حتى انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت افغانستان البلد الوحيد في العالم، الذي يحيط به هذا العدد من الدول الكبرى على المستويين الدولي والاقليمي, من دون منفذ او متنفس بحري. وهو البلد الوحيد, الذي يرتبط جيرانه بشعبه, بهذا القدر من الروابط العرقية واللغوية والثقافة, وبهذا القدر من الصراعات بينها. تقع افغانستان بين الاتحاد السوفياتي وباكستانوايران اضافة الى ممر ضيق يصلها بالصينوالهند. الاتحاد السوفياتي في الشمال مع امتداد الطاجيك والاوزبيك والتركمان في جمهورياته الثلاث الى عمق افغانستان وحتى كابول. وعلى جانبي الحدود الطويلة بين افغانستانوباكستان تعيش القبائل نفسها, خصوصا الباشتون التي تمتد من كابول حتى بيشارو في شمال باكستان. وتضع ايران عينا على الشيعة في غرب ووسط افغانستان واخرى على الطاجيك والاوزبيك الذين يتكلمون الفارسية. وتطل الصين على افغانستان من خلال حدودها الضيقة معها من جهة, ومن خلال طاجيكستان الواقعة على حدود ولاياتها الشمالية الغربية التي يقطنها المسلمون. اما الهند فعلى رغم انها لا تتصل بحدود واسعة مع افغانستان, فتظل مع كشمير ونزاعاتها مع باكستان على مرمى حجر من اي تحول سياسي في كابول. افغانستان ظلت بعيدة نسبياً عن نتائج الحربين العالميتن الاولى والثانية, وعن الحرب الباردة التي اعقبتهما حتى عام 1973 حين اطيح بالملك ظاهر شاه في انقلاب قاده محمد داوود ابن عم الملك وصهره. ولم يكن هذا الانقلاب العسكري على خلاف انقلابات العالم الثالث, نتيجة تدخل اجنبي بل تعبير عن الصراعات الداخيلية لدى القبائل الباشتونية المنقسمة بين قوى الريف التي كانت تدعم ظاهر شاه وبين قوى المدن التى ايدت صهره الليبرالي. لكن هذا الانقلاب فتح الابواب واسعة امام التدخلات الاجنبية. وبعد اقل من عام على الانقلاب الذي رتبته موسكو عام 1978 بقيادة نور محمد طرقي, سقط شاه ايران احد اهم حلفاء واشنطن في المنطقة, الامر الذي عجل بنقل افغانستان الى دائرة الاهتمام الاستراتيجي الاميركي المباشر. وفي هذا الاطار جاء انقلاب حفيظ الله امين الذي اتهمته موسكو بأنه مجرد أداة في ايدي المخابرات الاميركية. وقد قتل نور محمد طرقي في الانقلاب, ما جعل الزعيم السوفياتي بريجينيف يرتجف غضبا على حد ما ورد في مذكرات وزير خارجيتة اندريه غروميكو. واثر ذلك ارسل الزعيم السوفياتي فريقا من المخبرات السوفياتية لاغتيال امين وتم نقل الرئيس الجديد بابرك كارمل على ظهر دبابة سوفياتية الى القصر الجمهوري. ومع بدء مقاومة المجاهدين الافغان للنظام الشيوعي ثم الغزو السوفياتي لافغانستان نهاية 1979 فتحول البلد الى احد اشد جبهات الحرب الباردة سخونة. ومع انسحاب القوات السوفياتية عام 1989 اصبحت افغانستان واحدة من ابرز الانتصالات الاميركية في الحرب الباردة. ويميل بعض الخبراء الى القول بأن انهيار الاتحاد السوفياتي الاقتصادي والعسكري بدأ في كابول وليس في موسكو او اي من عواصم دول الكتلة الشرقية. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واستقلال طاجيكستان واوزبكستان وتركمانستان على الحدود بين روسياوافغانستان واثر انتهاء الحرب الباردة وميل سلطات طهران الى الاعتدال سقطت افغانستان من دائرة الاهتمام الدولي عموماً والاميركي الاستراتيجي خصوصاً وانتقلت قضيتها الى ملفات الاممالمتحدة والى المجاهدين الافغان انفسهم. لكن الانقسامات القبلية والعرقية واللغوية, والدرجة العالية من التسلح لدى تنظيمات المجاهدين كلها اعادت الى التعقيدات الاقليمية التاريخية وزنها الثقيل بعدما غابت خلف الدورين الحاسمين للاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. ان عودة الانقسامات القبلية والمصالح الاقليمية كعامل حاسم في اية تسوية او حرب مقبلة، ابرزت على السطح الدور الفاعل للقادة العسكريين على الارض وهم من ابناء زعماء القبائل الصغيرة المنضوية تحت لواء احزاب المجاهدين السبعة.ومن خلاذ هؤلاء القادة تمكنت دولة صغيرة مثل طاجيكستان من ان تلعب دوراً مهماً في اتفاق احمد شاه مسعود مع "ورثة" نجيب الله الاربعة في كابول وهم من الشيوعيين السابقين، وتربطهم اكثر من صلة مع زعماء طاجيكستان واوزبكستان - الشيوعيين السابقين ايضاً ? والذين ترتبط مصائرهم بصورة مباشرة بالمستقبل السياسي في افغانستان. ومع ذلك فقد تتحول التعقيدات الاقليمية لصالح تسوية سلمية بين اطراف المجاهدين، تنتقل بموجبها السلطة اليهم بشكل هادئ، لأن الدول المحيطة بأفغانستان ليست قادرة، لا اقتصادياً ولا عسكرياً، على ادارة حرب اهلية طويلة في هذا البلقان الآسيوي الذي يهدد القارة بأكملها.