هل في الامكان التوصل الى دواء للقضاء على مرض "الأيدز"؟ العودة الى الأبحاث التي تنشر في المجلات الطبية المنتشرة في الغرب تعلمنا بان الامال صارت كبيرة، حتى أن أحد الاطباء المختصين توقع أن تصبح معالجة "الأيدز" كمعالجة مرض السكري مع دخولنا الى القرن الواحد والعشرين، إلا أن الصعوبات ما زالت كبيرة كما يروي التحقيق التالي: قام فريق من العلماء الكنديين في 14 ايلول سبتمبر الماضي بنشر موضوع في مجلة العلوم Science ، تضمن نتائج أبحاثهم حول مرض فقدان المناعة المكتسبة، الأيدز، مفادها أن فيروس هذا المرض HIV لا يهاجم جهاز المناعة مباشرة، كما هو معتقد، وانما يدفع هذا الجهاز لتدمير نفسه. وبنى هؤلاء العلماء استنتاجاتهم هذه على أن جهاز المناعة يتسبب بتدمير نفسه عندما ينتج نوعين متناقضين من ردود الفعل، أولهما يعمل ضد فيروس نقصان المناعة، وثانيهما يعمل ضد الخلايا التي تدخل الجسم عن طريق الدم أو المني الآتي من إنسان آخر. ودعّم هؤلاء الباحثون نظريتهم هذه بأدلة ناجمة عن أبحاث وتجارب قاموا بها على الفئران. إعلان آخر بعد ذلك بأسبوع، أعلن فريق آخر من العلماء في المملكة المتحدة التابعين لمجلس الابحاث الطبية البريطاني، أنهم تمكنوا من حماية القرود من الاصابة بفيروس نقصان المناعة الحيوانية SIV، وذلك بعد حقنهم بلقاح من الخلايا التائية البشرية غير المصابة. ولو صدقت استنتاجات الباحثين الكنديين، فان ذلك يعني انه كلما ازدادت مقاومة جهاز المناعة لفيروس الايدز وانتج المزيد من الاجسام المضادة للقيام بعملياته الدفاعية هذه، كلما سارع هذا الجهاز الى تحطيم نفسه بدل القضاء على الفيروس المسبب للعوز المناعي المكتسب المعروف بالأيدز. وهذا يشير أيضاً الى أن أي لقاح يتم اكتشافه ويخصص لتحصين الجسم ضد هذا الفيروس ولحث جهاز المناعة على مقاومة هذا المرض الخطير، إنما يسارع في تطوير مجرى المرض وفي تقوية الفيروس المسبب له. ويبدو أن الدراسة الكندية تعاني من نقاط ضعف تقنية حيث أنها اعتمدت اسلوب الأليزا ELISA التقليدي لفحص الاجسام المضادة للغلاف البروتيني للفيروس gp 120، دون القيام بتأكيد النتائج عن طريق استخدام اسلوب اللطخة الغربية" western blot، وهو الاسلوب الاكثر دقة والمعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية لتأكيد صحة النتائج الايجابية للاصابة بفيروس الأيدز. ولقد طالبت الدكتورة بولي مايتسون، مسؤولة الابحاث الاساسية المكلفة بايجاد لقاح للايدز، في المعهد الوطني للصحة في الولاياتالمتحدة الاميركية بضرورة توخي الحذر والدقة في تفسير نتائج الدراستين الكندية والبريطانية. واضافت أن دراسات أخرى مشابهة للدراسة التي قام بها فريق الابحاث البريطاني، أُجريت في "كولد سبرنغ" في اميركا ، أظهرت تناقضاً مع استنتاجات الفريق البريطاني، واكدت النتائج السابقة للنظريات التقليدية بان استخدام اللقاح المكون من فيروس نقصان المناعة الحيواني الذي تم تغييره وتحييده، يحصن القرود من الاصابة به ويحميهم من التقاط مرض الايدز. مزيد من التشويش والجدير بالذكر ان تصريحات رئيس تحرير مجلة الطبيعة Nature جون مادوكس، التي نشرت في اواخر شهر ايلول سبتمبر 1991، لم تساعد على توخي الحذر والدقة في نشر المعلومات المتعلقة بمرض الايدز، بل أدت الى زيادة التشويش الفكري، والى التشكيك في صحة النظريات التقليدية، خاصة وانه دعم اقوال الباحث بيتر ديوزبرغ بالقول ان لا علاقة لفيروس نقصان المناعة البشرية بمرض الايدز وانه ربما كانت هنالك مسببات اخرى لهذا المرض تختلف عن الاسباب المتعارف عليها علمياً وطبياً. ولقد ادّت تصريحاته هذه الى دفع العديد من العلماء والباحثين والاطباء لكتابة رسائل احتجاج وتوبيخ موجهة لرئيس تحرير المجلة تلومه فيها على تسرعه بنشر استنتاجاته حول الدراستين الكندية والبريطانية وعلى افتقاره للتحليل الموضوعي والعلمي لها. ولقد نشرت مجلة الطبيعة Nature وهي من المجلات العلمية البريطانية الواسعة الانتشار، في عددها الصادر في 12 كانون الاول ديسمبر الماضي، نتائج جديدة لابحاث قام بها فريقان من العلماء العاملين في معهد الطب الجزيئي في أوكسفورد، تحت إشراف الدكاترة اندرو ماكمايكل ورودني فيليبس، أثبتوا فيها مقدرة فيروس نقصان المناعة البشرية HIV على التملص من الخلايا اللمفاوية التائية القاتلة ومصدرها جهاز المناعة، وهي من الد اعداء الفيروس، وذلك عن طريق التغييرات المفاجئة التي تحدث في الرموز الجينية الوراثية للوسط البروتيني للفيروس، والتي تقوم بتغيير مقاطع معينة من الاحماض الامينية التي تتعرف على الخلايا اللمفاوية التائية عادة. وهكذا يتمكن الفيروس من تفادي الهجوم الذي يشنه عليه جهاز المناعة وتزداد مراوغته وقدرته على البقاء والتكاثر داخل الجسم. وهذا بالطبع يناقض أقوال وتصريحات رئيس تحرير المجلة نفسه. اكتشاف جديد؟ في 29 كانون الثاني ديسمبر 1991 أعلنت صحيفة "صنداي تايمز" اللندنية على صفحاتها الاولى، أن مجموعة من الاطباء البريطانيين قد اكتشفوا أن دواء "الايسيكلوفير Acyclovir الذي يستعمل عادة في علاج أمراض الحلأ او الهربس Herpes والحلأ النطاقي Shingles يؤدي الى هبوط حاد في حالات الوفاة بمرض الايدز بمعدل النصف اذا تم استخدامه مع دواء الاي زي تي AZT. وقامت هذه المجموعة باستخدام دواء الايسيكلوفير Acyclovir على ثلاثمائة مريض من المصابين بفيروس نقصان المناعة المكتسبة والموزعين في كل من بريطانيا والمانيا واوستراليا واستمرت تجاربهم هذه لمدة ثلاث سنوات لاحظوا خلالها انه في السنة الاولى توفي عشرون في المئة من المرضى الذين كانوا يعالجون بدواء الآي زي تي AZT وحده مقارنة بوفاة عشرة في المئة فقط من المرضى الذين كانوا يعالجون بدواء الآي زي تي AZT ودواء الايسيكلوفير Acyclovir معاً. ويقول الدكتور "بول غريفيس" وهو أحد المنسقين لهذه التجارب، ان هذا الاكتشاف يعتبر من أهم الانجازات التي تمت خلال السنوات الخمس الاخيرة منذ اكتشاف دواء الآي زي تي AZT واستخدامه في علاج مرضى الأيدز. ويعتقد الاطباء أن فيروس الحمى المضخمة للخلايا Cytomegalovirus وهو أحد فيروسات الهربس، يساعد فيروس الأيدز على تحطيم جهاز المناعة ويزيد من قابلية المصابين بفيروس نقصان المناعة المكتسبة على اكتساب مرض الأيدز بصورته القاتلة بنسبة الضعف او الثلاثة اضعاف. ولهذا كان استخدام الآيسيكلوفير Acyclovir مع دواء الآي زي تي AZT يساعد في اطالة عمر مريض الايدز وفي تأخير ظهور الاعراض المرضية القاتلة. ويضيف الدكتور "غريفيس" "ان علاج مرض الايدز لن يتم الا على مراحل ومن خلال التطويرات المستمرة في طرق العلاج، وانه لن يكون بامكاننا القضاء عليه نهائياً لانه سيبقى معنا وسيكون بوسعنا في السنين القليلة المقبلة علاجه والسيطرة عليه تماماً كما نعالج مرض السكري، حيث يتابع المصاب بفيروس الايدز حياته العادية لعشرات السنين". الا ان بعض الخبراء والاخصائيين العاملين في جامعة امبريال كولدج في لندن أبدوا تخوفهم من أن يؤدي هذا الاكتشاف لزيادة عدد المصابين بفيروس الأيدز، وأن يؤدي ذلك الازدياد بدوره الى تسببهم بنقل العدوى الى المزيد من الناس من خلال استمرارهم بممارسة علاقاتهم الجنسية دونما رادع لهم. الا ان الدكتور غريفيس وزملاءه اكدوا على ان مرضاهم يتلقون دروساً في التوعية الصحية باستمرار، وخاصة في تطبيق اسس السلامة اثناء ممارستهم للعلاقات الجنسية. ومن المؤكد ان الاخبار والمعلومات المتعلقة بمرض الايدز ستستمر في الظهور بين الفينة والاخرى، وان الاشهر المقبلة قد تحمل في ثناياها انباء جديدة عن انجازات واكتشافات اخرى تقربنا من الهدف الرئيسي وهو القضاء على وباء العصر الجديد وتوفير سبل الحصانة والحماية منه. شكوك حول الدراسة والجدير بالذكر انه بمجرد نشر خبر هذا الاكتشاف الذي يطيل عمر ضحايا مرض الايدز ويخفض من نسبة الوفيات، ارتفعت قيمة اسهم شركة "ويلكام" Wellcome البريطانية المصنعة لدواءي آتي زي تي AZT والآيسيكلوفير Acyclovir، الا انه سرعان ما تلاشى هذا الحماس بعدما اعلنت الناطقة باسم شركة "ويلكام" Wellcome، روزماري هننغز، بان التجارب الخاصة بهذه الدراسة والتي اجراها البروفسور بول غريفيس قد توقفت لانها فشلت في تحقيق غايتها الاساسية وهي ايجاد علاج للقضاء على فيروس السايتوميغالو Cytomegalovirus الذي يزيد من سرعة تطور مرض الايدز. واضافت ان حقيقة كون هذه الدراسة قد ساعدت في تخفيض نسبة الوفيات بين مرضى الايدز الذين تدهورت صحتهم، تعتبر مشجعة ولكن لا يمكن اعتبارها ناجحة كلياً بعد. وازدادت الشكوك حول هذه الدراسة بعدما أعلن الدكتور انطوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني لامراض الحساسية والامراض المعدية في بيتسدا في ولاية ميريلاند الاميركية، انه يستغرب جداً ان يتمكن دواءا "اي. زي. تي" والآيسيكلوفير من اطالة عمر مرضى الأيدز. كما أن خبيرة الايدز في مستشفى ميدلسكس في بريطانيا، الدكتورة دانيال ميرسي، أعلنت انها لن تستخدم هذا العلاج على مرضاها بناء على المعلومات المتوفرة حالياً. وفي تطور آخر، اعلن العلماء الذين حضروا المؤتمر العالمي السادس لمرضى الايدز في افريقيا، الذي انعقد في مدينة داكار عاصمة السنغال وافتتحه الرئيس عبدو ضيوف، أن فيروس نقصان المناعة البشري الثاني HIV-2، الذي ساد الاعتقاد طويلاً على انه لا يسبب مرض الايدز بصورته المتكاملة وانه لا يؤدي الى الوفاة، في الواقع بسبب مرض الايدز ويؤدي الى الوفاة مع فارق اساسي وهو ان اعراض مرض الايدز لا تظهر الا بعد سنين عدة تفوق تلك التي يسببها فيروس نقصان المناعة البشري الاول HIV-1 ، وان حالات الوفاة الناتجة عنه قليلة جداً. ونظراً لأن هذا الفيروس شبيه بفيروس نقصان المناعة الحيواني SIV فان امكانية ايجاد لقاح ضده قد تكون اسهل بكثير من ايجاد لقاح لفيروس نقصان المناعة البشري الاول HIV - 1. من هنا كان لا بد لنا من التأكيد، مرة اخرى، على ضرورة الحرص الشديد في نشر اية معلومات تتعلق بمرض خطير ومعقد مثل مرض الايدز، وضرورة الابتعاد عن الاثارة والتشكيك وعدم التحيز لاية دراسة مهما كان طرحها، وذلك لمساعدة الناس على الاطلاع بموضوعية وتجرد على كافة المعلومات المطروحة كي يتسنى لهم تكوين استنتاجاتهم بعيداً عن التشويش وحتى يتمكنوا من طرح تساؤلاتهم وايجاد الاجابات المنطقية لها ومن ثم تدعيمها بالادلة والوثائق العلمية المنشورة. بوش يعين اللاعب إيرفن جونسون في اللجنة الوطنية الاميركية لمرض "الأيدز" للتأكيد على الاهمية الدولية التي يحظى بها مرض الايدز وحرص الدول والحكومات على توسيع الحملات الاعلامية ضده، قام رئيس الولاياتالمتحدة الاميركية جورج بوش في 14 كانون الثاني يناير 1992، بتعيين لاعب كرة السلة الاميركي الشهير، ايرفن "ماجيك" جونسون، عضواً في اللجنة الوطنية الاميركية لمرض الايدز. والمعروف ان اصابة هذا الرياضي العالمي بفيروس الايدز اثارت زوبعة اعلامية كبيرة بين اوساط الشباب والرياضيين عموماً، واثبتت ان هذا المرض لا يفرق بين انسان وآخر. وتشابهت هذه الضجة الاعلامية بتلك التي أثارها موت الممثل العالمي روك هدسون والمغني الشهير فريدي ميركوري. ولقد قابل جونسون الرئيس بوش وطالبه بتخصيص المزيد من الدعم المادي لمحاربة هذا المرض.