سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اللاجئون والمهاجرون العرب والمسلمون الى اوروبا بعد 11 ايلول - سبتمبر . ائمة ومصليات في ضواحي المدن الفرنسية ... قنوات لتسرب "الجهاد" الى اوساط الجالية الاسلامية 5 من 5
يروي غالب بن شيخ عن شقيقه إمام جامع مرسيليا عندما كان هذا الأخير متوجهاً للقاء جماعة من المؤمنين في احدى المدن الفرنسية، ان سيدة اوروبية كانت تجلس الى جواره في القطار، فتحادثا عن القرى التي مر القطار مسرعاً من جوارها، وفي امور اخرى من نوع الأحاديث التي يتبادلها المسافرون عندما يتعارفون. كان ابن شيخ مرتدياً سروالاً وقميصاً وعقداً رفيعاً يظهر جزء منه من تحت القميص، والشيخ حليق اصلاً. ولكن عندما بدأ القطار بالأقتراب من المحطة، انتزع الشيخ جبته من حقيبته وراح يلبسها فوق ثيابه. السيدة راحت تنظر الى ما يجري امامها راسمة علامات استغراب على وجهها، فيما الشيخ يتابع نزع سرواله من تحت الجبة، وكلما اقترب من هيئة الإمام كانت حيرتها تتحول حذراً. تحول الرجل الى شيخ أخرسها تماماً، فراحت تراقبه بعد وصول القطار الى المحطة ، فهي الآن أمام حكاية لم يسبق ان عاشتها، وغرابة الموقف متابعة المشهد الى آخره، فأرسلت السيدة نظراتها وراء الشيخ الى ان غاب عن محطة القطار. وغالب يروي هذه الحكاية ليشير الى ان حال شقيقه إمام مسجد مرسيليا ليست حال مشايخ فرنسا وأئمتها. فمعظم هؤلاء لم يتخفف من الصورة المثبتة في اذهان الفرنسيين عن المشايخ والأئمة. وليست دهشة السيدة الأوروبية الا احد مظاهر هذه الصورة، اذ ان المشيخة بنظر الفرنسيين امر لا يمكن اللعب معه كما فعل ابن شيخ. فقد وصلت معان كثيرة للمشيخة الى هذا المجتمع ومن طرق كثيرة لا تمت الى ما اقدم عليه الشيخ بصلة. في فرنسا قضية اسمها المشايخ والأئمة. همس كثير تسمعه، حول قضية هؤلاء. في مسجد جوسيو في باريس وهو المسجد الرسمي تقريباً للمسلمين في المدينة، الشكاوى من ائمة الضواحي تصل الى اذنك من دون ان تكون مصغياً، والناشطون في قضايا حقوق اللاجئين والمهاجرين يتجنبون كثيراً طرح مشكلة هؤلاء لئلا تلقى تبعات تعثر الاندماج عليهم، ولكنهم غالباً ما يقعون فيطلقون شكاويهم على هامش كلامهم. التوسع بالحديث عن الأئمة مع مسؤولي الجمعيات يفضي الى نقاط ارتكاز فعلية لا تقل اهمية عن مشاكل التفاوتات الاجتماعية الأخرى التي يعيشها المهاجرون. فيجمع هؤلاء الناشطون على ضعف الثقافة الاسلامية للأئمة الجدد واقتصار هذه الثقافة على قضية الجهاد. ويشير حكيم الغثاثي الى ان كثيراً من هؤلاء الأئمة لا يجيد اللغة الفرنسية ولا يعرف شيئاً عن المجتمع الفرنسي، وفي المقابل يقوم هؤلاء بالقاء دروس في الدين وأساليب العيش لشبان من المفترض ان يعيشوا في المجتمع الفرنسي الذي لا يكنون له مودة فتتركز الدروس على معاداة اساليب العيش فيه. ولكن من هم هؤلاء الأئمة، وكيف يصلون الى فرنسا، ومن ينتدبهم، وما هو تأثيرهم على بعض الشبان الذين ارتبطوا بشبكات تمتد الى خارج فرنسا؟ يأتي الأئمة الجدد عبر اكثر من طريق، ولكن الثابت ان كثيرين يأتون من مصر والجزائر خلال شهر رمضان نظراً لإزدياد الطلب عليهم في هذه الفترة، ومن اقامة موقتة ينتقلون الى اقامة دائمة. ويقول غال بن شيخ: "يكفي ان يعرف المرء القليل عن الاسلام حتى تتاح له فرصة المشيخة. كثير من الأئمة المزعومين أثار مشاكل مع الشرطة. الجالية المسلمة في فرنسا بحاجة الى تكوين الأئمة في اطار فرنسي، اما الأئمة المستوردون فيأتون بأفكار دخيلة على المجتمع الفرنسي وكل شيء في قناعتهم حرام". اما المسؤول الثقافي في مسجد باريس حسين رئيس فيقول "ان ائمة المساجد في فرنسا متفاوتون وهم من اجناس وثقافات واتجاهات متضاربة. فتركيا مثلاً ترسل ائمة منسجمين مع السياسة التركية، والجزائريون كذلك وهؤلاء خاضعون لتكوين الأئمة في الجزائر. الأمر نفسه بالنسبة لتونس والمغرب. وهناك ائمة كثر برزوا بعد ان تقاعدوا من المعامل الفرنسية. اما الأكثرية فهم دعاة جدد لا يلوون على ثقافة اسلامية حقيقية وهم متمسكون بالمظاهر". ويضيف: "هناك فراغات في المجال التبشيري في اوساط الجاليات المسلمة في فرنسا يملؤها شبان في الضواحي يدعون انهم دعاة ويسمحون لأنفسهم باصدار فتاوى واحكام، وهؤلاء يمثلون الأكثرية". الأمر لا يقتصر على استقدام أئمة من خارج مجتمع المهاجرين بل يمتد ليشمل بناء المساجد والمصليات وهو ما يشكل إحدى قنوات تسرب السياسات الجهادية الى اوساط المهاجرين. فالجالية المسلمة في فرنسا جالية فقيرة على العموم وامكان بناء جامع او مصلى يفوق قدراتها في أحيان كثيرة، وهذا ما يدفع عدداً من ناشطيها للجوء الى فاعلي خير في بلاد المنشأ، ومن هؤلاء تتفرع دول واحزاب وجمعيات ومحسنون وبعد مساهمتها في بناء المسجد يسهل عليها التأثير على الجمعية التي تتولاه. ربما كان مفيداً العودة الى تاريخ بناء المساجد في فرنسا، ففي هذه الدولة نحو الف وثلاثمئة مسجد ومصلى ومكان لإقامة الشعائر الدينية، ولموقع القانون والدستور الفرنسي علاقة في عملية تطور اعداد هذه المصليات وهويات المشرفين عليها. فالدستور الفرنسي لا يسمح للحكومة بالتدخل في شؤون الطوائف الدينية، نظراً لعلمانية الدولة. هذا وفّر أمرين: من جهة قصر الموافقات على انشاء مسجد او مصلى على البلدية التي من المفترض ان يشاد في منطقتها، ومن جهة اخرى عدم اهلية الدولة من الناحية القانونية في الإشراف على تكوين الأئمة للمساجد في فرنسا. ولكن من جهة اخرى حرم المسلمين الفرنسيين من الاستقلال النسبي عن دول وهيئات خارج فرنسا راحت تملأ هذا الفراغ عبر رفد الجالية بالأئمة المكونين خارج مجتمع المهاجرين، وعبر مساعدات مالية وتبشيرية وما يمكن ان ينجم عن ذلك من تصدير لأزمات ومشكلات سياسية. الجواب الفرنسي المتردد على هذه القضية هو ان الدستور لا يتيح للدولة الفرنسية التدخل ايضاً لمساعدة الأديان الأخرى ايضاً والإشراف على مؤسساتها. ورد بعض الجمعيات المعتدلة على هذا الجواب بأن الأديان الأخرى قريبة للثقافة الأوروبية وان المسلمين بحاجة لكي يصيروا جزءاً من اقوام القارة الى احتضان اكثر. ومن بين الآراء المقترحة لحل مشكلة اقامة مؤسسات تكوينية للمسلمين في فرنسا اقامة كلية على النمط العصري لتدريب الأئمة بتمويل واشراف الدولة الفرنسية على ان يكون مركزها منطقة ألزاس او منطقة لورين، وهما منطقتان غير خاضعتين لسلطة الدستور الفرنسي لجهة العلاقة بالأديان. ويؤرخ ابن شيخ لبداية وجود مساجد في فرنسا ببداية وصول العمال المغاربيين في بداية القرن الفائت، وتحديداً الى العام 1904، اذ شهد هذا التاريخ بناء مسجدٍ في جزيرة سان دوني، بينما وضع حجر الأساس لمسجد باريس في العام 1922 ودشن في العام 1926 في حفل رسمي القى فيه الماريشال ليوتيه كلمة قال فيها: "سينادى الى الصلاة من صومعة مسجد باريس ولن تغار من ذلك كنيسة نوتردام". وفي بداية الهجرة المغاربية الى فرنسا كان من الصعب على الجالية المسلمة اقامة مساجد واماكن عبادة لها، فاتفق مع عدد من الكنائس الكاثوليكية التي خصصت اماكن كنائسها للمصلين المسلمين وخصوصاً في ايام الجمعة. اما انتشار الجوامع بشكل واسع فقد بدأ في خمسينات القرن الماضي، وشمل قاعات في المصانع ومدن الصفيح في الضواحي حيث يعمل المهاجرون ويقيمون. ويربط المتحدثون عن المساجد بين انتشارها وبين تنامي ظاهرة جمعيات المهاجرين. وانتشار الجمعيات مرتبط بقوانين الجمعيات، فهناك قانونان للجمعيات في فرنسا قانون 1901وقانون 1905، الأول ينظم عمل الجمعيات المدنية وهو يتيح بسهولة الحصول على ترخيص بالجمعية والثاني ينظم عمل الجمعيات الدينية ويضع شروطاً على انشطتها. ويبدو ان الجمعيات الاسلامية اختارت قانون 1901 لسهولة حيازة الترخيص. ويقول مسؤول في مسجد جوسيو ان "عدد الجمعيات الاسلامية في فرنسا يفوق الألفي جمعية، وهذه الجمعيات لا تمثل المسلمين بقدر تمثيلها لجهات اخرى، ومعظمها يتبنى مذاهب فقهية مختلفة وللكثير منها وظائف تعليمية في الشكل. فهي مضطرة لأن تكون لها وظائف تبعدها عن شبهة انها جمعية دينية، فتدعي انها تعلم اللغة العربية مثلاً او اي امر آخر". ويضيف: "هناك جهات كثيرة خارج فرنسا ترسل مساعدات الى هذه الجمعيات. خصوصاً ان معظم هذه الجمعيات يشرف على مساجد ولمسؤوليها مريدون، فتصل المساعدات الى المساجد عبر هذه الجمعيات. الممولون والمُمولون تربطهم علاقات لا نفهمها نحن". ويفسر ابن شيخ هذا الكلام اكثر حين يقول: "ثمة كلام كثير عن علاقة اتحاد الجمعيات الاسلامية بالدولة المغربية وان مسجد باريس كان في وقت من الأوقات سفارة جزائرية ثانية. وللجبهة الوطنية للإنقاذ متعاطفون من الجمعيات. ويقال ان إمام احد المساجد الرئيسية في باريس متعاطف مع احزاب اسلامية جزائرية وان إمام مدينة رئيسية في فرنسا ليس إلا رجلاً لمحفوظ نحناح".