"البورتريه" او فن رسم الشخصية يبدو منذ مدة خارج الحركة التشكيلية، فكأنه فن اجتماعي يكتسب اهميته من موضوعه لا من شكله كفن. وفي مصر يتضاءل عدد الذين يمارسون فن "البورتريه" الذي يكاد يقتصر على رغبات عابرة من احد طرفي اللوحة، الفنان او الشخصية، يرسم احدهما ويجلس الاخر امامه باعتباره موضوعا للرسم. "الوسط" رصدت محاولة اعادة الاعتبار الى "البورتريه" في مصر عبر معرض اقيم اخيرا في قاعة الفنون في دار الاوبرا، وتحدثت مع نقاد وفنانين حول شؤون "البورتريه". يرى الفنان احمد نوار رئيس المركز القومي للفنون التشكيلية ان لفن "البورتريه" بعده التاريخي والفني على ارض مصر منذ عهود الفراعنة وما خلفوه من رسومات وتماثيل لشخصيات الملوك ومختلف الطبقات. وقد أثرى هذا الفن ما أبدعه الكثير من رواد فن "البورتريه" المعاصرين على مدى سنوات كثيرة من هذا القرن، منهم على سبيل المثال لا الحصر: احمد صبري ومحمود سعيد وحسين بيكار وصلاح طاهر وتحية حليم ومحمد صبري وسيف وانلي وصبري راغب وعزالدين حمودة ومرغريت نخلة وعبدالهادي الجزاز وغيرهم كثير. ان هذا التجمع الهائل لفناني "البورتريه" يكشف عن متناولات الفنانين المختلفة لهذا المجال، مما يدعو الى التأمل والدراسة والاعجاب وربط الماضي بالحاضر، حيث يستقي الدارسون وطلبة الفنون من تجارب رائدة لهؤلاء الفنانين، وايضا تتيح مثل هذه العروض النوعية الفرصة للكشف عن المواهب المستقبلية لهذا الفن العريق. البورتريه والكاميرا ويلاحظ الفنان كمال الجويلي رئيس الجمعية المصرية لنقاد الفن التشكيلي قلة ممارسي فن "البورتريه" وان هذا الفن اهمل طويلا، ربما ظنا من البعض بأن لقطة الكاميرا تكفي وحدها لتصوير الوجه الانساني بكل دقتها وتسجيليتها. لكن ميدان "البورتريه" هو في الحقيقة واسع الارجاء مترامي الاطراف والابعاد، يحمل البعد النفسي وايحاءات الشخصية وخبرة الفنان التعبيرية وتفاعلاته مع الآخرين، والطبيعة الجمالية للابداع في كل حالة. هكذا يتفرد الفنان بعملية ابداع فني تبعا لأسلوبه الخاص، والمدارس الفنية الحديثة والمعاصرة تستطيع ان تصور الشخصية الانسانية من خلال مبدعيها بأساليبها ومفاهيمها المختلفة، وهنا يطفو على السطح في ذاكرتنا ما قدمه في مجال "البورتريه" مشاهير القرن العشرين على المستوى العالمي: نتذكر اساليب بيكاسو في مراحله المتعددة وهو يصور الشخصية الانسانية، كما نتذكر دالي في لوحاته السريالية التي تصور اعماق النفس البشرية من خلال اعتقاد الفنان العميق بفكر فرويد حول الاحلام واللاشعور والخيال الواسع المنطلق. كما نتذكر اعلام التأثريين وارتباطهم الحار بلمسة الضوء اللونية الباهرة بعيدا عن الخطوط والتفاصيل الاكاديمية، كذلك في تاريخ الفن الحديث والمعاصر روائع في فن "البورتريه" تكعيبية وتعبيرية، وحتى من خلال المدرسة البصرية، ومن هنا فإن الدعوة الى إثارة الانتباه لهذا اللون من التعبير والى إحيائه هي في ذاتها دعوة الى مد الجسور وتوسيع دائرة التذوق الفني، لأن الفنانين المصريين عزفوا عن "البورتريه" بسبب منافسة الكاميرا. الشخص والصورة ويلاحظ الفنان حسين بيكار ان الفنانين المصريين لا يهتمون حاليا بفن "البورتريه" لعدم معرفتهم بقيمته، و"البورتريه" يحتوي على كل القيم الفنية، وهو كعمل فني مجرد له قيمته الفنية سواء كان الشخص معروفا ام غير معروف. وتاريخ الحركة الفنية التشكيلية في مصر ليس طويلا، فالمشوار بدأ مع بداية هذا القرن، ولكن منذ ان ظهرت الحركة الفنية ظهر عمالقة في فن "البورتريه": محمود سعيد، احمد صبري، محمد حسن، احمد سعيد، وكان لكل منهم دوره في ترسيخ هذا الفن في الحركة الفنية المصرية المعاصرة، و"البورتريه" ليس ملامح الشخص فقط، ولكنه حياة هذا الشخص. اما المعايشة والعمق بين الفنان وشخصية الانسان الذي يرسمه فتعطي في النهاية عملا جيدا، لذلك لا ينبغي القول بأن الصورة تشبه فلانا، بل القول ان فلانا يشبه الصورة، وقد قام بعض الفنانين بتصوير الشخصية وبعض المميزات التي تتحلى بها في "البورتريه" نفسه. وتشبيه "البورتريه" بالفوتوغرافيا ليس مدحا له، لأن "البورتريه" أفضل من الفوتوغرافيا، اذ نجد فيه قيما تشكيلية راسخة، والكاميرا لا يمكن ان ترقى الى حساسية الفنان، ولكن مخاوف الكاميرا وعدم الثقة في النفس انعكسا على الناس وعلى الفنانين بصفة خاصة. هذا هو التيار الجارف الذي جعل الفنانين يهملون فن "البورتريه". ويرجع الفنان كامل جاويش المشكلة الى قلة المتخصصين في "البورتريه" بسبب خوف الفنانين من المستقبل. ويقول الفنان عزالدين نجيب: ان الفنانين الذين يعملون في "البورتريه" في مصر حاليا ينقصهم الابتكار، و"البورتريه" ابتعد تماما عن الساحة الفنية، اما رموزه في مصر فقد تركوه الآن، واصبح فنا سياحيا خارج قاعات الفن التشكيلي، وما يعرض في المتاحف او بعض المعارض النوعية هو من انتاج سنوات خلت.