كندا والمكسيك تفرضان رسوماً جمركية على الولايات المتحدة    بعد إنجازه في دكار... يزيد الراجحي يكتب التاريخ بفوزه الثامن في حائل    الانحراف المفاجئ يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في منطقة الرياض    المياه الوطنية تضخ المياه المحلاة إلى حي المروج في محافظة القريات    أحمد الشرع يصل السعودية.. اليوم    مدير تعليم الطائف يتابع تطبيق الزي الوطني السعودي في المدارس الثانوية    7 مستشفيات سعودية ضمن قائمة "براند فاينانس"    "السعودية للكهرباء" تُسوِّي جميع التزاماتها التاريخية للدولة بقيمة 5.687 مليار ريال وتحوِّلها إلى أداة مضاربة تعزِّز هيكلها الرأسمالي    لماذا تُعد الزيارات الدورية للطبيب خلال الحمل ضرورية لصحة الأم والجنين؟    تجمع حائل الصحي يحقق جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية السعودي 2025    رياح نشطة وأمطار متفرقة على بعض المناطق    انطلاق فعاليات مهرجان العسل العاشر في جازان    «سلمان للإغاثة» يدشن مشروع توزيع مواد إيوائية في باكستان    مبعوث ترامب: أمريكا تريد من أوكرانيا إجراء انتخابات بعد وقف إطلاق النار    إيماموف يحسم مواجهته مع أديسانيا بالضربة القاضية    إعلان المرشحين لجائزة الجمهور لأفضل محتوى رقمي    جامعة الملك عبدالعزيز تُتوج ببطولة تايكوندو الجامعات    وكالة "فيتش" : التصنيف الائتماني للمملكة عند A+    البريطاني «بيدكوك» بطلًا لطواف العلا 2025    في الجولة 18 من دوري روشن.. الاتحاد يقلب الطاولة على الخلود.. والفتح يفرمل القادسية    سعد الشهري.. كلنا معك    نيمار يواجه ميسي في «القمة اللاتينية»    "معرض المنتجات" بالكويت يناقش التحديات التصديرية    «السداسية العربي»: لا للتهجير وتقسيم غزة    موكب الشمس والصمود    الزي المدرسي.. ربط الأجيال بالأصالة    الأحساء صديقة للطفولة يدعم جمعية درر    ملاجئ آمنة للرجال ضحايا العنف المنزلي    «بينالي الفنون».. سلسلة غنية تبرز العطاء الفني للحضارة الإسلامية    مهرجان فنون العلا يحتفي بالإرث الغني للخط العربي    إنفاذًا لتوجيه سمو ولي العهد.. إلزام طلاب المدارس الثانوية بالزي الوطني    الأسرة في القرآن    ذكور وإناث مكة الأكثر طلبا لزيارة الأبناء    ثغرة تعيد صور WhatsApp المحذوفة    إنتاج العسل    وفاة صاحبة السمو الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    خيط تنظيف الأسنان يحمي القلب    غالب كتبي والأهلي    عندما تتحول مقاعد الأفراح إلى «ساحة معركة» !    ضوء السينما براق    أسرتا العلواني والمبارك تتلقيان التعازي في فقيدتهما    إعلاميات ل«عكاظ»: «موسم الرياض» يصنع التاريخ ب«UFC السعودية»    تفسير الأحلام والمبشرات    من ملامح السياسة الأمريكية المتوقعة..    نصيحة مجانية للفاسدين    أمير حائل ونائبه يعزّيان أسرة الشعيفان بوفاة والدهم    رحيل عالمة مختصة بالمخطوطات العربية    حزين من الشتا    رحل أمير الخير والأخلاق    خالد البدر الصباح: وداعًا أمير المواقف الشجاعة    ندوة عن تجربة المستضافين    الرويلي يفتتح المسابقة الدولية العاشرة في حفظ القرآن الكريم للعسكريين    3134 امرأة في قوائم مخالفي الأنظمة    خيرية هيلة العبودي تدعم برنامج حلقات القرآن بالشيحية    ممثل رئيس الإمارات يقدم واجب العزاء في وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    رابطة العالم الإسلامي تعزي في ضحايا حادثة اصطدام الطائرتين في واشنطن    نيابة عن أمير قطر.. محمد آل ثاني يقدم العزاء في وفاة محمد بن فهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"اللوبي الاسرائيلي" في اميركا ارتكب الخطأ الكبير والحلف الاميركي - الاسرائيلي فقد مبرراته
نشر في الحياة يوم 13 - 04 - 1992

يعالج جيفري ارونسون في هذا المقال الخاص الذي كتبه ل "الوسط" قضية مهمة تتعلق بنفوذ "اللوبي الاسرائيلي" في الولايات المتحدة وبمستقبل التحالف الاميركي - الاسرائيلي، في ضوء التغييرات التي شهدتها وتشهدها الساحة الدولية ومنطقة الشرق الاوسط منذ انتهاء الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج.
ويركز ارونسون في مقاله هذا على تراجع نفوذ جماعات الضغط المؤيدة لاسرائيل في الساحة الاميركية الذي انعكس سلباً على التحالف الاميركي - الاسرائيلي فلم يعد كما كان في السابق. وجيفري ارونسون خبير اميركي في شؤون العلاقات الاميركية - الاسرائيلية وشؤون اسرائيل عموماً، وهو يرئس تحرير نشرة متخصصة بالمستوطنات الاسرائيلية في الاراضي العربية المحتلة تصدر في واشنطن عن "مؤسسة السلام في الشرق الاوسط". وقد اتفقت "الوسط" مع ارونسون على كتابة مقالات وتحقيقات خاصة بصورة منتظمة، وهذا هو المقال الاول:
ارتكب "اللوبي الاسرائيلي" جماعة الضغط المؤيدة لاسرائيل في الولايات المتحدة اكبر خطأ يمكن ان ترتكبه جماعة من جماعات الضغط، وذلك عندما صدق الدعاية التي يطلقها هو نفسه عن مدى تأثيره على توجيه السياسة الاميركية لمصلحة اسرائيل، في الوقت الذي يواجه "التحالف الاستراتيجي" الاميركي - الاسرائيلي - القائم منذ اكثر من ربع قرن - عوامل متعددة جديدة تقلص اهميته وتدفعه الى البحث عن "دور ما" في النظام العالمي الجديد الذي يسعى الرئيس جورج بوش الى اقامته.
وليس هناك شك في ان اللوبي الاسرائيلي، الذي كانت "لجنة الشؤون العامة الاميركية الاسرائيلية" ايباك تتزعمه على مدى السنوات العشر الماضية، يستطيع الاشارة الى سلسلة طويلة من الجهود الناجحة لمكافأة اسرائيل، وأيضاً "لإنزال العقاب" بالدول العربية المعادية لها. وكان من بين شروط المساومات التي اجريت لابرام اتفاقيتي كامب ديفيد تقديم مساعدات الى اسرائيل يبلغ حجمها بلايين عدة من الدولارات. وإلى جانب ذلك عمل الكونغرس طوال العقد الماضي على زيادة المعونات الاميركية الى اسرائيل بمقدار يتجاوز التزام الرئيس الاميركي بكثير. وتم تحويل المساعدات الاميركية من قروض الى هبات، كما تم انقاص الجزء الذي ينفق من هذه الهبات على الحصول على السلع والمعدات العسكرية المصنوعة في اميركا. وتحت شعار "التحالف الاستراتيجي" تمّ عقد سلسلة من الاتفاقات لتسهيل حصول اسرائيل على مئات الملايين من الدولارات من ميزانية البنتاغون، بما في ذلك تقديم تمويل اميركي كبير لبرنامج "آرو" الاسرائيلي لصنع صواريخ مضادة للصواريخ عابرة القارات التكتيكية. وإلى جانب ذلك نصت هذه الاتفاقات على حصول اسرائيل على احدث المعدات العسكرية الاميركية. وفي العام 1986 ادلى جورج شولتز وزير الخارجية الاميركي في عهد ريغان بتصريح اوضح فيه حقيقة التحالف فقال: "ان الهدف من التحالف الاستراتيجي هو اقرار سلسلة من الترتيبات القانونية والدستورية، حتى اذا جاء بعد 8 سنوات من الآن وزير خارجية لا يتخذ موقفا ايجابياً من اسرائيل، فلن يستطيع التغلب على العلاقة الروتينية التي اقمناها بين اسرائيل والولايات المتحدة".
وبقدر اهمية هذه "الانتصارات" في الساحة الاميركية نجح اصدقاء اسرائيل في الكونغرس ايضا الى حد كبير في عرقلة محاولات الرئيس الاميركي لعقد صفقات بيع اسلحة الى الدول العربية، وللتعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية. وهناك قائمة طويلة بپ"انجازات" اصدقاء اسرائيل في الكونغرس، فطوال السنوات الماضية كان الكونغرس يدعم الالتزام الذي اعلنه هنري كيسينجر بعدم التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، وتم تتويج ذلك بإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن.
وفي العام 1980 اخطر مجلس الشيوخ الاميركي الرئيس كارتر بمعارضته بيع معدات متقدمة لمقاتلات من طراز إف - 15 الى احدى الدول العربية. وفي العام 1984 عارض المجلس بيع صواريخ ستينغر الى الاردن ودول عربية اخرى كما اجبر الادارة الاميركية في العام 1986 على تأجيل تنفيذ اقتراحها ببيع طائرات وصواريخ تبلغ قيمتها بليوني دولار الى الاردن. وفي العام 1987 قام مجلس الشيوخ باجراء لاجهاض طلب مقدم من الادارة الاميركية يتعلق ببيع اسلحة اميركية الى دولة عربية. وكان عضوا مجلس الشيوخ اللذان تزعما حملة ارسال هذا الخطاب هما السناتور آلان كرانستون والسناتور روبرت باكوود. ويقول تقرير للمعهد العربي الاميركي ان كرانستون تلقى مساهمات مالية بلغت 200 الف دولار من مصادر موالية لاسرائيل، كما ان باكوود تلقى مبلغ 37 الف دولار لانتخابات 1986.
وكانت معارضة الكونغرس لمثل هذه الصفقات ذات طابع واحد باستمرار، اذ كانت مبنية اساساً على التأثير المحتمل لهذه الصفقات على ميزان القوة العسكرية بين العرب واسرائيل. وعلى سبيل المثال كان الخطاب الذي ارسله مجلس الشيوخ الى وزير الخارجية جورج شولتز لمعارضة بيع اسلحة الى الكويت في عام 1988، يحذر من "النوعية العددية والرمزية لمثل هذه الصفقة، خصوصاً لأنه يمكن زيادة المدى القتالي للطائرات المقاتلة من طراز إف/ايه - 18 بصورة تسمح بشن هجمات جوية على اسرائيل".
وفي كل حالة من هذه الحالات كانت الادارة الاميركية تتراجع عن المواجهة مع الكونغرس والفئات الموالية لاسرائيل، الامر الذي كان يضخم صورة اللوبي الاسرائيلي المتنفذ في كل شيء، والذي يستطيع توجيه السياسة الاميركية الى طريق يخدم مصالح ذلك اللوبي الذي يعمل كذراع اسرائيل الطويلة.
التحول
ولكن هل كان هذا اللوبي مصدرا لتلك القوة، ام انه كان مجرد خادم لها، ولم يكن ينجح الا في تنفيذ السياسات الموالية لاسرائيل التي يضعها الرئيس الاميركي؟ وطالما اتبع هذا اللوبي خطاً معادياً للعرب لا يعتبره الكونغرس - وكذلك الادارة الاميركية - تحدياً اساسياً للمصالح الاميركية لا بد من مواجهته وإحباطه فانه كان ينجح في جهوده. ويعترف رئيس "ريباك" رغم اهمية الكونغرس، "فان الرئيس ومستشاريه يمثلون الجهة الأساسية التي تقرر وتدير الكثير من مسائل السياسة الخارجية ذات الاهمية الحيوية".
وكانت قوة "لجنة الشؤون العامة الاميركية - الاسرائيلية" ايباك والتأييد الذي تحظى به في اوساط الكونغرس، يرجعان اساساً الى قدرتها على التوافق مع المصالح الاستراتيجية الاميركية وفقاً لمفهوم الرئيس الاميركي. وعندما تتوقف الولايات المتحدة عن اعتبار اسرائيل حليفاً استراتيجياً، فان الاساس الذي قام عليه نفوذ الفئات الموالية لاسرائيل سيتغير بأكمله ايضاً. ويبدو ان هذا هو التحول الذي نشهده في الوقت الحالي.
وتؤكد الهزيمة التي الحقها الرئيس بوش باللوبي الاسرائيلي في مسألة ضمانات القروض لاسرائيل ان المسألة لم تكن تتعدى الاوهام في تصور النفوذ الضخم الذي تتمتع به لجنة الشؤون العامة الاميركية - الاسرائيلية في تقرير وتنفيذ السياسات الاميركية الموالية لاسرائيل، وهو نفوذ كان قادة اسرائيل يؤمنون به بقدر ما كان القادة العرب يؤمنون به ايضاً. ومثلما حدث في معركة بيع طائرات الاواكس الى المملكة العربية السعودية في العام 1982، وأيضاً القرار الذي اصدرته واشنطن بعد ذلك بإنهاء تمويل المقاتلة الاسرائيلية المتقدمة من طراز لافي، اثبتت مسألة ضمانات القروض قاعدة اساسية في السياسة الاميركية، وهي انه مهما بلغت قوة ونفوذ اي جماعة من جماعات الضغط، فانها لا تستطيع الفوز في معركة مع المؤسسة السياسية الاميركية، اذا كانت هذه المؤسسة قررت بالفعل اتباع خط مختلف.
الطريق المسدود الذي وصلت اليه مسألة ضمانات القروض الى اسرائيل بقيمة 10 بلايين دولار دفع المعلقين الصحافيين في الولايات المتحدة والدول الاخرى الى التفكير في كتابة التأبين السياسي للجنة الشؤون العامة الاميركية - الاسرائيلية. لكن لا بد من القول ان الانحدار في نفوذ تلك اللجنة انكشف بالفعل في خريف العام الماضي عندما مارس الرئيس بوش بصراحة وعلانية سلطاته كرئيس للجمهورية وجعل الكونغرس يمتثل لرغباته. وكانت ادارة بوش فشلت في 31 آب اغسطس الماضي في اقناع اسرائيل بالموافقة على تأجيل النظر في طلبها بالموافقة على ضمانات القروض لمدة 4 أشهر. ورفضت حكومة اسحق شامير طلب بوش في هذا الصدد متجاهلة العديد من التحذيرات بضرورة تجميد برنامجها الاستيطاني في الاراضي المحتلة حتى تفوز بتأييد بوش لضمانات القروض. ويقول صحافي اسرائيلي ان شامير كان يعتمد في ذلك على سلاح اسرائيل - وهو الكونغرس الاميركي - في تجاوز اعتراضات البيت الابيض.
وكان توماس داين المدير التنفيذي للجنة الشؤون العامة الاميركية - الاسرائيلية قال في 1986: "ان ما يحدث في الكونغرس هو البارومتر المستخدم لقياس وضع اسرائيل لدى الشعب الاميركي. ان التأييد لاسرائيل يتم بناؤه، والحفاظ عليه، ودعمه، في الكونغرس. ان الكونغرس هو حجر الزاوية في العلاقات الاميركية - الاسرائيلية".
ومع ذلك ادى تصلب حكومة اسحق شامير، وخصوصاً ازاء مسألة المستوطنات، الى البدء بتحطيم حجر الزاوية الذي تحدث عنه داين. والمثال على ذلك الاجراء الرمزي الذي اتخذه الكونغرس بتخفيض المساعدات الاميركية الى اسرائيل بمبلغ مليوني دولار، وهو مبلغ يعادل ما انفقته اسرائيل في شراء نزل مسيحي في القدس الشرقية.
وكان ربط المساعدات الاميركية الى اسرائيل بايقاف النشاط الاستيطاني الاسرائيلي في الاراضي المحتلة يعد من المحرمات السياسية في الماضي، ولكن تم كسر هذه القاعدة مرة اخرى في حزيران يونيو الماضي عندما قام عضو يتمتع باحترام كبير في مجلس النواب الاميركي، وهو جون بريانت، بجهد لم يقدر له النجاح في الدعوة الى تخفيض مخصصات المساعدات الاميركية الى اسرائيل بمبلغ يعادل المبلغ الذي تقول ادارة بوش ان اسرائيل تنفقه على بناء المستوطنات في الاراضي المحتلة.
وعندما بدأ اللوبي الاسرائيلي بتعبئة طاقاته من اجل دفع الكونغرس الى الموافقة على ضمانات القروض، كانت هناك بالفعل دلائل تشير الى ان اعضاء الكونغرس غير متحمسين للدفاع عن سياسة شامير الاستيطانية.
وفي ايلول سبتمبر الماضي قال احد كبار المسؤولين في ادارة بوش في مقابلة مع مجلة "تايمز": "كنا نعرف انه ستكون هناك معارضة لطلب بوش تأجيل النظر في مسألة ضمانات القروض ولكننا لم نتوقع على الاطلاق ان تشن اسرائيل مثل هذه الحملة ضدنا عن طريق اللوبي المؤيد لها". وتضمنت حملة اللوبي الاسرائيلي ضد الادارة الاميركية تظاهرة اشترك فيها الف مواطن اميركي من 40 ولاية مختلفة وصلوا الى واشنطن بالطائرات من اجل عرض صريح للنفوذ السياسي لهذا اللوبي على الكونغرس، ونفوذ الكونغرس ايضاً على البيت الابيض.
خطأ اللوبي الاسرائيلي
ومع ذلك اخطأ كل من الكونغرس واللوبي الاسرائيلي في عدم تقدير الاهمية التي يعلقها الرئيس بوش على نجاح الخط السياسي الذي يتبعه. وهكذا خرج بوش الى الشعب الاميركي وتحدث علناً عن المسألة بعد اجتماع عقده يوم 11 ايلول سبتمبر الماضي في مكتبه مع ممثل للجنة الشؤون العامة الاميركية - الاسرائيلية رفض خلاله هذا المندوب الامتثال لمطالب الرئيس. ونتيجة ذلك ادلى بوش ببيان لم يسبق له مثيل تعهد فيه باستخدام حق النقض الفيتو ضد اي اجراء يتخذه الكونغرس بشأن مسألة ضمانات القروض قبل كانون الثاني يناير 1992. وقال بوش في هذا البيان: "تقوم بعض دوائر الكونغرس بمحاولات لمنع الرئيس من اتخاذ اجراءات ذات اهمية حيوية لأمن الامة. ولكن هناك الكثير من الامور ذات الاهمية الحيوية التي لا تسمح لاعتبارات السياسة الداخلية بالتغلب على السلام. وإنني على ثقة بأن اغلبية الشعب الاميركي ستفهم ذلك". وكان العداء الاميركي للمساعدات الخارجية من اي نوع يتزايد بالفعل. وأوضحت نتائج استطلاعات الرأي عدم التأييد الشعبي لمحاولة الكونغرس ارغام بوش على انتهاج خط معين ازاء مسألة ضمانات القروض.
واعترف احد الحاخامات البارزين بالوضع الجديد في ذلك الوقت قائلاً: "لقد انتهت الحملة، وليس بمقدور اي جهة ان تتحدى رئيس الولايات المتحدة".
وقام السناتور باتريك ليهي والسناتور روبرت كاستن في الآونة الاخيرة بمحاولة غير ناجحة لاقناع الرئيس بوش بالموافقة على مشروع ضمانات القروض عن طريق الاشارة الى المدى الذي ذهب اليه الكونغرس في تأييد عزم بوش على ايقاف المستوطنات الاسرائيلية. ومع ذلك لم يقتنع بوش.
وفي 18 آذار مارس الماضي قالت مارغريت تاتوايلر المتحدثة باسم الخارجية الاميركية: "اننا لن نقبل اي اقتراح من الكونغرس لا ينص على ايقاف بناء المستوطنات".
ويفتقر الكونغرس الى العدد الكافي من الاصوات لفرض ارادته على بوش وتجاوز الفيتو الذي كان من المؤكد ان بوش سيستخدمه ضد مشروع ليهي - كاستن، الامر الذي يمثل دليلاً آخر على التغيير في خريطة التأييد لاسرائيل في الولايات المتحدة. وفي مقابل هذه المعارضة المتشددة اعترف بالهزيمة كل من مجلس الشيوخ الاميركي، واللوبي الاسرائيلي في اميركا وكذلك حكومة شامير.
وتخطط الادارة الاميركية لبيع احدث مقاتلات الهجوم على الاهداف الارضية من طراز "إف - 15 إي" الى المملكة العربية السعودية، وهو امر يشكل ضربة جديدة الى لجنة العلاقات العامة الاميركية - الاسرائيلية. وتعرض الاعلانات التجارية في الاذاعات الاميركية هذه الصفقة المحتملة على اساس انها وسيلة للحفاظ على العمالة الاميركية، مستجيبة في ذلك الى قلق الشعب الاميركي بشأن البطالة. وإذا قرر الرئيس بوش وضع بيع هذه المقاتلات في قائمة اولوياته، فلن يستطيع كثيرون من اعضاء مجلس الشيوخ مقاومة التصويت لصالح هذه الصفقة قبل دخول المعركة الانتخابية للاحتفاظ بمقاعدهم في المجلس.
وينطبق هذا الموقف نفسه على الكثير من المبادرات الاخرى المتصلة بمجال المساعدات الخارجية، وأبرزها المساعدات المالية للدول التي نشأت عن تفكك الاتحاد السوفياتي. وكان الاعتقاد السائد من قبل انه من المستحيل - لأسباب تشريعية - تقديم مثل هذه المساعدات من دون الموافقة في الوقت ذاته على ضمانات القروض لاسرائيل. وكان داين، المدير التنفيذي للجنة الشؤون العامة الاميركية - الاسرائيلية، قال ايضاً في الخطاب المذكور اعلاه في 1986: "ان المساعدات الى اسرائيل هي القوة المحركة التي تدفع قطار المساعدات الاجنبية الاميركية بأكمله خلال العملية التشريعية".
ومع ذلك يبدو اليوم ان اول مبادرة مهمة في مجال المساعدات الخارجية، في عصر ما بعد الحرب الباردة، ستحظى بالموافقة عن طريق دعم الرئيس الاميركي والحزبين الرئيسيين في البلاد لها، من دون اعتبار لنفوذ اللوبي الموالي لاسرائيل.
وضمن هذا النطاق، اقر مجلس الشيوخ الاميركي الاسبوع الماضي مشروع قانون للمساعدات الخارجية من دون ضمانات القروض لاسرائيل.
وعند النظر الى الروابط القوية، المالية والعملية، التي لا تزال قائمة في اطار "التحالف الاستراتيجي" بين الولايات المتحدة واسرائيل، تشير الطبيعة العاصفة للعلاقات بين الدولتين، منذ نهاية حرب الخليج، الى ان هذه الروابط مجرد مخلفات عصر غابر، وليست علاقات ستستمر بهذه القوة في المستقبل.
ويتطلب العصر الجديد الذي بدأ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي اعادة بناء العلاقات الاميركية - الاسرائيلية من جديد. ولا يكفي مجرد الالتزام المشوب بالحنين الى الماضي او الاتجاهات العاطفية للكونغرس لتبرير الاستمرار في تقديم المساعدات بالكميات الضخمة التي تعودت عليها اسرائيل. وإذا قدر للعلاقة بين اسرائيل والولايات المتحدة ان تستمر على الأساس الذي كان سائداً في السبعينات، فانه يتعين على الدولتين الآن اعادة تشكيل مفهوم "التحالف الاستراتيجي" الذي فقد مبرره الرئيسي في مواجهة اعداء الحرب الباردة الذين لم يعد لهم وجود، او في المساعدة في حماية المصالح الاميركية في المنطقة.
وعندما تم الاعلان في الآونة الاخيرة عن تشكيل لجنة في مجلس الشيوخ الاميركي لبحث التعاون الامني بين الولايات المتحدة واسرائيل، كان ذلك تعبيراً عملياً عن تلك الجهود، واعترافاً بأن الاسلوب القديم لم يعد يكفي. ويقول السناتور آرلين سبكتر، الذي يشترك مع السناتور ريتشارد شلبي في رئاسة هذه اللجنة المؤلفة من 12 عضواً، ان اللجنة تنوي "اضفاء الصفة القانونية على التعاون الاستراتيجي الاميركي - الاسرائيلي، وان تصبح منبراً يقدم المعلومات عن العلاقات بين الدولتين بسرعة وسهولة الى الجهازين التنفيذي والتشريعي في الولايات المتحدة".
* خبير اميركي في الشؤون الاسرائيلية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.