يشهد العام 1992 احتفالات عالمية لمناسبة مرور 500 عام على رحلة كريستوف كولومبوس واكتشافه العالم الجديد. وفي مقدم المحتفلين اسبانيا والبرتغال وايطاليا ودول القارة الاميركية. حول الحضور العربي في هذه الاحتفالات، ومدى صحة المعلومات المنتشرة بشكل غامض عن دور عربي في اكتشاف اميركا، في رحلة كولومبوس نفسها، وعن رحلات سابقة الى العالم الجديد قام بها عرب مسلمون ومن قبلهم كنعانيون فينيقيون، التقينا الدكتور يوسف مروة الذي دعا الى لجنة عربية للاحتفالات تجد في المقابلة التالية اسانيدها ومراجعها. نعم، العرب اكتشفوا العالم الجديد مع كولومبوس وقبله، والدكتور يوسف مروة يجيب بالتفصيل من كندا، على اسئلة "الوسط". وهنا نص المقابلة: يتميز هذا العام باحتفالات عالمية لمناسبة مرور 500 سنة على اكتشاف كولومبوس العالم الجديد. ما موقف الجاليات العربية في القارة الاميركية من هذه الاحتفالات؟ - المعروف ان ايطاليا واسبانيا والبرتغال وجاليات هذه البلدان المغتربة بالاضافة الى بلدان القارة الاميركية تحتفل خلال هذا العام بمرور خمسمائة سنة على اكتشاف الرحالة كريستوف كولومبوس القارة الاميركية، وفي الوقت نفسه تحتفل البلدان الاسكندنافية النروج والسويد والدنمارك وفنلندا وجالياتها المغتربة بمرور الف سنة على وصول البحار الرحالة ليف إريكسون الى شواطئ كنداالشرقية. وهكذا فإن الصراع الاعلامي قائم بين اوروبا الجنوبية والشمالية حول الفوز باكتساب مجد اكتشاف العالم الجديد. واما موقع الجاليات العربية في المغتربات من هذه الاحتفالات فهو موقع وموقف المتفرج المتحير. والسؤال الذي نطرحه لماذ لم يصدر حتى الآن عن المؤرخين والجغرافيين والمفكرين في لبنان خاصة والبلدان العربية عامة حتى الان اية اشارة او بيان او اعلان عن برنامج اعلامي يذكر شعوبنا وجالياتنا اولاً والشعوب الاخرى ثانياً بأن اجدادنا الفينيقيين الكنعانيين والعرب كان لهم الفضل الاول في اكتشاف العالم الجديد؟ شواهد المتاحف ولكن، هل من ادلة ووثائق تشير الى وصول الفينيقيين الكنعانيين الى شواطئ اميركا؟ - ان متاحف مونتريالكندا وبوسطن وواشنطن وجاكسنفيل وميامي الولاياتالمتحدة ولاريدو وتمبيكو المكسيك وهافانا كوبا وكاراكاس فنزويلا وفورتاليزا وناتال وريسيفه ومونتفيديو واراكاتو وسلفادور باهيا وريو دي جنيرو وساو بولو البرازيل وبيونيس ايريس ولابلاتا وماردلبلاتا وروصون وبورتو دي سيدو وريو غاليغوس الارجنتين تضم بين معروضاتها الاثرية الكثير من الاثار والنقوش الفينيقية المكتشفة في تلك البلدان والتي تشير الى ان البحارة الفينيقيين وصلوا الى شواطئ العالم الجديد، وخصوصاً شواطئ البرازيل وجزر الباهاماس، منذ العام 508 ق. م. على الاقل اي قبل كولومبوس بألفي عام. ويرجع لهم الفضل في جعل احدى محطاتهم التجارية في جزيرة الخيزران من جزر الكناري في المحيط الاطلسي نقطة البداية في خطوط الطول الجغرافية وفي رسم الخرائط الجغرافية للكرة الارضية، علماً ان غرينتش لم يصبح خط البداية الا في العام 1884. وثبت للباحثين ان الكثير من اسماء الاماكن في البرازيل هي تسميات فينيقية الاصل، مثل بيتروس اي صور الجديدة وأمازون أي المجرى الذهبي وبرازيل اي ارض ايل وست سيداوي اي المدن السبع الخ… ويجد الباحث في المكتبات العديد من الدراسات والتقارير حول هذا الموضوع، فالتقارير المتوافرة حول وصول الفينيقيين الى شواطئ العالم الجديد اكثر بكثير من التقارير حول وصول البحار ليف إريكسون النرويجي مثلاً. ومن المؤرخين والكتاب القدماء من فينيقيين ويونان ورومان الذين ذكروا مغامرات البحارة الفينيقيين وراء بحر الظلمات نذكر الكاهن سكوتن وبلين واغاثون وديونيسيوس واراغوت وبوتراك وتيومبو وديو دوروس الصقلي. ومن الدراسات الحديثة في هذا المجال نذكر: 1 - الفينيقيون في جزيرة هايتي - للباحث الفرنسي انفوري دي ثورون - 1885. 2 - ملاحظات حول تاريخ كوبا - للباحث الدكتور نرسيسو البرتي - 1912. 3 - الفينيقيون في البرازيل - للباحث الالماني د. لدوفيغ شفن هايغن - 1927. ومن هم الاثار الفينيقية المكتشفة على الشواطئ الاميركية: 1 - الولاياتالمتحدة: عثر علماء الاثار على نقوش فينيقية على صخرة ديتون "ديتون روك" على ضفة نهر تاتوت في ولاية ماساتشوستس، وعثر على نقوش فينيقية على الذراع اليمنى لتمثال من الرخام عرف بإسم عملاق اونزداجا - نسبة لقبيلة من الهنود الحمر في منطقة لافاييت من ولاية نيويورك عام 1869-، كما عثر على نقوش فينيقية اخرى في ولاية بنسلفانيا. 2 - البيرو: كشف علماء الاثار في البيرو عن كأس فينيقية جميلة مشابهة كل الشبه للكؤوس الفينيقية التى وجدت في انقاض قرطاجة. 3 - بوليفيا: عثر علماء الاثار في بوليفيا على كتابة ونقوش فينيقية محفورة على صخرة كبيرة وسط ادغال نائية. كلمات الحجر المنحوتة 4 - البرازيل: كشف علماء الاثار عن نقوش فينيقية على تابوت وجد في ولاية مينا جيرايس، والتابوت موجود الآن في متحف ريو دي جنيرو، واكتشفت نقوش فينيقية في منطة بارانيبا على الساحل الشرقي للبرازيل عام 1873، وكشف المنقبون في ولاية براهيا عن نقوش فينيقية على صخرة كبيرة تسمى "الحجرة المنحوتة"، وقد ترجمت النقوش عام 1885 وجاء فيها ما يلي نورده حرفياً مذكّرين ان الفينيقيين كانوا من عبدة الاوثان: "اقيم هذا التذكارالحجري من لدن الكنعانيين الصيداويين الذين ابحروا ليؤسسوا لهم محطات تجارية في بلاد بعيدة، وباسم الالهة والالهات ابتدأوا برحلتهم في السنة التاسعة عشرة من حكم الملك حيرام، ملكنا الجبار وقد نزحوا من اسبونغاير على بحر القصب اي البحر الاحمر بعد ان انزلوا عمالهم وخدمهم في عشرة مراكب وابحر الجميع معاً على طول الشواطئ الافريقية مدة عامين وتاهت سفينتنا عن مركب قيادة الاسطول فابتعدنا عن بقية السفن ووصلنا هذا الشاطئ المجهول، اثنا عشر رجلاً وثلاث نساء بينهم انا الفقير ماتو عشتروت اي خادم عشتروت فأقمنا هنا، ولتكن الآلهة والآلهات عضداً لنا". عرب مع كولومبوس وقبله هل كان للعرب المسلمين دور في رحلة كولومبوس، علماً انها تمت مع نهاية الحكم العربي للاندلس، والمعروف ان نهاية حكم لا تعني بالضرورة نهاية شعب وحضارة؟ - اجل، فقد كشفت التحقيقات التاريخية المتعلقة برحلة كولومبوس عن الامور التالية: 1 - كان لقصص المغامرات البحرية التي كان يسمعها كولومبوس من البحارة الايطاليين والاسبان نقلاً عن البحارة المغاربة والاندلسيين بوجود بلاد واسعة وغنية جميلة وراء بحر الظلمات المحيط الاطلسي اكبر الاثر في تصميمه على القيام برحلته الى الغرب. 2 - كان للكتب الجغرافية العربية التي طالعها كولومبوس وتعلم منها كروية الارض بالاضافة الى استخدامه كرة ارضية واسطرلاباً عربياً في دراسته لفن الملاحة اهمية كبيرة في تصميمه على الوصول الى الهند عن طريق الغرب لاختصار المسافة لأن الافاوية والطيوب التي كانت تستورد الى اوروبا الغربية من الهند كانت تمر في طريق غير آمنة يسيطر عليها اعداء الامارات والممالك الغربية. واشار رينان في دراساته حول ابن رشد الى رسالة بقلم كولومبوس نفسه اعترف فيها بأن مصنفات ابن رشد هي التي اوعزت اليه بوجود بلاد واسعة وراء البحر المحيط. 3 - الخرائط الجغرافية التي استخدمها كولومبوس في اثناء رحلته الاولى كانت خرائط عربية وضعها الجغرافيون العرب قبل رحلة كولومبوس بأكثر من قرنين. 4 - بلغ عدد التجار الذين استخدمهم كولومبوس في رحلته الاولى 120 بحاراً توزعوا على السفن الثلاث التي شاركت في الرحلة وكان بينهم 73 بحاراً عربياً معظمهم من مدن الاندلس اشبيلية وقرطبة وغرناطة وسواها. وكان بعضهم قطع المحيط الاطلسي في سفن شراعية تجارية من شواطئ المغرب وقد وقف البحارة العرب الى جانب كولومبوس اثناء تمرد البحارة الاسبان عليه. ربما تابعت وثائق التراث التي تشير الى وصول عرب مسلمين الشواطئ الاميركية قبل كولومبوس، هل تطلعنا على ذلك؟ وهل لهذه الوثائق ما يؤكدها على الارض الاميركية بالذات؟ - ورد في كتاب "نزهة المشتاق في افتراق الآفاق" للجغرافي الاندلسي الكبير ابو عبدالله الشريف الادريسي بعض الاشارات التي نقلها بعض المحققين الغربيين امثال كوندي، والعرب امثال احمد زكي وجرجي زيدان وهي تقول ان ثمانية عشر بحاراً اندلسياً اقلعوا من شاطئ الاندلس الغربي في بداية القرن الحادي عشر في مركب شراعي بقصد الاكتشاف في المحيط الاطلسي وابحروا غرباً ثم جنوباً حتى وصلوا الى جزيرة وجدوا اهلها حمر الوجوه والبشرة، واستغرقت المسافة بين شاطئ الاندلس وهذه الجزيرة مدة ستين يوماً وعاد هؤلاء البحارة بسفينتهم شرقاً فوصلوا الى ميناء آسفي في جنوب المغرب. وقد نشرت مجلة المقتطف - عدد آب اغسطس 1926 مقالاً حول العالم الاميركي "ليو ويس" من جامعة هارفرد، المختص بدارسة تاريخ وتطور الثقافات الانسانية انتروبولوجيا الذي أثبت في كتابه "افريقيا وكشف اميركا" الذي يقع في 4 اجزاء وجود كلمات عربية في لغات الهنود الحمر في اميركا، وقال: "ان دخول تلك الكلمات يرجع الى سنة 1290م. اي قرنين قبل ان يصل كولومبوس الى اميركا". وذكر الاب انستاس الكرملي بالاضافة الى وجود بعض الكلمات العربية في لهجات هنود اميركا وجود بقايا زنوج افارقة على الشواطئ الاميركية. ويذهب بعض الباحثين الى ان حضارة الأزد والمايا المكتشفة في اميركا الجنوبية ذات خصائص عربية. وذكر المؤرخ الانكليزي "شيلد ريك" ان العرب كانوا يتاجرون مع مجموعات من الهنود الحمر على الشواطئ الاميركية الشرقية قبل وصول كولومبوس بزمن طويل. كما ان الباحث الاميركي الدكتور "جيفرايس" الاستاذ في جامعة "هواتيواتر ستراند" ذكر بان كولومبوس عندما وصل الى جزر الباهاماس وجد جماعة من الزنوج الافارقة الذين فروا من اسيادهم العرب، وهو يرى ان المزروعات الافريقية دخلت الشواطئ الاميركية على يد العرب، وان العرب هم الذين نقلوا ايضاً المزروعات الاميركية الى المغرب والاندلس واوروبا، وهذا يفسر سبب اشتهار الذرة في اميركا باسم القمح التركي، كما ان احدى جزر الباهاما ما زالت تحمل حتى اليوم اسم "جزيرة الترك". والوثائق العربية التي بين ايدينا تشير الى ان الرحلات البحرية كانت مستمرة بين الشاطئ الافريقي الغربي جنوب المغرب وموريتانيا والسنغال وجزر الكناري من جهة وشواطئ البرازيل من جهة اخرى منذ ايام الفينيقيين حتى ايام امبراطورية مالي وملكها مفساموس 1279 - 1337م الذي تولى عرش مملكة مالي عام 1312م ، كما ان الوثائق تشير الى الرحالة العربي زين الدين علي بن فاضل المازندراني 1241 - 1299م الذي وصل في رحلته البحرية التي ابحر فيها من جزيرة النخيلة LA PALMA احدى جزر الكناري المعروفة بالجزر الخالدات قرب شواطئ افريقية الغربية نحو الغرب في البحر المحيط حتى وصل بعد 25 يوماً الى الجزيرة التي يدعوها بالخضراء في البحر الكاريبي عام 1291م وترك وصفاً دقيقاً لمشاهداته في الجزيرة المذكورة، وذلك قبل كولومبوس بقرنين من الزمن. وبدأت رحلة علي بن فاضل من دمشق الى القاهرة ومنها الى تونس والجزائر والمغرب فالأندلس، ثم الى المغرب جنوباً حتى الجزر الخالدات ومنها الى الجزيرة الخضراء في البحر الكاريبي. وصادف بدء رحلته في 6 نيسان ابريل 1291م في اليوم الذي بدأ فيه حصار جيش المماليك بقيادة السلطان خليل بن قلاوون للحامية الصليبية في عكا. اخيراً، هل من اقتراح تقدمه حول مساهمات عربية في الاحتفالات العالمية بمرور 500 سنة على اكتشاف العالم الجديد؟ - نتمنى ونقترح على وزارات الثقافة والاعلام والسياحة وعلى المؤسسات والجمعيات والحركات الفكرية والاحزاب والمهتمين بشؤون التاريخ والجغرافية من مؤرخين ومحققين وباحثين واساتذة جامعات ومثقفين في لبنان والدول العربية ان تقوم بتشكيل لجنة خاصة للاحتفال بمرور 2500 سنة على وصول الفينيقيين الكنعانيين الى شواطئ العالم الجديد وبمرور 700 سنة على الاقل لوصول العرب المسلمين الى نفس تلك الامكنة. واذا تشكلت هذه اللجنة، يمكن عندئذ تشكيل لجان فرعية مساعدة من الجاليات اللبنانية والعربية في سائر بلدان الاغتراب، وعندئذ يمكن التخطيط والعمل للقيام بمهرجانات لبنانية - عربية تظهر للعالم الحقائق والمعلومات حول مساهمة اجدادنا في شرف ومجد اكتشاف العالم الجديد ودورنا التاريخي في زرع بذور الحضارة في ربوع العالم الجديد مثل حضارتي الازد والمايا بدلاً من الاضطهاد والتخريب الذي قام به المستعمرون الاوروبيون الاوائل بعد كولومبوس تجاه السكان الاصليين.