حديث الاوساط الاسلامية في فرنسا هذه الايام هو افتتاح معهد للدراسات الاسلامية في منطقة "النييفر" على مقربة من بلدة "شاتون شينون" - مقر إقامة الرئيس ميتران قبل ان يستقر في قصر الاليزيه - وعلى مسافة 200 كيلومتر من باريس. ويُصنف المعهد كجامعة إسلامية تهدف الى تخريج ائمة مساجد ورجال دين يرعون في المستقبل شؤون الجاليات الاسلامية في فرنسا وعدد من الدول الاوروبية. ويحمل اسم "المعهد الاسلامي". تأتي هذه المبادرة - وهي الاولى من نوعها في اوروبا - لتساوي الجالية الاسلامية بغيرها من الجاليات الدينية الاخرى في فرنسا التي تمتلك منذ زمن بعيد مؤسسات تربوية تشرف على تأهيل رجال دين يهتمون بشؤون رعاياهم، مع فارق أساسي هو ان المؤسسات المسيحية واليهودية المماثلة تتمتع بدعم مالي واشراف حكومي في حين تُعتبر الجامعة الاسلامية مستقلة في مصادر تمويلها وبرنامجها التعليمي. ويستجيب المعهد لحاجة لدى الجاليات الاسلامية في فرنسا واوروبا، اذ انها تعاني نقصاً في إعداد أئمة المساجد ورجال الدين. وتندرج هذه الخطوة في اطار مشروع شامل لتنظيم الجاليات الاسلامية في فرنسا ودول اوروبية، على غرار التنظيم المعتمد لدى الجاليات الدينية الاخرى. اذ يشرف على المعهد "اتحاد الجمعيات الاسلامية في فرنسا"، وهو إطار يضم اكثر من مئة جمعية. وعمل الاتحاد خلال سنتين متواصلتين تحضيراً للمشروع، فجال مسؤولون في ادارته، على عدد من الدول العربية وجمعوا تبرعات من رجال اعمال في المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، ومن الرابطة الاسلامية" فضلاً عن المسلمين الفرنسيين والمهاجرين الذين ينتمون الى الجمعيات الاسلامية المختلفة. ويؤكد رئيس الاتحاد أحمد بن منصور ان الاتحاد لم يتلق اي مبلغ من حكومات عربية وهو بالتالي يتمتع بحرية تامة في تحركه وفي رسم سياسة مستقلة للمعهد الاسلامي ومنحصرة في تحقيق اهداف دينية واجتماعية نص عليها النظام التأسيسي للمعهد. ويوضح بن منصور، وهو تونسي الجنسية، ان حصيلة التبرعات التي تم جمعها خمسة ملايين فرنك فرنسي استخدمت في تغطية شراء مبنى للمعهد قصر بوتلوان وتجهيزه، وتخصيص منح لخمسة واربعين طالباً يشكلون الدفعة الاولى من طلاب المعهد. شروط الانضمام الى المعهد وتلقت ادارة المعهد الاسلامي عدداً كبيراً من طلبات الانتساب ولم تتمكن من قبولها كلها بسبب امكاناتها المحدودة. ويذكر ان طلاب المعهد سيقيمون فيه طيلة سنوات الدراسة الاربع وسيخضعون لبرامج مكثفة موزعة على مواد دراسية من نوع: اللغة العربية والشريعة الاسلامية وأصول الفقه الخ... ويشار الى ان ادارة المعهد حددت شروطاً اساسية للقبول من بينها ان يكون الطالب مسلماً بطبيعة الحال وحائزاً على شهادة البكالوريا او ما يعادلها وان يكون مقيماً في اوروبا. ويتوزع طلاب الدورة الاولى على بلدان مثل فرنسا القسم الاكبر والمانيا وايطاليا وبلغاريا ويوغوسلافيا وعدد من دول اوروبا الشرقية... ويحصل الطالب في نهاية البرنامج الدراسي على دبلوم يؤهله للقيام بواجبات رجل دين مسلم تجاه رعايا مسلمين في البلد الذي يقيم فيه او في اي بلد اوروبي آخر حسبما تدعو الحاجة. واذا كانت هذه الخطوة لاقت ترحيباً كبيراً في اوساط الجالية الاسلامية في فرنسا حوالي اربعة ملايين وهي التواقة الى تنظيم صفوفها والدفاع عن هويتها، فانها اثارت في المقابل ردود فعل متحفظة في بعض الاوساط الفرنسية الرسمية والاعلامية التي تعيش هذه الايام هواجس متصلة بالاحداث الجزائرية. في هذا السياق، أكد السيد كوفي يميام سكرتير الدولة لشؤون دمج المهاجرين الاجانب في المجتمع الفرنسي، ان اهداف المعهد "لا تتطابق مع سياسة دمج المهاجرين في فرنسا"، ولاحظ ان المعهد لا يخضع "للقيم الفرنسية" التي تفترض "احترام علمانية الدولة" على حد تعبيره. وعبر يميام عن مخاوفه من أن تسيطر على المعهد "تيارات اصولية معينة"، وكان بذلك يعكس مناخاً عاماً عملت وسائل الاعلام الفرنسية على اشاعته طيلة الاسابيع القليلة الماضية. المخابرات تراقب ودفع هذا المناخ أهالي قرية "سان ليجيه دو فوجيريه" التي يقع مبنى المعهد في نطاق أراضيها، الى التزام جانب الحذر تجاه ما سموه "جماعة القصر"، وهو موقف يختلف عن موقف مجلس بلدية القرية في المرحلة التحضيرية لانشاء المعهد، اذ صرح رئيس بلدية القرية في حينه أن قريته كانت تعاني من الاحتضار البطيء 003 نسمة وان انشاء المعهد يشكل بالنسبة اليها فرصة جديدة للحياة. وازداد حذر الاهالي عندما بدأ "هجوم" وسائل الاعلام الفرنسية على قريتهم وعلى المعهد، وعندما بدأ رجال الشرطة دوريات منتظمة في محيطه، وايضاً رجال المخابرات الداخلية D.S.T الذين يراقبون الحركة الداخلية فيه من بعيد بواسطة اجهزة خاصة. وطلب هؤلاء من احد الرعاة المحليين ان يوافيهم بارقام السيارات الوافدة الى المعهد بصورة دورية. لكن هذه الاجراءات لم تؤد الى اضطراب الدراسة في المعهد، فاستمر المشرفون عليه باستقبال وسائل الاعلام وكرروا امام اجهزة التلفزة ان اهداف المعهد واضحة تماماً ومحددة في برنامجه التأسيسي وتعرفها السلطات الفرنسية المعنية التي اعطت موافقتها على افتتاحه. ودعت ادارة المعهد الحكومة الفرنسية الى تشكيل مجلس مشترك يشرف على هذه المؤسسة ويتألف من ادارة المعهد ومن شخصيات تعينها الحكومة من أجل طمأنة من يعنيهم الامر.