كيف رصد الإسرائيليون تحركات «نصر الله» ؟    أرسنال يهزم ليستر بشق الأنفس ويستفيد من تعثر مانشستر سيتي    «حرس الحدود» بعسير يحبط تهريب 200 كيلوغرام من القات    القبض على مقيمين ووافدين في الرياض لارتكابهم حوادث جنائية بانتحال صفة غير صحيحة والسلب    أنشيلوتي: ريال مدريد يسعى للثأر من هزيمتي الموسم الماضي ضد أتليتيكو المتطور    وطني.. مجد ونماء    ايجابيات اليوم الوطني    جمعية المتقاعدين بجازان تحتفل باليوم الوطني السعودي ال٩٤ بفندق راد يسون بلو جازان    تحقيق التوازن : الحلول الفعالة لإستيعاب القبول الجامعي    كلية التقنية للبنات بجازان تحتفل باليوم الوطني ال94    برعاية وزير الثقافة.. «لندن» المحطة الرابعة ل«روائع الأوركسترا السعودية»    حصاد المتعلمين وحصاد مشاهير المنصات    مروّجو الأوهام عبر منصات التواصل الاجتماعي    الزهد هو المجد في الدنيا والمجد في الآخرة    خطوات صناعة الفيلم الوثائقي في ورشة عمل بمعرض الرياض الدولي للكتاب    الاستثمار في قطاع النشر بين مؤشرات النمو ومبادرات الدعم والتمويل الثقافي    "السينما السعودية: المنجز والتطلع".. في ندوة بمعرض الرياض الدولي للكتاب    جونسون يعترف: خططت لغزو هولندا لانتزاع لقاح كورونا    إدارة المساجد والدعوة والإرشاد في الريث تشارك ضمن فعاليات اليوم الوطني السعودي ال94    "الغذاء والدواء" تحذر من شراء مستحضرات التجميل من المواقع غير الموثوقة    الفصيلي يدشن ويوقع كتابه التطور التاريخي لأنظمة الترقيات في المملكة    تركيا تفرض ضريبة الشركات بحد أدنى 10 % لخفض العجز في الميزانية    مكتب تعليم العوالي يحتفل باليوم الوطني 94    السعودية تسجل نموًا ب 656% في أعداد السياح الوافدين في 2024    ضبط 15324مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال حسن نصرالله    وزير الخارجية يشارك في جلسة مجلس الامن بشأن فلسطين    ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي في غزة إلى 41586 شهيداً    " البديوي" يؤكّد على تطلّع دول مجلس التعاون لبناء علاقات إستراتيجية وثيقة    انخفاض سعر الروبل أمام العملات الرئيسية    بحضور 3000 شخص.. أحد رفيدة تحتفل باليوم الوطني    بلان: الجانب البدني سر تفوق الإتحاد    رابطة العالم الإسلامي ترحب بإعلان المملكة إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين»    تشكيل الهلال المتوقع أمام الخلود    رياض محرز: دعم الأهلي أقل من أندية آخرى    عضو الجمعية العمومية ورئيس لجنة التطوير الاستراتيجي بجمعية الإسكان التنموي بمنطقة الرياض " بيتي "    محافظ هروب يرعى حفلَ الأهالي بمناسبة اليوم الوطني ال 94    رصد المذنب "A3" فجر أمس في سماء مدينة عرعر بالحدود الشمالية    الجبير يلتقي وزير الدولة البريطاني لأمن الطاقة والحياد الصفري    نخيل القصيم أمسية في المسرح الروماني    اتفاق على الإعفاء المتبادل من التأشيرة بين المملكة وطاجيكستان    الزمالك سوبر أفريقيا    محافظ احد رفيدة يرعى احتفال المحافظة باليوم الوطني 94    محافظ العيدابي يرعى احتفال الاهالي باليوم الوطني ال94    الاتحاد يعبر الخليج.. و الأهلي ينزف    شكر النعم    «الصحة» تؤكد.. أولوية "الخدمة" لمن لديهم مواعيد مسبقة في المراكز الصحية    الاندماج بين مجموعة مغربي للتجزئة وريفولي فيجِن يقود إلى تطور قطاع البصريات في الشرق الأوسط    خطيب المسجد النبوي:صفتين محمودتين يحبهما الله هما الحلم والأناة    وزير الخارجية يفتتح الفعالية رفيعة المستوى «الطريق إلى الرياض» بنيويورك    5 أمور تجعل تنظيف الأسنان أساساً    صدمة..حمية الكيتو تهددك بالسكري!    أعتى تضاريس وأقسى مناخات!    ولي العهد يُعلن إطلاق مؤسسة الرياض غير الربحية وتشكيل مجلس إدارتها    وزير الخارجية في الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن: السعودية ملتزمة بتعزيز العمل الجماعي لتحقيق الأمن والتنمية    الحب والروح    أكد دعم القيادة للعمل الخيري الإسلامي وسرعة الاستجابة.. الربيعة: المملكة تولي اهتماماً كبيراً باللاجئين في العالم لعيشوا بأمان وكرامة    اكتشاف نوع جديد من القرش «الشبح»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلم جديد يفجر القضية ... و"الوسط" تجري تحقيقاً خاصاً حولها . ما هو دور المافيا والمخابرات الاميركية في اغتيال جون كينيدي ؟
نشر في الحياة يوم 03 - 02 - 1992


من قتل الرئيس جون كينيدي؟
سؤال عاد يطرح نفسه بقوة في المحافل السياسية والقضائية الاميركية بعدما استطاع المخرج "اوليفر ستون" تفجير قنبلة سينمائية عن طريق اخراج فيلم "جي. اف. كي" الذي اعتمد فيه على كتب عدة ظهرت اخيراً تتهم الاستخبارات المركزية الاميركية "سي. آي. إي" بانها خططت لاغتيال الرئيس الراحل.
وزاد الامر ضجيجاً صدور كتاب للمحامي المشهور في واشنطن مارك لين الذي يصل الى النتيجة نفسها التي توصل اليها ستون.
الى أي حد يصح هذاپالاتهام؟ ومن كان اذن لي هارفي اوزوالد؟ ولماذا يقدم جهاز، مهمته الحفاظ على امن الرئيس، على اغتيال الرئيس؟ وما هو دور المافيا؟
"الوسط" تحاول الاجابة عن هذه الاسئلة من خلال تحقيق مفصل ومقابلة خاصة مع المحامي مارك لين الذي اصدر كتابه بعنوان "نفي جدير بالتصديق".
بعد مرور حوالي ثلاثين عاماً على اغتيال الرئيس الاميركي جون كينيدي، في 22 حزيران يونيو 1963، فُتح ملف القضية من جديد، عن طريق انتاج فيلم سينمائي ضخم أخرجه اوليفر ستون وكتاب ألفه محام معروف في واشنطن يدعى مارك لين.
والفيلم الذي لفت انظار النقاد والجمهور على حد سواء، عمل سينمائي مدهش ببراعته التصويرية، ويلعب أبرز أدواره الممثل الشاب كيفن كوستنر الذي كان اشترك في فيلمي "روبن هود" و"رقص مع الذئاب". كما ادت طائفة من الممثلين المتمرسين، مثل جاك ليمون وولتر ماثاو وإد أسنر، ادواراً قصيرة على سبيل المساهمة في فيلم يعتبر منعطفاً في السينما والتاريخ الاميركي.
وبينما شكلت الاحرف الثلاثة الاولى من اسم الضحية عنوان الفيلم "جي. إف. ك" حمل الكتاب عنواناً آخر هو "نفي جدير بالتصديق"، يؤكد الفكرة الرئيسية لدى المحامي والمخرج، وتتلخص بأن مؤامرة اغتيال الرئيس تضمنت مكيدة اخرى هدفت الى تحويل الانظار عن المتآمرين الاصليين وتحميل المسؤولية كاملة لشخص يمكن التخلص منه، اسمه لي هارفي اوزوالد. وكان هذا الاخير اغتيل على يد المأجور جاكوب روبن الشهير ب جاك روبي قبل ان يتمكن من استشارة اي محام.
وكما هي الحال مع ميخائيل غورباتشوف، لقيت جهود ستون اعجاباً اكبر خارج بلاده بينما ركزت الادارة الاميركية، وصحافتها، بدرجة لم يسبق لها مثيل على الفيلم متذمرة من تحيز ستون وعدم نزاهته. وكان ستون اتُهم بالارتجال والتشويش في الماضي وخصوصاً في فيلم "قطار منتصف الليل" وهو عبارة عن نقد لاذع غريب وجّهه المخرج الى تركيا دفاعاً عن مهرب مخدرات اميركي. غير ان الفيلم الجديد يستند اساساً الى ثلاثة كتب اولها "في محاكمة الذين قاموا بالاغتيال"، لمؤلفه جيمس غاريسون قاضي محكمة الاستئناف الذي حقق في الاغتيال عندما كان مدعياً عاماً لمقاطعة في نيو اورليانز، وثانيها كتاب جيم مار "نيران متقاطعة"، واما الثالث "جي. اف. ك وفيتنام" فهو قيد الطبع وكتبه ميجور جون نيومان.
تقرير "وارن"
وكان الرئيس السابق ليندون جونسون شكل "لجنة وارن" للتحقيق في الاغتيال عيّن على رأسها رئيس المحكمة العليا آنذاك ايرل وارن وضمت بين اعضائها ألن دلس رئيس وكالة الاستخبارات المركزية السابق الذي كان الرئيس كينيدي اعفاه من منصبه كضوئها الخافت. وتوصلت اللجنة الى نتيجة وافية تقول ان اوزوالد كان يسارياً مهووساً، قام بفعلته منفرداً طمعاً في الشهرة، واطلق رصاصاته كلها ذلك اليوم من نافذة عالية في بناية ضمت عدداً من المكاتب عمل اوزوالد في احدها بدالاس.
وكان المحامي لين اشار في كتابه "تعجل في المحاكمة" الى ثغرات في استنتاجات اللجنة، ما اجبر الكونغرس على القيام بتحقيق دام عشر سنين، شككت في نهايتها 1979 لجنة الكونغرس بأحكام لجنة وارن ووجدت ان كينيدي راح ضحية مؤامرة ما. إلا أنها لم تسمّ المتآمرين جميعاً بدقة ولم ترفض في شكل قاطع ان اوزوالد وحده اطلق النار على سيارة الليموزين التي استقلها كينيدي ذلك النهار. واوصت لجنة الكونغرس بأن تعيد وزارة العدل فتح تحقيقها القضائي في الاغتيال. لكن خاتمة الفيلم تذكرنا بأن الوزارة تجاهلت هذه التوصية.
وأعدّ المحامي البريطاني مايكل ايدويس كتاباً قانونياً هدف الى اثبات ان اوزوالد بريء من التهمة التي لفقت ضده، خصوصاً عن طريق تقمص احدهم شخصيته وقيامه بزيارات عدة للسفارتين الكوبية والسوفياتية في مدينة مكسيكو قبيل الاغتيال. ومعروف ان ايدويس كان اشتهر عندما استطاع الحصول على عفو من الملكة اليزابيث عن رجل يدعى تيموثي ايفانز شُنق عقاباً له على جريمة لم يرتكبها. ويبين الفيلم ان الرجل الذي صوره رجال الاستخبارات لدى مغادرته السفارة السوفياتية لم يكن اوزوالد بالتأكيد، كما برهن كتاب لين على عدم وجود اوزوالد في مكسيكو ذلك العام استناداً الى شهود عيان.
وأثبت الكاتب الاميركي الاقل شهرة دايفيد شيم ان المافيا لعبت دوراً ما في الجريمة، مثل تكليفها روبي وهو صاحب ناد ليلي بقتل اوزوالد قبل ان يَمثُل في المحكمة. واضطر شيم، كما فعل لين من قبل، ان يلجأ الى ناشر يكاد ان يكون مجهولاً كي يضع كتابه "عقد على اميركا" بين يدي القراء.
ولم يجر تحقيق واف حتى الآن على رغم تعدد الوسائل التي يمكن ان تجندها الحكومة لهذه الغاية. حيث ان الكونغرس اغلق نهائياًَ كل الملفات السابقة على الملف ذي الرقم 2029، رغم ان قصة الاغتيال تحفل بالفجوات، واهمها تلك المتعلقة بهوية الاطراف المختلفة التي زورت عملية تشريح الجثة التي تمت في مستشفى عسكري فطمست عدداً من الادلة في محاولة لاخفاء الجهة التي اطلقت منها الرصاصات المختلفة. الا ان الشك لا يرقى الآن الى عدد من العناصر، هذا اذا استثنينا من 17 الى 19 في المئة من الاميركيين الذين اظهرت استطلاعات للرأي انهم مازالوا مؤمنين ان اوزوالد ارتكب الجريمة وحيداً.
وما عدا هؤلاء، هناك عملياً اجماع على ان اوزوالد تورط في المؤامرة، او على الاقل، كان عارفاً بها على الارجح، اذ يبدو انه اخبر مكتب الشرطة الفيديرالية اف. بي. آي بالمؤامرة قبل وقوع الحادث باسبوعين. وفي المناسبتين اللتين تمكن فيهما من الصراخ امام الصحافيين وهو رهن الاعتقال، اعلن اوزوالد انه كان اداة أُوقع بها بقصد اخفاء الحقيقة. واكد ستون وشيم بشدة على دور اوزوالد هذا. ويتفق الاثنان على ان جيمس ايرل راي، قاتل الزعيم الاسود مارتن لوثر كينغ وسرحان بشارة سرحان قاتل شقيق الرئيس جون كينيدي روبرت، كانا مجرد أداتين ايضاً في هاتين الجريمتين اللتين وقعتا في الفترة نفسها.
وكان كل من جون كينيدي ومارتن لوثر كينغ متلهفين لرؤية اميركا تكف عن التدخل في الحرب الفيتنامية. وابلغ كينيدي الى عدد من قادة الحزب الديموقراطي، ومنهم مايك مانسفيلد الذي اكد هذه الحقيقة عندما كان سفيراً في طوكيو لكاتب هذه السطور، انه سيأمر بسحب القوات الاميركية كلها من جنوب شرقي آسيا إثر إعادة انتخابه المتوقعة في العام 1964.
مقتل روبرت كينيدي
وهناك سبب صريح لحمل اللاجئ الفلسطيني سرحان على قتل روبرت كينيدي الذي أغدق اللوبي الاسرائيلي مبالغ طائلة على حملته الانتخابية ذلك العام 1964. الا ان سرحان كان في شكل شبه مؤكد اداة في يد المافيا، مثله في ذلك مثل روبي. اذ ان روبرت كينيدي، الذي عمل مدعياً عاماً خلال رئاسة اخيه، قد اعلن ان هدفه السياسي الاول هو القضاء على "المافيا".
ليس هناك شك في ان سرحان قد اطلق خمس رصاصات على كينيدي من الامام فأصابته اثنتان منها، غير ان الرصاصة التي قتلته على الفور اطلقها من الخلف تين يوجين سيزار، المحكوم السابق الذي كان يعمل في شكل موقت آنذاك حارساً شخصياً محلياً. وقال سيزار في ما بعد انه سحب مسدسه كي يطلق الرصاص على سرحان. وخرج شيم بنظرية تقول ان سيزار كان رجل المافيا المكلف بقتل روبرت كينيدي اذا ما فشلت محاولة سرحان. وعلى رغم انقضاء عامين على موعد اخلاء سبيله الموقت بعد ان قضى ثلثي الحكم بالسجن المؤبد الذي يعني عملياً ثلاثين عاماً لا يزال سرحان في زنزانته مما يثير الشكوك بأن هناك من يخشى ما قد يكشف عنه اذا اطلق سراحه.
وظهر في كانون الاول ديسمبر الماضي كتاب يدعو الى محاكمة جيمس ايرل راي من جديد، وتحمل مقدمته اسم القس جيسي جاكسون احد اتباع كينغ الذي كان معه لحظة اطلاق النار عليه.
أسئلة بلا أجوبة
ولا نعرف بالضبط ما اذا كان اوزوالد صوّب رصاصاته الى جون كينيدي. اذ انه تبين ان احدهم اوصى على بندقية صيد تعمل بالمزلاج من طراز "مانليتشر كاركانو"، وطلب ارسالها الى شخص آخر على عنوان اوزوالد. وعثر على هذه البندقية في المبنى الذي يفترض ان يكون هذا الاخير اطلق منه النار. لكنها لم تحمل اي بصمات، مع ان آثار راحة اليد وجدت على ماسورتها في ما بعد. ويفترض ستون في شكل غير قاطع ان هذه الآثار قد تكون وضعت على السلاح من قبل شخص كان يستطيع الوصول الى جثة اوزوالد في المستشفى. ومن الاسهل بالتأكيد صنع الماسورة بحيث تنطبق عليها آثار راحة اليد من ان تُفتح قبضة اوزوالد المطبقة باحكام شديد، كما هي الحال مع الميت الذي يتخشب جسده، وتوضع الاصابع بدقة على الامكنة الصحيحة: الزناد وخشبة البندقية وحولهما. وفي صورة سريعة يظهر اوزوالد ممسكاً ببندقيته في حديقة خلفية لمنزل وقد انطبقت على وجهه ظلال تختلف عن تلك التي سقطت على جسده، ماپيعني ان صورة قديمة لوجه اوزوالد كانت رُكبت على الصورة الحالية. ولم يعثر بعدها ابداً على الصورة السلبية.
وذكرت لجنة وارن ان اوزوالد اطلق النار اولاً ولقّم بندقيته وسددها قبل ان يطلقها ثانية ثم اعاد الكرة مرة اخرى وتم كل هذا في غضون 6.5 ثوان واستغرق خبير السلاح في فيلم ستون سبع دقائق في اطلاق ثلاثة عيارات نارية من بندقية من الطراز ذاته، الا انه قال: "لم يكن لدي متسع من الوقت كي أسدّد على الهدف". ووجدت اللجنة ان اثنتين من الرصاصات اصابتا الرئيس اصابة مباشرة اودت بحياته فيما مسته الاخرى مسّاً عابراً. لكن هذا انجاز فذّ في الرماية على هدف بعيد ومتحرك يفخر به حتى ابطال الرماية الاولمبيين الذين لم يكن اوزوالد واحداً منهم بالطبع.
ويقول نقاد لين وستون ان اصوات ستة عيارات نارية كانت سمعت لان الساحة رددت صدى رصاصات اوزوالد الثلاث. غير ان هذا يعني ان صدى كل عيار ناري كان سيتردد بعد ثانية من اطلاقه سرعة الصوت 200 متر في الثانية. وفي الحقيقة، يبين التسجيل الصوتي في الفيلم الذي صوره احد المتفرجين على حادث الاغتيال، ان الفترة الفاصلة بين كل رصاصة واخرى لم تكن متساوية. وتتفق معظم التحليلات المحايدة للاغتيال مع ستون ولين في القول بأن ثلاث رصاصات كانت اطلقت من الخلف - اي من المبنى - وثلاث اخرى من الامام: من سياج يقوم على رابية قريبة من سيارة الرئيس قبيل دخولها الممر السفلي او النفق القصير تحت الطريق الاخرى. ويبدو ان اول رصاصتين جاءتا من المبنى، ومست احداها الرئيس مساً خفيفاً بينما اصابته الثانية في رأسه. ويظهر ان الرصاصتين التاليتين اطلقتا عليه عن قرب من الامام واصابتاه حتى ان الرابعة كانت قاتلة اذ انها ادت عملياً الى تناثر دماغه خارج رأسه. ويبدو ان الرصاصة الخامسة اتت من الخلف فاخترقت جسد كينيدي واصابت حاكم ولاية تكساس جون كونالي الذي جلس امام الرئيس، وكانت الرصاصة السادسة المقبلة من الامام ايضاً من نصيب هذا الاخير بمفرده.
واستناداً الى فيلم شاهد العيان لم تؤذ الرصاصات الثلاث الاولى كونالي الذي شوهد وهو يدور على نفسه محاولاً مساعدة الرئيس، غير انه سرعان ما اصيب برصاصتين تركتا اربعة جروح مختلفة تحدد امكنة دخولهما وخروجهما من جسده. وحسب افتراض لجنة وارن فان احدى الرصاصات "الثلاث" اخترقت جسم كينيدي ثم انحرفت في الاتجاهات كلها حول جسد كونالي.
وكانت الرصاصة التي "وجدت" في المستشفى على نقالة كونالي ذات العجلات، بدون علامة مميزة تقريباً. وكأنها لم تلامس سوى اللحم. وشكك ستون في هذه الرصاصة معتبراً انها وضعت هناك "بقصد" اثبات ان اداة الاغتيال الوحيدة كانت بندقية فانليتشر كاركانو".
وطلب روبي، الذي استجوبته لجنة وارن في سجنه، ان ينقل الى سجن انفرادي في منشأة بواشنطن موضحاً انه لن يجرؤ على الافصاح عن اسماء من كانوا وراءه ما لم يلب طلبه هذا خشية ان يغتالوه في المعتقل. ورُفض طلبه في ما بعد ومات في سجنه ل "اسباب طبيعية". اما كلاي شو زعيم احدى جماعات "نيو اورليانز" الغني الشاذ جنسياً الذي اتهمه القاضي غاريسون بالتخطيط للمؤامرة ضد كينيدي، فكانت اخلت سبيله هيئة المحلفين التي ادانته بالاشتراك بمؤامرة ما، لم يكن عقلاً مدبراً لها. ولقي الشاهدان الاساسيان ضد شو حتفهما فجأة قبل ان يتمكنا من الادلاء بشهادتيهما، اذ راح احدهما ضحية جريمة قتل، فيما "انتحر" الآخر، كما يبدو.
ويركز ستون اهتمامه كله تقريباً على شو المتوفى، ما يعني ان الاساس الذي يرتكز عليه الفيلم ضعيف الى حد ما من منظور محام او صحافي متخصص بتقصي الاحداث. اما لين فيصب اهتمامه على هوارد هنت الذي اشتهر في عهد نيكسون كأحد "لصوص ووترغيت". كان هنت في 1963 رجل استخبارات يميني النزعة. وربح في ما بعد قضية رفعها ضد مجلة يمينية منوعة "سبوت لايت"، لانها اشارت الى وجوده في دالاس وقت اغتيال كينيدي. الا ان لين نجح في الدفاع عن المجلة والكشف عن غيابه عن مكتبه في مبنى تشغله وكالة الاستخبارات المركزية على مقربة من واشنطن، في ذلك اليوم بخلاف ما ذكره شو، كما وفق ايضاً في اثبات عدم تذكر أبناء شو لمشاهدة خبر الاغتيال على شاشة التلفزيون مع والدهم. وعبّر كبير المحلفين للصحافة عن اقتناعه وزملائه بقيام وكالة الاستخبارات المركزية بمؤامرة ضد كينيدي.
مؤامرة كبيرة
ويأخذ النقاد الرسميون على ستون اساساً تبنيه فرضية المقدم الجوي المتقاعد فليتشر بروتي التي تقول بوقوع مؤامرة واسعة ضد الرئيس كينيدي، تورط فيها اعداؤه في البنتاغون وزارة الدفاع الاميركية، لمعارضتهم الانسحاب من فيتنام، والقائمون على الصناعات الحربية ووكالة الاستخبارات المركزية بالاضافة الى مكتب المخابرات الفيديرالية، وكان على رأسه آنذاك احد اعداء كينيدي جي ادغار هوفر. كما شاركت المافيا في المؤامرة، طبقاً الى هذه النظرية، وعدد من اليمينيين المتطرفين الذين عارضوا انهاء الحرب الباردة، الى جانب عناصر كوبية مناوئة لكاسترو اذ ان كينيدي كان ابدى رغبته في التوصل الى سلام مع جاره الكوبي. ومن المؤكد ان تخريب الادلة وتغييرها بالاضافة الى هشاشة نظرية "أوزوالد بمفرده" تدعم هذه الفرضية، الا ان اثباتها يتطلب من ستون العثور على شهود آخرين وليس على بروتي وحده.
اوزوالد الغامض
والجدير بالذكر ان اوزوالد المتزوج من مهاجرة روسية، كان يحتل مرتبة متواضعة في جهاز استخبارات الاشارة التابع للمارينز، حيث تعلم اللغة الروسية. وبعد "فراره" الى روسيا وتخليه عن جنسيته سمح له بالعودة ولم يُستجوب، مما يجعل من المعقول الافتراض بانه كان مخبراً عادي المرتبة ذهب الى موسكو لينضم الى مجموعة من المعادين لكاسترو يتجسس عليهم من الداخل، وهذا ما اضطره الى الادعاء بتأييد كاسترو. وتتوافر الادلة على ان اوزوالد كان أُوقع به، ومنها شهادة وكالة الاستخبارات المزيفة عن زيارته للسفارتين السوفياتية والكوبية في مدينة مكسيكو، بالاضافة الى الصورة المركبة للبندقية. غير ان بعض الغموض لايزال يحيط بنشاطات اوزوالد، الامر الذي يدفع الى التساؤل: هل كان اوزوالد شخصاً يمكن التخلي عنه بعد تحذيره مكتب المخابرات الفيديرالية من مؤامرة ضد الرئيس؟ هل نصب له الفخ عندها لتحميله مسؤولية الاغتيال، ثم تمت تصفيته على يد عميل المافيا جاك روبي قبل ان يجتمع الى محام او قاض؟ ومع ان هذا ليس تفسيراً واضحاً فهو اقرب الى المنطق اكثر مما توصلت اليه لجنة وارن، واذا كان الفاعلون، الذين كشف الكونغرس عن بعض جوانب مؤامرتهم، لم يواصلوا نشاطهم محاولين اخفاءها، لماذا رفضت دور النشر الكبيرة طباعة كتابي لين وشيم الى جانب الكتاب الذي تناول جيمس ايرل راي؟ ولماذا امضى لين 15 عاماً في البحث عن ناشر لكتابه "نفي جدير بالتصديق"؟ عملاً بالقواعد السياسية الاصيلة، يكاد الاثنان ستون ولين لا يتحدثان مع بعضهما كما لا يرد عنوان كتاب لين في لائحة وثائق الفيلم.
الفيلم رشح لجوائز
ومهما يكن من امر فان ملايين المشاهدين في العالم سوف يشاهدون الفيلم الذي احرز سلفاً نجاحاً مادياً فائقاً في الولايات المتحدة ورشح لأربع جوائز دولية تتقدمها جائزة الاوسكار. وسيجد معظم المشاهدين الاجانب على الارجح، ان صراخ المحامين وغيرهم الصاخب من شأنه ان يحط من قيمة المناقشة التي يطرحها فيلم ستون، تماماً كما ستؤدي الاحتجاجات الحادة التي تطلقها ادارة اميركية مستاءة ومتذمرة وصحف اميركية اقل حياداً الى تركيز الاهتمام على الفيلم وعلى كتاب لين في شكل لم يكونا ليحظيا به لولا هذه الضجة.
هل ستفتح وزارة العدل الآن ملف التحقيق في اغتيال كينيدي من جديد؟ وما الذي سيكشف عنه بعد مرور 28 عاماً على الحدث توفي خلالها عديدون؟ هل سيحاكم راي ثانية؟ هل سينتهي تحقيق الكونغرس الى "مفاجأة تشرين الاول اكتوبر عام 1980 الى ملاحظات تافهة شبيهة بتلك التي توصلت اليها تحقيقات الكونغرس في مصرع كينيدي وكينغ؟ وهل سيتم التحقيق من جديد في مصرع روبرت كينيدي؟
حسب التقاليد الاميركية، يرجح ان يكون مكتشف حقيقة هذه الاحداث الثلاثة المتماثلة محققاً صحافياً يعمل من خارج شبكة الصحافة الرسمية، اذ أن مثل هؤلاء هم الذين سلطوا الضوء على بعض حقائق هذه الاغتيالات حتى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.