اتخذ مجلس الوزراء السعودي في جلسته الاخيرة برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يوم الاثنين 23 آذار مارس الماضي عددا من القرارات التي لقيت صدى ايجابياً في المملكة العربية السعودية سواء لدى المواطنين او الاجانب المقيمين في المملكة او لدى رجال الاعمال والدوائر الاقتصادية الخاصة. وجاءت هذه القرارات مواكبة لتوقعات وتطلعات المواطنين بعد ان اثبتت الجبهة الداخلية صمودا طيلة فترة ازمة الخليج وما أفرزته من اثار اقتصادية ونفسية سلبية تحملها الجميع. فخلال الازمة ارتفعت اسعار التأمين على البضائع المشحونة الى دول المنطقة، ومنها المملكة، بنسبة تزيد عن 250 في المئة، وبالتالي ارتفعت اسعار السلع والبضائع المختلفة، خصوصاً التي يتم استيرادها من الخارج، فضلا عن الارتفاع العالمي في اسعار الكثير من السلع والخدمات. ومع ان اجمالي واردات المملكة من السلع المختلفة تزيد قيمتها عن 80 مليار ريال الدولار = 75،3 ريال من اجمالي التجارة الخارجية للمملكة البالغة قيمتها 172 مليار ريال، حسب احصاءات عام 1990، الا ان تأثيرات ارتفاع اسعار التأمين على المستهلك النهائي لم تكن فوق طاقة السواد الاعظم من المستهلكين في المملكة، المواطنين منهم والمقيمين. وليس ادل على ذلك من ان المتوسط السنوي لتكاليف المعيشة لجميع سكان المدن سعوديون وغير سعوديين لم يرتفع خلال عام 1990 وهو العام الذي شهد تفجر ازمة الخليج اكثر من 4،1 في المئة في اسعار المواد الغذائية، مقارنة بعام 1989، وهو معدل متدن للغاية، فيما سجل الرقم القياسي لاسعار الاقمشة والملابس زيادة قدرها 2،1 في المئة فقط، وسجلت اسعار الرعاية الطبية زيادة قدرها 6،0 في المئة فقط. في حين تراجع معدل الانفاق على السكن وتوابعه بنسبة 9،0 في المئة، كما تراجع معدل الانفاق على الاثاث المنزلي بنسبة 7 في المئة، وتراجع معدل الانفاق على النقل والمواصلات خلال العام ذاته بنسبة 4،2 في المئة. ويحدث هذا في الوقت الذي تشهد فيه هذه الاسعار ارتفاعات تصل الى 5،2 في المئة في الولاياتالمتحدة سنوياً، ومثلها في المانيا، وهما من الدول الصناعية المتقدمة. ومع ذلك سعت حكومة الملك فهد بن عبدالعزيز - كما فعلت اثناء ازمة الخليج - الى امتصاص الزيادات التي حدثت في الاسعار وتحمل اعبائها نيابة عن المستهلكين، دفعاً لمسيرة الاقتصاد المحلي الى صلب دائرة الانتعاش والازدهار، فاصدرت القرارات الاخيرة التي يمكن تلخيصها بما يلي: - تخفيض تعرفة استهلاك التيار الكهربائي بنسبة 5،28 في المئة للشريحة الاولى التي كانت تصل الى 3000 كيلووات/ساعة مع توسيع نطاق هذه الشريحة ليصل الى 4000 كيلووات/ساعة فيصبح سعر الكيلووات في هذه الشريحة 05،0 ريال مقابل 07،0 ريال قبل التخفيض. - تخفيض تعرفة استهلاك التيار في الشريحة الثانية بنسبة 20 في المئة لتصل الى 08،0ريال مقابل 10،0 ريال وتوسيع نطاق الشريحة لتصل الى 6000 كيلووات/ساعة بدلاً من 4000 كيلووات/ساعة سابقاً. - تخفيض قيمة تعرفة استهلاك المياه بنسبة 50 في المئة ليصل سعر المتر المكعب الواحد الى 15،0 ريال بعد ان كان 30،0 ريال. - الغاء رسوم المكالمات المحلية للهاتف داخل المدن وتخفيض رسوم التأسيس والاشتراك السنوي بنسبة 53 في المئة لتبلغ نحو 280 ريالاً للتأسيس بعد ان كانت 006 ريال. - تخفيض سعر غاز الطبخ للمستهلك بنسبة 30 في المئة. - تخفيض سعر البنزين بنسبة 37 في المئة ليصل سعره الى 3،0 ريال لليتر بعد ان كان 53،0 ريال. - تخفيض رسوم السجل التجاري بجميع فئاته. - اعادة رسوم واجور خدمات الموانىء الى ماكانت عليه قبل صدور نظام الموانىء الجديد في منتصف الثمانينات اي تخفيضها بنسبة 50 في المئة. وتصب هذه القرارات في قناتين، الاولى تؤدي الى تخفيف اعباء المعيشة عن كاهل المواطنين السعوديين والاجانب المقيمين على ارض المملكة دون تفرقة او تمييز، اي تحقيق المزيد من الارتفاع في مستوى المعيشة في المملكة ليضاهي مثيله في اكثر الدول تقدما ورفاهية. اذ سيستطيع المواطن أو المقيم ان يحصل على القدر نفسه من الخدمات باسعار تقل عما كان يدفعه في السابق ومعنى هذا ان الدخل الحقيقي للمستهلك في المملكة سيتضاعف. وبحسب نصوص القرارات فقد تركزت الاعفاءات على الغالبية العظمى من المستهلكين في المملكة، اذ سيستفيد من اعفاءات الشريحة الاولى لاستهلاك التيار الكهربائي 75 في المئة من المشتركين البالغ عددهم 4،2 مليون مشترك. كذلك فان تخفيض اسعار البنزين سيعود بالنفع على مالكي 95،4 مليون سيارة 5،2 مليون سيارة خاصة، 120 الف سيارة اجرة، 2،2 مليون شاحنة، 52 الف حافلة… وتخفيض اسعار المياه سيخدم اكثر من 92 في المئة من مستهلكي المياه وتخفيض اسعار الغاز سيخدم اكثر من مليوني اسرة، ولن نتحدث عن الهاتف الذي يعد وسيلة اتصال هامة في المملكة نظرا الى المسافات الكبيرة بين المدن السعودية. اما القناة الثانية فتصب في دعم الدولة للنشاط الاقتصادي الخاص من خلال تخفيض رسوم واجور خدمات الموانىء بنسبة 50 في المئة الامر الذي يؤدي الى خفض لقيمة النولون الذي تتحمله الشركات والمؤسسات الخاصة 7107 شركات مسجلة بالمملكة بمختلف اشكالها القانونية برأسمال يقارب 90 مليار ريال، اضافة الى 151 الف مؤسسة خاصة، الى جانب استفادتها من خفض رسوم السجل التجاري واستفادتها من الاعفاء من قيمة فواتير الهاتف عن المكالمات المحلية داخل المدن وغيرها، من التيسيرات التي تضمنتها قرارات مجلس الوزراء. وكل هذه ستنعكس بلا شك في صورة ارتفاع مداخيل تلك الشركات والمؤسسات. من جانب آخر فان تخفيض رسوم خدمات الموانىء السعودية بنسبة 50 في المئة سيجعل تلك الموانىء ذات ميزة تنافسية تتفوق بها على الموانىء الاخرى في المنطقة، الامر الذي سيؤدي الى المزيد من الانتعاش لتجارة الترانزيت عبر هذه الموانىء وازدياد حركتها. لكن لماذا لجأت الحكومة السعودية الى تخفيض اسعار ورسوم بعض الخدمات الاساسية التي تقدمها للمستهلكين ولم تعمد الى استخدام الاسلوب الذي تتبعه دول اخرى بزيادة نقدية الى رواتب الموظفين؟ وثمة سؤال آخر: هل تكلفة زيادة الرواتب تحمل الدولة اعباء مالية تفوق تخفيض الرسوم ولذا اعتمدت الخيار الاسهل؟ والحقيقة ان الخيار الذي سلكته الحكومة السعودية حسب الخبراء والمختصين، هو افضل الخيارات وانسبها لعدد من الاسباب اهمها: اولا: لو عمدت الحكومة الى رفع رواتب الموظفين البالغ عددهم 1،1 مليون عامل بزيادات نقدية، لأدى ذلك الى ارتفاعات مباشرة وسريعة في اسعار مختلف السلع والخدمات ولتضرر المواطن والمقيم اكثر مما كسب. ثانياً: ان الاسلوب الذي اعتمدته الحكومة نزع فتيل اي ارتفاع محتمل في الاسعار بل على العكس رفع من القدرة الشرائية للمستهلكين بمقدار الضعف تقريباً. ثالثاً: ان المنفعة في الخيار الذي اعتمدته الحكومة شملت قطاعات اوسع من المجتمع من المواطنين والمقيمين والتجار ورجال الاعمال والشركات. اما الزيادة النقدية لو تمت لكانت اقتصرت على قطاعات محددة. اما في ما يتعلق بتكلفة كل من الخيارين فيمكن القول ان الدولة ستتحمل ما يزيد عن 17 مليار ريال نتيجة تحملها الفرق بين التكلفة الحقيقية للخدمات والسلع المختلفة المشار اليها وبين الرسوم الجديدة بعد التخفيض للمستهلكين، وهو ما يزيد بمقدار الضعف في حال منح علاوة اضافية على الرواتب بنسبة معينة، ولتكن 10 في المئة مثلاً على اساس ان متوسط الرواتب 6000 ريال. على اية حال فان الاصداء ما زالت تتوالى على قرارات الحكومة السعودية، على رغم مرور اسبوعين على اتخاذها، وما زالت الاسر السعودية والاجنبية المقيمة في المملكة تحسب نصيبها من الزيادة الناتجة في المداخيل الحقيقية لها.