها للطبيعة فتوحيها الياف الاشجار والحصاة على شاطئ البحر والصخور الطبيعية، وتقول "بالاضافة الى الطبيعة من حولي التفت احياناً الى المنسوجات المطرزة، وخصوصاً القديمة والاثرية منها التي تملأ ذهني بالافكار والاشكال والالوان المختلفة". وتشير الى غصن شجرة يابس على مكتبها يتقوس وكأنه قطعة فنية رائعة وتفسر سبب احتفاظها بهذا الغصن "الحقيقة انني لا انوي تصميم اي قطعة مثله، بل يكفيني التمعن به فيذكرني بجمال الطبيعة التي لا تقلد". وتستعمل ريما الفضة والفضة المطلية بالذهب للعديد من تصاميها، ولكنها تفضل العمل بالذهب، ليس لكونه معدناً ثميناً فحسب، بل لاختلاف انواعه والوانه ومرونته مع اختلاف المعادن المصقولة معه، فتعطي امثلة عديدة وتقول: "هناك الذهب الاخضر الذي يسهل ثنيه وبالتالي يصعب التحكم به، ثم هناك الذهب الابيض الصلب الذي لو دققته بالمطرقة ترتد عنه دون ترك اي اثر عليه، وبينهما تتعدد الانواع". البداية وعن دراساتها وكيف بدأت عملها قالت مبتسمة: "امضيت معظم حياتي في الولاياتالمتحدة الاميركية وخصوصاً في نيويورك بسب عمل والدي في منظمة الاممالمتحدة. كما قضيت عاماً في بيروت قبل عودتي للالتحاق بجامعة شيكاغو فاخترت دراسة علم الاحياء المجهري المايكرو - بيولوجيا لانني احببت العلوم والطبيعة منذ صغري. ولكنني اهملت دراساتي حين اجبرت على دراسة بعض المواد التي لم احبها مثل الفيزياء وعلم المثلثات". اخذت ريما عطلة طويلة لزيارة اصدقاء لها في الدانمارك ربما لترتيب افكارها بعيداً عن اي ضغوط خارجية وهناك اتخذت قراراً غيّر مجرى حياتها، كما تروي قصتها قائلة: "عزمت على دراسة الفنون بدلاً من العلوم على الرغم من حبي للطبيعة. فقصدت لندن حيث كانت تدرس احدى اخواتي. وبعد عامين من دراسة الفنون العامة هناك، نلت شهادة اهلتني الالتحاق بالكلية المركزية للفن التي تخرجت منها بشهادة "بكالوريوس" متخصصة في تصميم المجوهرات. ومن بين نخبة اقلية من الجامعيين في المجال نفسه أُخترت للالتحاق "بالكلية الملكية للفن" حيث حصلت على الماجستير. في النهاية امضيت ثمانية اعوام بالدراسة لاصل الى هنا". حتى اميركا واليابان اليوم، ريما الباجه جي ام لثلاثة اطفال هم محور حياتها، سعيد وعائشة وكريم، تنظم وقتها كالعديد من النساء العصريات، بين مكتبها وبيتها. ويقوم زوجها بمساعدتها في ادارة اعمال الشركة واقامة توطيد العلاقات الطيبة مع الاسواق العالمية. وبالاضافة الى ترويج وبيع تصاميمها للمجوهرات والحلي في المحلات التجارية الكبيرة مثل ساكس فيفث افينيو الشهير و برغدوف غودمان في نيويورك، فقد لقيت نجاحاً باهراً في اليابان. وسألتها لماذا اليابان؟ وما الذي يجذب المرأة اليابانية الي تصماميها؟ فأجابت بثقتها المعتادة قائلة: "اظن ان اهتمامنا بجودة القطع التي ننتجها امر يهم الاسواق اليابانية. كما انني وجدت ان المرأة اليابانية اياً كانت، من ربة البيت الى مديرة الاعمال الى السكرتيرة، تعتني دوماً بكمال مظهرها. وتهتم بجودة ما تنتقيه وما يليق بها شخصياً بالاضافة الى ذلك فبساطة خطوطي في التصميم امر يتماشى مع ذوق المرأة اليابانية الانيقة". وماذا عن المرأة العربية؟ ولماذا لا تباع تصاميم ريما في اسواق الشرق الاوسط؟ فتقول بصراحة "اعتقد ان المرأة العربية تشتري تصاميمي عند زيارتها اوروبا او الولاياتالمتحدة. ولكن لم تتسنّ لي الفرصة بعد في بيع تصاميمي في الشرق الاوسط. والسبب في ذلك قد يكون عدم ثقة المحلات هناك بشراء المبتكرات المختلفة الجديدة او الغريبة، الا اذا نسبت الى مصممين عالميين مشاهير. وانا اعلم ان ما يليق بأسلوب الحياة الاوروبية او الغربية قد لا يليق بالذوق الشرقي، الا ان المرأة العربية اصبحت واثقة من ذوقها، تشتري ما يعجبها لنفسها، فالعديد منهن نساء عاملات مستقلات يرحبن بكل ما هو جديد وغريب، لذلك تقع المسؤولية اولاً على المحلات التجارية التي يجب ان تظهر روح المغامرة، وتقدم للمرأة العربية حرية الانتقاء من كل ما جد في الأسواق العالمية". أحب النوعين ولا تنحسر تصاميم ريما الباجه جي على القطع الرقيقة البسيطة، بل تصمم مختلف الحلي العصرية الجريئة والكبيرة الى جانب تلك التقليدية. وتفسر ذلك بقولها: "انا شخصياً احب النوعين، فألبس ما يليق بي حسب مزاجي المتغير، واعتقد ان معظم النساء مثلي، لا يلتزمن بشكل او خط واحد بل يجدن في التغيير اثارة". وتضيف قائلة: "في كل عام اقوم بانتاج مجموعتين اعرض مجموعة الربيع والصيف في شهر تشرين الاول اكتوبر ومجموعة الخريف والشتاء في شهر اذار مارس، وذلك تماشياً مع مواسم عرض الازياء في اوروبا. وفي كل مجموعة احب ان اقدّم بعض القطع الرقيقة الناعمة والاخرى الكبيرة والغريبة". وعلى الرغم من ان بعض تصاميمها تبدو للوهلة الاولى وكأنها عربية الايحاء، فهي تقول: "ربما لانني عربية، يرى العديد في تصاميمي لمسات شرقية، الا انني لا اقصد اي تراث معين. ولكن من الواضح انني احمل في داخلي بعض المؤثرات، وبالطبع الاحاسيس العربية او الشرقية التي تظهر في تصاميمي بشكل عفوي". ومن هي زبونة ريما الباجه جي؟ تجيب اصمم للمرأة الواثقة من ذوقها، التي لا تشعر بالالتزام من شراء حلي "شانيل" مثلاً عندما ترتدي طقماً، بل تحب المغامرة والتغيير وتتمتع بذوقها المنفرد. كما اشعر انه من المهم ان تكون صريحة مع نفسها فتعرف ان ما يليق بعارضة الازياء على صفحات المجلات ليس بالضروري يصلح لها شخصياً، والقطعة التي تنتقيها هي اخيراً جزء من اناقتها وليست رمزاً لاناقة المصمم او المصممة". في نهاية الحديث، عادت احدى المساعدات وعلى وجهها بعض القلق، فناولت ريما الحلق الصغير وهي تقول "اكاد ان افقد عقلي من مشبك هذا الحلق!" وانتقلنا الى الورشة الصغيرة لتأخذ ريما بملقط وتقلب وتجرب الحلق مرة بعد مرة الى ان وصلت في النهاية الى حل نال رضاها وموافقة مساعداتها لضم هذه القطعة الى الشحنة المتجهة الى اليابان وهي مرتاحة الضمير.