وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    نيوم: بدء تخطيط وتصميم أحياء «ذا لاين» في أوائل 2025    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    منع استخدام رموز وشعارات الدول تجارياً في السعودية    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    رتال تختتم مشاركتها كراعٍ ماسي في سيتي سكيب بإطلاق حزمة مشاريع نوعية بقيمة 14 مليار ريال وتوقيع 11 اتفاقية    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    القمر البدر العملاق الأخير    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    قادة الصحة العالمية يجتمعون في المملكة لضمان بقاء "الكنز الثمين" للمضادات الحيوية للأجيال القادمة    المملكة تواصل توزيع الكفالات الشهرية على فئة الأيتام في الأردن    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    جامعة أمّ القرى تحصل على جائزة تجربة العميل التعليمية السعودية    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    الخرائط الذهنية    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    لماذا فاز ترمب؟    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مقابلة خاصة تناولت علاقات السودان العربية والافريقية والدولية . وزير خارجية السودان لپ"الوسط": اميركا تسعى الى تغيير نظام البشير ولا تجاوب عربيا مع دعوتنا لفتح صفحة جديدة
نشر في الحياة يوم 13 - 04 - 1992

اتهم وزير الخارجية السوداني علي سحلول، في مقابلة خاصة مع "الوسط"، الولايات المتحدة بانها تسعى الى "تغيير النظام السوداني" وذلك من خلال تقديمها مبادرة لحل مشكلة جنوب السودان. واعترف سحلول، في هذه المقابلة، بان "صفحة جديدة" لم تفتح بعد بين بلده وعدد من الدول العربية الذي اتخذت مواقف سلبية من النظام السوداني بسبب تعاطفه مع صدام حسين والعراق خلال حرب الخليج. وفي ما يأتي الحوار مع الوزير السوداني:
هل هناك استراتيجية واضحة تحكم اداء السياسة الخارجية السودانية وهل تم الاتفاق على خطوات اجرائية محددة ، في ضوء ما ذكره الرئيس عمر البشير عن رغبة السودان بفتح صفحة جديدة مع محيطه العربي، تترجم هذه الرغبة الى خطوات عملية؟
- فتح صفحة جديدة يتطلب انسجام اتجاهين يمثلان الطرفين المعنيين باستئناف العلاقات المتوازنة. ولا يكفي ان يعلن السودان عن خطوة منفردة من جانبه فحسب. وكلما شعرنا ان رغبتنا في الاقتراب من دولة شقيقة وجد تجاوباً، خطونا نحوها خطوات اخرى. الجو العربي لا يزال مشحوناً، ولربما ازداد تعقيداً خلال الاشهر الاخيرة. نحن في السودان نرى، والامة العربية قد دخلت التفاوض مع اسرائيل، ضرورة توفر الحد الادنى من الوفاق للمفاوضين العرب، بصرف النظر عن النتائج التي ستتمخض عنها هذه المحادثات. واستمرار التوتر في الاجواء العربية لا يحملنا على الاعتقاد بان الجو العام العربي يخدم عملية السلام، بل على العكس يضعف المفاوض العربي. نحن، من جانبنا، حاضرون. اي دولة شقيقة ترغب في التجاوب مع ما اعلنه الرئيس البشير امام الجمعية التأسيسية، نحن حاضرون للجلوس والمكاشفة والمصارحة. ان يضع السودان، كما اشرت، استراتيجية تصافٍ قائمة على رغبة منفردة من جانبنا، لا نعتقد انه يحقق النتائج المرجوة.
مضى على خطاب الرئيس السوداني امام الجمعية التأسيسية والذي تتضمن رغبة بلاده في فتح صفحة جديدة مع الجوار العربي، بضعة اسابيع. هل شعرتم، على مستوى وزارة الخارجية، ان رغبة السودان حظيت بما اعتقدته من تجاوب لدى الاطراف العربية المعنية؟
- هذا السؤال يوجه الى رئيس البلاد. اما نحن، في وزارة الخارجية فلم نلمس اي صدى. التطور النوعي الوحيد نحو الافضل، قد يكون ما حققته زيارة نائب الرئيس اللواء الزبير الى القاهرة، حيث نوقشت كل القضايا العالقة، بصرف النظر عن النتائج التي تمخض عنها النقاش. هذه المسألة تتعلق بعلاقة السودان مع دولة عربية واحدة. لكن عندما نتكلم عن الجو العربي العام، لم نرصد اي رد فعل على الرغبة التي ابداها الرئيس في خطابه امام الجمعية التأسيسية.
ما الاسباب التي حالت دون صدور رد فعل ايجابي على دعوة السودان هذه؟
- لا تزال تفاعلات حرب الخليج الثانية موجودة. نحن ثبتنا على موقفنا المعروف من هذه الحرب. وربما كان هذا الثبات من أبرز الاسباب التي تدفع الدول العربية الى الاستمرار في موقفها السلبي منا. هناك دول غيرت مواقفها، وثمة دول عربية اخرى في طريقها الى الانضمام الى دول اعلان دمشق. كما ان هناك دولاً اخرى نجحت في مد جسور الى الدول العربية التي ناهضت مواقفها من قبل في حرب الخليج الثانية. ونلاحظ ان بعض الدول العربية المشاركة في القوات المتحالفة، بدأت تغير مواقفها من مبدأ استمرار فرض العقوبات على الشعب العراقي.
يلاحظ ان التصريحات الرسمية تفرط في التفاؤل لدى الحديث عن العلاقة السودانية - المصرية. ونسمع عن لجان تشكل وزيارات يتبادلها الطرفان لدراسة "المشاكل العالقة"، كيف تصفون العلاقات بين البلدين؟ ما الذي اتفق عليه اللواء الزبير مع المسؤولين في القاهرة بصدد حلايب؟ ما هو ردكم على الاتهامات الموجهة اليكم لاحتضانكم "عناصر تهدد امن وسلامة مصر"؟
- التصريحات المتفائلة، التي ذكرتها، تصدر عن الجانب السوداني، لأن الجانب السوداني هو الاكثر رغبة في تطوير العلاقة مع مصر. الجانب المصري تصدر عنه في بعض الاحيان تصريحات لا نستطيع وصفها بپ"المتفائلة". اما الاسلوب الذي ينتهجه الاعلام المصري فهو شيء آخر مختلف، ولا يمكن القول عنه الا انه يهدف الى توتير العلاقات السودانية - المصرية. حتى الاعلام الرسمي في مصر كان الى وقت قريب ينهج الاثارة في تصويره العلاقات بين البلدين، او في حديثه عن ما يجري في السودان. وفي نهاية المطاف تدرك قيادات البلدين ان الرأي العام في مصر والسودان على الاقل، لن يسمح بمزيد من تدهور العلاقات بين البلدين. هناك مرحلة معينة لا يسمح للتوتر القائم بتجاوزها. الضغط الشعبي لا يمكن ان يقبل بدفع العلاقة المصرية - السودانية نحو الهاوية. هناك تزايد وتعاظم للوعي الشعبي في مصر والسودان الذي يدرك الكيفية السياسية التي تدار بها العلاقات بين البلدين بصورة تجعلها محاصرة وسط دائرة التوتر. ويدرك الرأي العام في مصر والسودان ان تدهور العلاقات لن يتجاوز نقطة معنية، من غير المسموح بتجاوزها. نحن متفائلون بالضغط النفسي الذي سيمارسه الرأي العام كي تتجه العلاقة المصرية - السودانية الى مناخات ايجابية. حينها تثمر المساعي الاكثر جدية لتطوير العلاقات.
كيف تلخصون الموقف الرسمي السوداني من مسألة حلايب؟
- مشكلة حلايب موجودة منذ العام 1899. وهذه القضية الخلافية تستغلها بعض الجهات بغرض الاثارة. حلايب توجد فيها ادارة سودانية منذ 1899، وتسكنها قبائل سودانية، سودانية مئة في المئة. التعديل الذي شهدته اتفاقية 1899 عام 1905 هدف الى تسهيل حياة القبائل التي تقطن عند الحدود بين البلدين. بحيث تتساكن قبائل البجه مع البجه والعبابدة مع اخوانهم وقبائل البشارية مع انسبائهم. وسائل الاعلام في مصر لا تتناول المناطق التي تسيطر عليها مصر جنوب خط العرض المنصوص عليه في اتفاقية 1905 المعدلة، انما تركز على الاجزاء الخاضعة للادارة السودانية شمال خط العرض. اذا رغبنا ان نتعامل مع قضية حلايب وفق تسوية قانونية، علينا ان نحكم القانون نفسه من دون تجزئة او نظرة انتقائية، فنطبق القانون حين يكون القانون بجانبنا ونهمله ونشكك في منطوقه حين يكون لصالح غيرنا. زيارة نائب الرئيس السوداني الى القاهرة ادخلت عنصر المصارحة والمكاشفة على المحادثات التي كانت تدور بين القاهرة والخرطوم، من دون الخوض المباشر في صميم القضايا المختلف عليها. وقد سمع الجانب المصري وجهة نظر السودان مباشرة وليس عبر تقارير رسمية. الشيء الآخر الذي اتفق عليه خلال زيارة نائب الرئيس للقاهرة، هو احالة قضية حلايب الى لجان فنية متخصصة وتحييد هذه القضية عن التناول الاعلامي السطحي غير المسؤول. واتفق على تشكيل لجنة مشتركة يرأسها وكيلا وزارتي الخارجية في البلدين. الاجتماع الاول تقرر انعقاده في الخرطوم وان يصحب كل فريق مجموعة من الفنيين. نحن حاضرون.
اتهامات مصرية ولا شكوى
هل توصلتم الى صيغة معينة، على مستوى وزارتي الخارجية في البلدين، لبحث الاتهامات الموجهة الى السودان والمتعلقة بانشطة ذات تأثير سلبي على الامن والسلام الاهليين في مصر؟
- هل قدمت القاهرة اي دليل على هذه الاتهامات التي توجه الى السودان عبر وسائط الاعلام؟ نحن في الخارجية السودانية لم نتبلغ اي شكوى رسمية مصرية مثبتة بوقائع صادقة وقرائن قاطعة. هذه الاتهامات اسمعها من كل صحافي يطلب مقابلتي. واسمعها من زملائي وزراء الخارجية العرب، فاطلب منهم ان يسألوا القاهرة عن الادلة المتوفرة لديها كي تسمح للاعلام المصري بالترويج لهذه الاتهامات. ليس للسودان اي مصلحة في التآمر على مصر وغير مصر. ليس لنا اي مصلحة في اثارة المشاكل لمصر. تصوير السودان كدولة ارهابية، تأوي الارهاب وتبشر به، هل هو واقع تسنده ادلة؟ مشكلتنا نحن في السودان اننا لا نملك وسائل تأثير في اوساط الاعلام العربي والغربي، كما هو متوفر لدى بعض الاخوان العرب. عدد من السفراء الاجانب في الخرطوم بدأوا يتحدثون علانية عن حجم المبالغة في هذه الاتهامات التي لا يتنازل اي صحافي كي يحقق فيها، او تتوسط اية جهة غير منحازة لتبين الحقيقة من الاتهام الباطل غير المستند الى ادلة. وصار ملموساً لدينا، وكذلك لدى عدد من البعثات الديبلوماسية الغربية في الخرطوم، ان السودان يواجه ظاهرة "تسييس الاشاعات" وقطف الثمن السياسي لجنيها في صور مختلفة انما لا تخدم مصلحة الوفاق العربي، مع هذا اعتدنا على هذه الظواهر، ونحاول التعايش معها متمسكين بفضيلة الصبر التي تربينا عليها، نحن لا نتوتر ولا ننفعل.
يعتقد بعض السياسيين في دوائر القرار المصري ان عزلة السودان العربية تدفعه باتجاه تحالفات تفاقم عزلته عن محيطه، ولا تساعد على تطبيع علاقاته العربية هل السياسة الخارجية للسودان محكومة بمبدأ رد الفعل المرحلي؟.
- نحن "غير شغالين" بمبدأ رد الفعل على الاطلاق.
ما هي، اذن، اسس سياسة النظام السوداني الحالي؟ لقد برز الوجود الليبي بصورة مضخمة بعد سقوط الرئيس السابق نميري ليحل مكانه الوجود الايراني بعد سقوط حكومة الصادق المهدي.
- ثمة قواعد ثابتة نهتدي بها في سياستنا الخارجية. المبدأ الاساس هو الحفاظ على وحدة التراب السوداني. المبدأ الثاني هو الوضع الاقتصادي الذي تحول الى اشكالية كبرى، وهو بمثابة استحقاق ضخم واجهته مختلف الانظمة السياسية التي عرفها السودان منذ استقلاله. والامران مترابطان، الوحدة الترابية والوضع الاقتصادي. في هذا الاطار نتحرك لتطوير علاقاتنا مع دول الجوار. طورنا العلاقات الطيبة التي ورثتها ثورة الانقاذ مع بعض دول الدائرة الاقليمية، وخطونا مع دول اخرى مجاورة لنا خطوات اكثر من مسألة تطوير العلاقات التي كانت قائمة باتجاه التكامل، وهناك دولتان تحتاج علاقاتنا معهما الى مزيد من بذل الجهد، واحدة منهما كينيا. كذلك نسعى الى تطوير العلاقة مع مصر نحو الاحسن.
يتردد، وفق بعض الاحصاءات، ان قرابة مليون مواطن سوداني كانوا يعملون في دول مجلس التعاون الخليجي وشكلت التحويلات المالية، من العملة الصعبة، التي بعثوا بها الى بلادهم جزءاً مهماً من رصيد السودان من العملة الصعبة ساهم في انعاش الاقتصاد الوطني. الا تعتقدون ان تطبيع الاوضاع مع مجلس التعاون له مردوده الايجابي على الاوضاع الاقتصادية والمعيشية؟
- لا بد من القول ان هناك ربع مليون سوداني في العراق. وربع مليون آخر في ليبيا. وهناك قرابة 600 ألف مواطن في المملكة العربية السعودية، والباقي، وهو بحدود خمسين او ستين الف مواطن، موزع في دول مجلس التعاون. المسألة الثانية التي يسيء فهمها كثيرون هي ما يقال عن عزلة السودان العربية. علاقاتنا مع دول مجلس التعاون غير سيئة. لا توجد مشكلة بيننا وبين دول الخليج، لكن هناك خلافات اعترت علاقاتنا مع دول الخليج. بعض المواقف السلبية منا يعود الى ما قبل تبلور الاتجاه الاسلامي في السودان، اي قبل قيام ثورة الانقاذ. مع هذا بادر الرئيس البشير وقام بجولة خليجية. واستطيع القول ان نتائج هذه الجولة ضئيلة للغاية. لقد حمل الرئيس السوداني، خلال جولته الخليجية مجموعة افكار لمشاريع مشتركة ناقشها مع عدد من الحكومات الخليجية وكانت هذه المشاريع، لو طبقت، ستعود عليهم وعلينا بالخير. والاجواء المناسبة موجودة باستمرار لمناقشة اي تباين في المواقف السياسية.
ما هي طبيعة هذه المشاريع المطروحة برسم الانتاج المشترك؟
- مشاريع زراعية بالطبع، امكانات السودان الزراعية ضخمة.
العلاقات مع افريقيا
ينشط السودان باتجاه احياء روابطه مع الدائرة الافريقية، كما لم يحدث من قبل، هل اندفاع السودان نحو افريقيا أملته ظروف العلاقات السودانية العربية؟
- حصيلة العلاقات السودانية العربية جعلتنا نقوم بجردة حساب لما حققته لنا هذه العلاقات. قمنا بما يشبه عملية مصارحة ذاتية ووجدنا ان السودان اهمل علاقاته الافريقية في السابق واستثمر كل رصيده السياسي والمعنوي في الدائرة العربية في الماضي، منذ الاستقلال، لاعتقادنا بأن التعاون مع دول الجوار العربية يعود بالفائدة المشتركة للطرفين. لم نحقق الكثير وانتهت الامور الى ما انتهت اليه. ان انكفاء السودان عن دائرته الافريقية ادى الى تمركز حركة التمرد في عدد من دول الجوار الافريقي واستقطاب هذه الدول والافادة منها لتدويل الاطروحات التي يحملها المتمردون. وهذا خطأ استراتيجي فادح ارتكبه السودان في الماضي. لهذا بادرنا الى معالجة هذا الخطأ وانتبهنا مجدداً الى حتمية احياء روابطنا الافريقية.
هل المتغيرات العميقة التي شهدتها افريقيا خلال العامين الماضيين، وخصوصا منطقة القرن الافريقي، أوجدت الظروف الموضوعية المناسبة لاحياء روابط السودان الافريقية؟ هل تعتبرون ان السودان هو في طليعة الرابحين من نتائج هذه المتغيرات، وما هي الاستراتيجية التي تحكم صحوة السودان الافريقية؟
- أتحدث عن افريقيا في بعدها الكامل. بالطبع نظام منغيستو هيلا مريم انتظرناه حتى سقط فاحدث سقوطه متغيرات كثيرة، وقام في اثيوبيا نظام صديق للسودان. النتائج الطيبة ستأخذ وقتاً كي تبرز. وقد تحرك السودان من دون ان ينتظر سقوط منغستو في كل الاتجاهات، حققنا نتائج طيبة مع بعض الدول. ودول اخرى لم تحقق تحركاتنا نحوها نتائج ظاهرة لغاية الآن. ودول اخرى استمرت الوضعية السلبية القديمة بينها وبين الخرطوم، ان تحركاتنا نحو افريقيا لا تقوم على رد فعل، وليست نتيجة ازمة في علاقات السودان العربية. منذ قامت ثورة الانقاذ الوطني حتى اليوم وقعت الخرطوم 118 اتفاقية مع دول القارة الافريقية. وهذا التوجه الجديد نحو افريقيا صحح كثيراً من الاوضاع والمفاهيم واثمر قناعة راسخة لدى اخواننا الافارقة باننا جادون في احياء روابطنا الافريقية التي اهملناها من قبل، ما تسبب باشكالية كبرى على مستوى الهوية الوطنية استغلها دعاة حركة التمرد في الجنوب. وقد انضم السودان الى منطقة التجارة التفضيلية التي تضم 18 دولة ممتدة من الجنوب الافريقي الى وسط القارة حتى الشرق. نحن كنا الحلقة الوحيدة المفقودة في هذه المجموعة وانضمامنا اسهم في احداث مزيد من التماسك بين الدول الاعضاء في هذه المنظومة.
الرغبة في محاصرة حركة التمرد، وقطع الجسور التي اقامتها مع دول الجوار الافريقي، هل هما السبب الابرز للانفتاح السوداني على افريقيا؟
- التحالف الاشد خطورة الذي نجحت حركة التمرد في تحقيقه كان مع نظام منغستو الاشتراكي. حدودنا مع اثيوبيا تبلغ قرابة 1200 كلم. والتغيير العميق الذي شهدته اثيوبيا بسقوط منغستو احدث تحولاً جذرياً في موازين القوى. كانت حركة التمرد تنطلق بعملياتها العسكرية باتجاه السودان، عبر اثيوبيا، عند مناطق بالغة الحساسية، على سبيل المثال منطقة "الدما زين"، حيث يقيم السودان سداً كبيراً يحفظ مخزوناً كبيراً لري العاصمة. ونستطيع القول الآن ان حركة التمرد انكفأت نحو مواقعها الطبيعية في ولاية الاستوائية جنوب البلاد. واحياء السودان روابطه القديمة مع دول الجوار افقد حركة التمرد ارضية سياسية افادت منها. واتجاهنا نحو افريقيا لن ينته بانتهاء حركة التمرد، بل سيبقى توجهنا نحو افريقيا، عندما يستتب السلام، ركيزة ضخمة في سياستنا الخارجية.
تردد منذ فترة، لا سيما بعد حدوث الانشقاق في حركة التمرد، ان الخرطوم والمجموعة المنفصلة عن العقيد جون قرنق يدرسان خيار انفصال الجنوب، نظراً لفشل الحلول الاخرى التي طرحت. حل تعتقدون ان العلاقة القائمة بين اثيوبيا ودولة اريتريا، قيد التشكل، تصلح ان تكون نموذجاً للعلاقة بين شمال السودان وجنوبه، في حال تم الانفصال؟
- تقصدين ان السودان وافق على الافكار التي طرحتها مجموعة "الناصر"؟ لا اعتقد اننا قبلنا السير في هذا الاتجاه. مجموعة الناصر لام اكول ورياك مشار تطرح خيار الانفصال. ولو كان الانفصال يخدم مصلحة السودان لكان تحقق قبل فترة طويلة. الانفصال، في رأينا، لن يحل مشكلة الجنوب بقدر ما سيزيدها تعقيداً. وواضح ان الانقسام في صفوف حركة التمرد يستند الى اساس قبلي اريقت بسببه دماء ابرياء، ما زلنا نسعى الى حل عن طريق التفاوض في اطار السودان الموحد. واعترى الطرح الذي قدمته جماعة "الناصر" بعض التطور، ولا اعرف اي مستوى بلغه انما المؤكد قبولهم خيار الفيدرالية. وقبول جماعة الناصر خيار الفدرالية لا يعني انتهاء مشكلة الجنوب. فانقسام حركة التمرد الى جناحين يحتم علينا ابرام اتفاق شامل مع الطرفين. ولقاء "ابوجا" سيؤجل ريثما تستجد ظروف تمكن جناحي حركة التمرد من الذهاب الى محادثات السلام في أبوجا.
المبادرة الاميركية
هل تعتقدون ان المضي قدماً في تطبيق خيار المواجهة العسكرية سيساعد على اقناع جناحي حركة التمرد بالذهاب الى أبوجا لبحث خيار السلام؟
- اعطينا الفرصة لجماعة قرنق ريثما تعيد النظر في اوضاعها بعد الضربة التي تلقتها حركة التمرد اثر سقوط منغستو واضطرارها الى الخروج من اثيوبيا. واعلنا اننا نطرح خيار الفيدرالية صيغة مثلى لتحقيق السلام. وواصل قرنق تصريحاته السلبية وهدد بشن حملة عسكرية للسيطرة على "جوبا" الامر الذي فرض علينا شن حملة وقائية لمنع توسيع رقعة التمرد. ومن ايجابيات ما يجري على المستوى العسكري، اقناع قرنق بأن تحسين شروطه التفاوضية من خلال انتزاع تفوق عسكري على القوات المسلحة، كما يعتقد، هو امر غير ممكن، بل مستحيل، ما يحتم عليه النظر الجدي في فرص السلام المتاحة التي تدعو لها الخرطوم.
اعلام حركة التمرد في اوروبا يصور الحملة العسكرية التي قامت بها القوات المسلحة على انها حرب إبادة يشنها الشمال السوداني العربي والمسلم على الجنوب السوداني الزنجي وغير المسلم. فهل بادرت وزارة الخارجية السودانية الى توضيح المدلول السياسي الذي ذكرت للحملة العسكرية؟
- لا اعتقد ان الغرب عموما، واوروبا خصوصا، يجهل ما يجري في الجنوب، كما في شمال السودان. واظن ان الغرب لم يتوصل بعد الى قناعة حول امكانية التوصل الى ارضية مشتركة بيننا وبين دوله. فما زالت عند الغرب مخاوفه او شكوكه. مصالح الغرب ليست مرتبطة فقط بالسودان فحسب، انما بالمنطقة العربية بصورة أرحب. واذا اطمأن الغرب على ان مصالحه في المنطقة العربية لن تتضرر من اي ممارسات تصدر عن السودان الذي اختار المشروع الاسلامي، كإطار تنظيمي وقانوني وسياسي، لنظامه السياسي، اعتقد اننا سنصل نحن والعواصم الغربية الى صيغة تعايش منطقية تحافظ على مصالح كل الاطراف المعنية.
العلاقة السودانية - الفرنسية تشهد تغيرا نوعيا ملحوظا، اكدته زيارة برنار كوشنير، وزير الدولة الفرنسي للشؤون الانسانية، الى الخرطوم. كما يقال ان هناك متغيرات على صعيد العلاقات السودانية - الاميركية. هل يمكن اعتبار كل ذلك من مظاهر تطبيع العلاقات السودانية - الغربية؟
- المتغيرات، على المستوى الاميركي، كانت واعدة وايجابية لفترة بسيطة. ورافق اطلاق المبادرة الاميركية الخاصة بجنوب السودان حملة تصريحات مماثلة لتسويق مضامينها.
ما هي أبرز نقاط المبادرة الاميركية الخاصة بالجنوب، ولماذا لم تتعامل معها الخرطوم جدياً؟
- تنص المبادرة الاميركية على انسحاب قواتنا المسلحة من الجنوب السوداني، شمالا حتى نهر السوباط، وهو الخط الفاصل بين الشمال والجنوب. وتبقى مجموعات من قواتنا المسلحة في حاميات صغيرة داخل المدن الجنوبية. وبالمقابل ينسحب جون قرنق قرابة سبعين كيلومترا جنوب نهر السوباط. والخطوة الاولى تهدف الى فض الاشتباك بين الجيش السوداني وقوات حركة التمرد والتمهيد لعقد مؤتمر دستوري لتدارس حل سلمي لمشكلة الجنوب. الغريب في هذه المبادرة ان الجانب الاميركي حدد سلفا من سيحضر المؤتمر الدستوري. وتركوا لحكومة السودان جانبا ضئيلا جدا كي تدلي بوجهة نظرها. الفعاليات التي قرر الجانب الأميركي ضرورة مشاركتها، عمادها الأحزاب السياسية والنقابات والبوليس. وبلغ التدخل الاميركي مرحلة تحديد الوفد الحكومي الذي سيشارك في المؤتمر الدستوري واقترحوا اسماء معينة. الامر الذي حول المبادرة الاميركية، من الناحية الديبلوماسية، الى ما يشبه التدخل السافر في شؤون السودان الداخلية. لذا لم تكن المبادرة واقعية. وحين زارني السفير الاميركي في الخرطوم حاملا معه تفاصيل المبادرة قرأتها بامعان وسألته اذا كانت الادارة الاميركية جادة في هذا الموضوع غير المقنع. وأدليت له بوجهة نظر السودان تجاه هذه المبادرة التي لم نفهم سبب اصرارها على انسحاب القوات السودانية واعادة انتشارها شمال الخط الفاصل بين الجنوب والشمال. كما لم نفهم كيف تتدخل واشنطن وتحدد لنا من نفاوض. ومن منا على الحكومة السودانية ان تفوضه ليتحدث باسمها. ان الهدف الاساسي للمبادرة الاميركية، كما تشير حيثياتها، هو تغيير النظام في السودان. وقد دخلت اطراف ثالثة على الخط وحاولت شرح الجانب المقنع من اعتراضنا على هذه المبادرة. وبدا ان الجانب الاميركي على وشك القيام بتحرك ما. ثم بدأ هرمان كوهين، مساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون الافريقية، يدلي بتصريحات مماثلة لتصريحات أدلى بها السفير الاميركي في السودان، وكلها سلبية، وتتضمن تهجما وافتراء علينا، اذ تحدث كوهين، خلال زيارته الاخيرة الى التوغو، عن "اضطهاد الشمال السوداني للجنوب المسيحي" واننا نفرض الاسلام على غير المسلمين بالقوة "مقابل اطعامهم وايوائهم". وقيل في واشنطن لاحقا، اننا رمينا باللاجئين الجنوبيين في الصحراء. هذه التصريحات كلها استعداء للقارة الافريقية علينا، وخصوصا شرق افريقيا. بالامس فقط ادعى السفير الاميركي لدينا، في تصريحات لهيئة الاذاعة البريطانية، اننا نساوم اللاجئين الجنوبيين على انتمائهم الديني كثمن لاغاثتهم وايوائهم. وفي اليوم التالي ذهب السفير نفسه، وبمعية رئيس الجمعية التأسيسية لزيارة المخيمات التي اقمناها لاغاثة الهاربين من المعارك في الجنوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.