مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بطل "ايران - غيت" يتكلم للمرة الاولى . مكفرلين يفتح ملفاته السرية لپ"الوسط": هكذا فشلنا في لبنان ولم نتمكن من إخراج السوريين 8
نشر في الحياة يوم 10 - 08 - 1992

يتحدث روبرت مكفرلين مستشار الرئيس الاميركي السابق ريغان لشؤون الامن القومي، في هذه الحلقة الثامنة من ذكرياته التي خص بها "الوسط"، عن الفشل الذي منيت به الولايات المتحدة في لبنان وعن عدم تمكنها من الضغط على السوريين للانسحاب من هذا البلد.
وقد وافق مكفرلين، بطل قضية "ايران - غيت"، على ان يخرج عن صمته ويتكلم للمرة الاولى منذ انكشاف امر الاتصالات السرية الاميركية - الايرانية وزيارته السرية الى طهران عام 1986. واتفقت "الوسط" مع مكفرلين على ان يروي لها ذكرياته ويفتح ملفاته السرية ويقول ما لم يقله من قبل، سواء حين كان في الادارة الاميركية او بعد استقالته منها. وتم الاتفاق على عدم نشر اية كلمة من ذكريات مكفرلين هذه في اية مطبوعة اخرى في العالم، عربية كانت او اجنبية، غير "الوسط"، لكن مكفرلين يحتفظ لنفسه بحق نشر مذكراته هذه لاحقاً بعد صدورها في مجلتنا.
ولا بد من القول ان مكفرلين لم يكن، فقط بطل قضية "ايران - غيت" بل كان اكثر من ذلك، فقد لعب دوراً، الى جانب الدكتور هنري كيسنجر، خلال حرب تشرين الاول اكتوبر 1973، وتجول في الشرق الاوسط كمبعوث خاص للرئيس ريغان، وقام بمهمات "خاصة وسرية" في عدد من دول المنطقة، وتولى معالجة الكثير من الملفات الحساسة والخطرة، كالملف اللبناني وملف الارهاب في الشرق الاوسط والملف الليبي، وقابل مجموعة كبيرة من الزعماء والمسؤولين في المنطقة العربية واسرائيل، وشارك في صياغة السياسة الاميركية في الشرق الاوسط فترة من الزمان.
وفي تموز يوليو 1983 اختاره ريغان ليكون ممثله الشخصي في الشرق الاوسط ثم اصبح في تشرين الاول اكتوبر 1983 مستشار ريغان لشؤون الامن القومي، وبقي في منصبه هذا حتى كانون الثاني يناير 1986. وبعد ذلك تولى منصب المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ثم انشأ وترأس عام 1989 "مؤسسة مكفرلين"، وهو لا يزال على رأسها حتى اليوم. ومهمة هذه المؤسسة تقديم استشارات الى مسؤولين ورجال اعمال من دول عدة. وفي ما يأتي الحلقة الثامنة من ذكريات مكفرلين:
عدت الى لبنان في ايلول سبتمبر 1983، كمبعوث خاص للرئيس ريغان، بعدما ناقشت مع الرئيس نفسه والمسؤولين الاميركيين وبعض زعماء الكونغرس احتمالات استخدام القوة العسكرية لايجاد حل للمشكلة اللبنانية واخراج القوات السورية وغيرها من الاراضي اللبنانية. وقد حصلت على موافقة ريغان على سياستي هذه، اذ ان الرئيس اصدر تعليماته الى السفينة الحربية "نيو جيرزي" للانتقال من المحيط الهادئ الى البحر الابيض المتوسط وعلى مقربة من الشواطئ اللبنانية بأسرع وقت ممكن.
عدت الى لبنان اذاً باحساس متجدد بالحاح المشكلة. كان ذلك في الاسبوع الثالث من ايلول سبتمبر 1983 وكرست كامل طاقاتي واتصالاتي تقريباً من اجل تحقيق وقف لاطلاق النار بين القوات المتحاربة. ولم تكن النتائج تبشر بالخير في المدى القصير لكن كنت متفائلاً في المدى البعيد، اذ ان الجيش اللبناني الذي كان يتألف من جنود من جميع الطوائف الدينية، والتزمت الولايات المتحدة بتدريبه وتجهيزه، بدأ يظهر تقدماً. وكجزء من المساعي المبذولة لفصل التنظيمات المتناحرة عن بعضها، تحركت مفرزة من القوات النظامية الى التلال المطلة على بيروت من الشرق عند موقع اسمه سوق الغرب. وكان هدف القوات في نهاية المطاف هو اقامة خط مأمون بين المسيحيين والدروز الذين يعيشون هناك. ولكن بمجرد وصولها تعرضت للنيران. كذلك تعرض مشاة البحرية الاميركيون في مطار بيروت للنيران مثلما تعرض منزل السفير الاميركي في بعبدا. ولم يتضح حتى هذا اليوم، ما اذا كانت تلك النيران من الميليشيات الدرزية او العناصر الشيعية او القوات السورية. وهكذا فان الدوامة التي وصفتها آنفاً بدأت تحدث. لقد بدأ الاميركيون يتعرضون للهجوم. وأعلن الرئيس امين الجميل انه لا يستطيع فعل شيء. ومع هذا فان مشاركتنا في القتال سوف تفسر على انها انحياز وقتل للعرب لا على اساس انها دفاع عن النفس. وفي مسألة منفصلة ولكنها ذات علاقة بالتطورات، أكدت تقارير المخابرات الواردة من سوق الغرب ان المهاجمين كانوا من القوات الشيعية التي ترعاها ايران. وكان من الصعب بل المستحيل بالنسبة الينا ان نتأكد. ولهذا قررت التوجه بنفسي الى سوق الغرب صبيحة اليوم التالي. كان المنظر رهيباً. كانت القوات النظامية اللبنانية منهكة وفي حالة انهيار، وهي مشاهد طالما رأيتها في فيتنام. وتعمدت التحدث الى ضباط مختلف الوحدات. ومن الواضح ان الجنود الشيعة كانوا يحاربون الى جانب السنة والمسيحيين. وسمعت قائد سرية درزياً يثني على بطولات جنوده الشيعة. اما بالنسبة الى العدو فقد كان الجميع يعتقدون انهم "متطرفون دربهم الايرانيون" وتدعمهم المدفعية السورية. وصرت افكر اين يضعنا كل هذا من مسألة الدفاع عن قرارنا الذي اتخذناه في واشنطن: اي الرد على النيران. فقبل كل شيء كان واضحاً ان الاميركيين يتعرضون للهجوم عمداً، والدفاع عن انفسنا ليس انحيازاً. الا ان موقفنا سيكون أقوى كثيراً اذا كان المهاجمون اجانب او يحظون بتأييد اجنبي. وكانت الأدلة في سوق الغرب تؤكد على ما يبدو ذلك. ومن المفارقات ان العنصر الوحيد المثير لعدم الارتياح في عملية بحثي عن الادلة كان الشهادة المتحمسة التي قدمها العقيد سيمون قسيس رئيس مخابرات سلاح الجو اللبناني الذي أبلغني بايمان راسخ ان المهاجمين كانوا من الشيعة الراديكاليين الذين يدربهم الايرانيون. لكنني اكتشفت ان سيمون قسيس لا يقول الحقيقة.
لقاء جديد مع الاسد
بعد فترة قصيرة من هذا الهجوم زرت دمشق لكي احاول من جديد اقناع الرئيس حافظ الاسد بفائدة وقف اطلاق النار. وكما هي العادة شرحت للرئيس الاسد استعداد الحكومة اللبنانية لأخذ المصالح السورية في الحسبان في جميع المجالات، ورغبتها في طمأنة مشاعر القلق الامنية السورية إزاء اسرائيل. وكان الاسد يقول في السابق حين سرد ذلك: "إن سورية ولبنان شعب واحد وأمة واحدة وبلد واحد وهو امر لا يمكن تغييره". الا انه في هذه الزيارة، وبعد تصعيد استخدام القوة الاميركية قال لي: "سوف نرى" الا انني لم ابالغ في اهمية تغيير نغمة حديثه، كما انها لم تأت نتيجة براعتي الديبلوماسية. وبينما كنت أهم بالمغادرة بعد أربع ساعات قلت: "ان البارجة الحربية الاميركية نيو جيرزي ستكون في مكانها خلال أسبوع". وعندها توقف الاسد الذي كان يقودني الى الباب واستدار قليلاً ثم رفع حاجبيه ولو ان رأسه ظل مائلاً، وهز رأسه. وبعد أربع وعشرين ساعة وافق على وقف اطلاق النار.
ما ان سرى وقف اطلاق النار حتى ارسلت نائبي ريتشارد فيربانكس الى واشنطن مع بقية اعضاء الفريق الذين كانوا بعيدين عن الوطن حوالي شهرين. لكنني بقيت في بيروت لكي ابدأ التخطيط مع الرئيس الجميل لكيفية اتخاذ الخطوات لجمع الاطراف المختلفة معاً: الفئات الدينية داخل لبنان اضافة الى اسرائيل وسورية من اجل ترتيب انسحاب القوات الاسرائيلية والسورية من هذا البلد. وخلال هذه الفترة ساهم وديع حداد مستشار الجميل لشؤون الامن الوطني بأفضل الافكار. ولكن اتضح في ما بعد ان الرئيس الجميل لم تكن لديه الشجاعة الكافية لتنفيذ افكار حداد.
وفي الاسبوع الأول من تشرين الأول اكتوبر 1983 تلقيت طلباً من القاضي كلارك مستشار ريغان لشؤون الامن القومي للاجتماع به في روما. وكان قد زار فيينا لسبب ما وأراد رؤيتي. وشعرت بالارتياح لفرصة الارتياح لمدة يومين. وحين وصلت طلب مني سفيرنا في روما ماكس راب ان اطلع رئيس الوزراء الايطالي كراكسي ووزير خارجيته اندريوتي ووزير دفاعه سبادوليني على تطورات الاحداث في الشرق الاوسط، وهو ما فعلته. وفي فترة متأخرة من بعد ظهر ذلك اليوم جلست مع القاضي كلارك الى جانب بركة السباحة في منزل ماكس. وكان من الواضح ان القاضي مرهق. وأخذ يتحدث لمدة ثلاثين دقيقة عن الاسف واستحالة تحقيق اي شيء ما دام وزير الدفاع واينبيرغر وشولتز يمسكان بخناق بعضهما. كذلك كان يشعر بالحزن بسبب ما سماه "حملة مايك ديفر لتدمير علاقتي مع آل ريغان".
وهكذا ضرب على الوتر المهم. اذ مضى يقول: "لكنني قلت للرئيس ريغان انني اريد ان اترك قبل مضي وقت طويل. فقد حان الوقت لأعود الى المزرعة. وإذا ما فعلت ذلك فانني اريدك ان تحل مكاني. لا تعطني جوابك الآن. فكر في الأمر". واضطربت عقب ما سمعته. إذ ان في وسعي ان اتخيّل مدى صعوبة حياته في جوّ البيت الابيض المحموم بالمنافسة دائماً، لا سيما وأنه كان من دون نائب لمدة شهرين. وحاولت ان اخفف عنه ونصحته بأن يأخذ اجازة. ان بيل كلارك رجل شريف وقد شعرت بالاسف عليه. وفي اليوم التالي غادرنا معاً: هو الى واشنطن وأنا الى بيروت.
بعد عشرة ايام استدعيت الى واشنطن وتولى مهامي في بيروت ريتشارد فيربانكس. وفي الثاني عشر من تشرين الاول اكتوبر استقال وزير الداخلية جيمس وات. وفي اليوم التالي عين القاضي كلارك خلفاً له. وبعد الاعلان جاء القاضي الى مكتبي وجلس امامي. قال انه تحدث الى الرئيس ريغان وأوصى بتعييني خلفاً له وطلب إلي ان افكر في الامر خلال العطلة الاسبوعية وان ابلغه ردي يوم الاثنين. وخلال العطلة الاسبوعية بحثت الامر مع زوجتي وأطفالي. ومن الواضح ان مستشار الامن القومي لرئيس الولايات المتحدة يشغل منصباً يستطيع من خلاله التأثير في التغييرات اكثر ربما من اي مسؤول آخر في حكومتنا. وقد تدربت على ذلك حوالي ثلاثين عاماً وكنت أؤمن اننا نستطيع بعد ثلاثة اعوام من اعادة بناء قدرتنا على القيادة، ان ننجز أشياء مهمة لا سيما في ما يتعلق بالاتحاد السوفياتي. ولم استهن بالمشكلات التي كانت دفعتني الى التفكير بالاستقالة قبل ثلاثة اشهر، والواقع ان امكانية ان اصبح رئيساً لمجلس الامن القومي لا نائباً له هي التي غيرت الامور. والحديث باسم الرئيس عبء شديد لكنه سلطة كبيرة. وهكذا اعتقدت انني جاهز للمنصب.
وفي صباح الاثنين قلت لكلارك: "اذا كان الرئيس يريد مني ان أخدم في ذلك المنصب فانني سأفعل". فقال لي ان الرئيس ريغان لم يتخذ قراراً بعد. وكان من المقرر ان يجتمع ريغان بعد ظهر ذلك اليوم مع مجموعة تخطيط الامن القومي التي تتألف من وزراء الخارجية والدفاع ومدير المخابرات المركزية ورئيس هيئة الاركان المشتركة في غرفة على مقربة من مكتبي. وذهب كلارك الى المكتب البيضاوي لمرافقة الرئيس الى الاجتماع. وفي الطريق قال ريغان بشكل عابر انه قرر اختيار جيمس بيكر ليخلفه كمستشار له لشؤون الامن القومي. وأضاف: "سأعلن ذلك في الاجتماع" ودهش كلارك وشعر بالغضب، اذ لم يكن يحب بيكر. ولكنه كان قلقاً من العداء الذي سيولده تعيين بيكر بين المحافظين في الادارة كيسي - وواينبرغر- وميل الرئيس لتلبية ما كان يعتقد كلارك ان فلسفة معتدلة كثيراً من بيكر. وتمتم كلارك: "سيدي الرئيس يجب الا تفعل ذلك، لأنه سيكون كارثة. ولذا أريدك ان تعيد النظر" واستدار الرئيس اليه ونظر بحيرة ولكنه وافق على الانتظار. وبعد الاجتماع طلب كلارك من واينبيرغر وميس وكيسي مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية الانضمام اليه في مكتبه. وشرح لهم ماذا حدث فاستاءوا واتفقوا مع كلارك على ان تعيين بيكر سينهي اي امل في تحقيق "برنامج ريغان المحافظ". وعندما بحثوا البديل اقترح كلارك اسمي بينما حث كيسي على اعتبار جين كيركباتريك سفيرتنا في الامم المتحدة. والتزم كلارك بابلاغ رغباتهم الى الرئيس، وهو ما فعله بعد ظهر ذلك اليوم. وعندما عاد الى مكتبي اكتفى بالقول ان الرئيس سيفكر في الامر. وفي تلك الأمسية اتصل كيسي بالرئيس ليحثه على اختيار كيركباتريك. وفي الصباح اعلن الرئيس للقاضي انه قرر اختياري خلفا له، ثم ورد التعيين في بيان صحفي من البيت الابيض بعد ظهر ذلك اليوم.
نسف مقر القوات الاميركية
وهكذا اصبح برنامج اعمالي فجأة أوسع كثيراً من لبنان. وبدأت في استيعاب سجلات ما حدث في بقية انحاء العالم منذ ان توجهت الى لبنان: إسقاط الطائرة الكورية فوق جزر سخالين الروسية، الانتشار شبه المحتوم للصواريخ المتوسطة المدى في المانيا واحتمال انسحاب السوفيات من مفاوضات نزع السلاح، والأدلة المتعاقبة على تعزيز الجناح الذي تدعمه كوبا والاتحاد السوفياتي سيطرته في غرانادا وما الى ذلك من القضايا المهمة التي تحتاج جميعها الى الاهتمام، الا انني كنت مهتماً بلبنان وكنت اريد ضمان تعيين بديل ملائم لي. ولهذا تحدثت الى جورج شولتز واتفقنا على ان دون رامسفيلد هو افضل اختيار. واتصل به شولتز فقبل.
في العطلة الاسبوعية الاولى بعد تعييني سافرت مع الرئيس ريغان الى أوغسطا في ولاية جورجيا حيث كان سيلعب الغولف مع جورج شولتز ودون ريغان ونيكولاس بريدي. ورأيت انها مناسبة للقراءة والاسترخاء. وبعد ان تناولنا العشاء ذلك المساء مع الأربعة وزوجاتهم توجهنا الى غرفنا. وحوالي الساعة الثانية صباحاً ايقظني نائبي الذي اتصل بي هاتفياً من واشنطن ليقول لي ان نائب الرئيس بوش يريد التحدث الى الرئيس. وكان الرئيس قد طلب من نائبه قبل ان يغادر واشنطن متابعة قضية غرانادا وتقييم الخيارات المتاحة امامنا اذا ما طلب الينا منع تعزيز النظام الشيوعي في الجزيرة سلطاته، وفي تلك الليلة اتصل جورج بوش ليقول اننا تلقينا طلباً رسمياً من رابطة دول شرقي البحر الكاريبي بالتدخل العسكري لمنع رسوخ الخطر القائم على أمنها في غرانادا. وكان بوش يريد التوصية بتحويل قوة مشاة البحر التي كانت في طريقها الى البحر الابيض المتوسط الى غرانادا، وباستعداد قوات اخرى من المظليين في فورت براغ في ولاية كارولاينا الشمالية للتوجه اليها ايضاً. وأيقظت شولتز أولاً، ثم ايقظنا معاً الرئيس. وبعد ان لخصت الوضع قلت ان رفض مثل هذا الطلب الرسمي من رؤساء أربع حكومات سيلحق ضرراً رهيباً بمصداقيتنا في مختلف انحاء العالم. وإثرها اتصل نائب الرئيس وأصدر أمره بالرد الايجابي على الطلب والاسراع في التخطيط للهجوم، وإثر ذلك عدنا للنوم.
وخلال مباراة للغولف في اليوم التالي، شق رجل غير متزن العقل طريقه الى متجر واحتجز موظفيه تحت تهديد السلاح. وطالب الحديث الى الرئيس نفسه. وبعد الاجراءات الاحتياطية المعتادة رتبت المخابرات المكالمة الهاتفية. وبمجرد ان سمع الرجل صوت الرئيس وضع السماعة ثم سلّم نفسه بعد فترة وجيزة للسلطات.
بعد ان أويت الى فراشي تلك الليلة استيقظت على أنباء تفجير مقر جنود البحرية الاميركية في بيروت وفقدان الكثير من الارواح. عندهاأيقظت الرئيس وشولتز، وأبلغتهما ما سمعته ثم قمت بالترتيبات اللازمة لعودتنا الى واشنطن.
كان الهجوم على مقر جنود البحرية الاميركية ضربة ساحقة من عدة أوجه. فخلال اقامتي في بيروت تعرفت بشكل جيد على العقيد تيم غيراتي قائد المجموعة. وكنت ادرك ان الجنود كانوا هدفاً مكشوفاً دون ان يكون لديهم اي إحساس بالانجاز الحقيقي. وقد زرتهم عدة مرات لكي احاول ان اشرح لهم اهمية دورهم في مساندة الرئيس الجميل، باعطائه الشجاعة اللازمة لتحقيق السلام في لبنان، وكنت اريد ان ينتقلوا من ذلك المدرج الى مكان اقل عرضة للخطر، ولكن هذا لم يحدث.
كان نجاح الهجوم على المقر كبيراً الى درجة انه كان في الوسع تصويره على انه اشارة على هزيمة الاستراتيجية الاميركية. ولكن لما جاء مع ارسال القوات الاميركية الى غرانادا، فانه كان في الوسع بخطاب ناري من الرئيس الى الشعب الاميركي، استدرار العطف والتأييد وإظهار قوة العزيمة ايضاً. كانت المسألة مسألة براعة سياسية. وفعلاً، وعقب ذلك الخطاب قفزت شعبية الرئيس ريغان الى اعلى مستوياتها منذ عدة اشهر.
والواقع ان الهجوم على مقر جنود البحرية كان بداية لنهاية الدور الاميركي في لبنان. فقد واصلنا روتين مؤتمرات جنيف والديبلوماسية المشتتة. الا ان واينبيرغر شرع في واشنطن في خوض معركة حامية الوطيس لسحب القوات الاميركية من لبنان وسرعان ما تسرب ذلك الى الصحف، وعندما بدأ الرئيس حافظ الاسد يرى الخلافات بين صفوفنا ازدادت قوة عزيمته. وواصلت مع شولتز شرح الاسباب الداعية الى سحب قواتنا من بيروت والى القيام بدور اكثر عقلانية كوسطاء لاحلال السلام بين الفئات المنسحبة. ولكن هذا كان سيحتاج الى عدد اكبر مما لدينا من القوات. وسرعان ما تبين ان جنودنا غير راغبين في ذلك. وشعر الرئيس بمرارة شديدة وخيبة امل لكنه لم ينقض قرار وزير دفاعه. وبحلول نهاية شهر كانون الثاني يناير عام 1984، ومع اقبال السنة الانتخابية علينا، تبيّن لي انه يجب علينا ان نكون صادقين مع اللبنانيين ومع انفسنا. اذ لم يعد في مقدورنا الاستمرار في نشر قواتنا في لبنان. لقد فشلنا.
كانت جهودنا التي بذلناها بحسن نية، وفقاً لما اعتقد، والتي انتهت بالفشل، الى درجة كبيرة نتاجاً لجهل وزير الدفاع كاسبر واينبيرغر وعناده، ولسطحية الرئيس ريغان الممزوجة بالتردد كذلك كان فشلنا يعود في جزء منه الى الخداع السافر من اسرائيل: تعهداا بأن اهدافها كانت محدودة وموجهة كليا نحو منظمة التحرير الفلسطينية بينما كان الغزو الاسرائيلي للبنان في حقيقة الامر الحركة الاولى والافتتاحية لاستراتيجية واسعة شاملة لبناء اسرائيل الكبرى. وأخيراً كان فشلنا نتيجة هدرنا واضاعتنا قوتنا ومكانتنا السياسية ووقتنا الثمين في متابعة خطة -بل نزوة- تدعو الى التفاوض على معاهدة سلام بين اسرائيل ولبنان، بدلاً من استغلال هزيمة سورية من اجل ضمان تحرير لبنان من القوات الاجنبية قبل ان تستطيع دمشق اعادة تسليح نفسها، وبالطبع من الواضح ان القيادة السياسية في لبنان الرئيس امين الجميل لم تكن على مستوى المهمة. ومن المؤكد ان خبرة ريغان في لبنان مثال كلاسيكي على العجز عن الحكم. ولكن هناك عاقبة اكثر ديمومة للخبرة اللبنانية. اذ ليس هناك من شك في ان الرئيس كان يشعر باحباط مضطرد تجاه موظفي وزارة الخارجية الاميركية في كل يوم من ايام العذاب تلك: من أيلول سبتمبر عام 1982 حتى الانسحاب في شباط فبراير عام 1984. فلماذا ورطوه في اللهث لمدة ثمانية اشهر وراء اتفاق عديم الجدوى وفوتوا عليه فرصة اخراج سورية من لبنان؟ وماذا يمكنك ان تقول عن مهارة مؤسسة محترفة كوزارة الخارجية تقدم لك مرة تلو الاخرى المشورة الرديئة ولا تنجز على ما يبدو اي شيء ذي قيمة؟
لقد كان للتجربة اللبنانية المحزنة اثر عميق على ثقة الرئيس ريغان في وزارة خارجيته، كما انها جعلته يعتمد الى درجة اكبر كثيراً على موظفي البيت الابيض لانجاز الامور في المستقبل. وأدى ذلك في بعض الحالات مثل استخدام مبادرة الدفاع الاستراتيجية في الضغط على السوفيات الى نتائج تاريخية. لكنه ادى في حالات اخرى الى كوارث مثلما كان الحال في المبادرة الايرانية.
الاسبوع المقبل:
الحلقة التاسعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.