تؤكد القاهرة باستمرار ان علاقاتها مع الخرطوم، كما قالت مصادر مصرية مطلعة، تلتزم بثوابت لا تتغير بتغير النظام السياسي في السودان، وابرز هذه الثوابت الحفاظ على الوحدة الترابية للسودان ومساعدة الخرطوم لتقيم علاقات متوازنة مع محيطها الاقليمي، وتجنب كل ما من شأنه تعكير العلاقة بين البلدين. في ضوء هذه الثوابت التي تحكم سياسة القاهرة تجاه السودان تندرج المساعي التي تقوم بها العاصمة المصرية لعقد لقاء مصارحة بين الفريق البشير والعقيد غارانغ. كذلك سعي القاهرة الى حمل الخرطوم على التريث في عقد صداقات وتحالفات تزيد من عزلتها وابتعادها عن محيطها العربي، لا سيما الخليجي، ما يمكن السودان ومصر من صياغة علاقة متوازنة وواضحة بين البلدين تضع حداً للتوتر المفاجئ الذي ينشب بين الفترة والاخرى من دون أية مبررات موضوعية. وبصرف النظر عن حظوظ النجاح المتاحة للمساعي المصرية الهادفة الى الجمع بين رفيقي السلاح، البشير وغارانغ، فان المعارك الضارية التي يشهدها محيط مدينة جوبا، عاصمة اقليم الاستوائية الجنوبي، تهدف الى تحسين الظروف التفاوضية لكليهما. وفي حين تقاتل وحدات من الجيش السوداني فصائل من الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة غارانغ، يراهن الفريق البشير على الحروب الداخلية المتواصلة بين العقيد غارانغ ولام اكول، على رغم الوساطة التي يقوم بها مجلس الكنائس في نيروبي، حقنا للدماء في جنوب السودان، ريثما يبرز التيار الاقوى جنوبياً، فتتحرك الخرطوم لتتفاوض معه. ومن قبيل كسب الوقت يصرح الفريق البشير باستمرار "ان التفاوض مع اكول او مع غارانغ لا ينفع مسيرة السلام، والافضل محاورتهما معاً، ولو في وفد واحد". ويندرج هذا الطلب في خانة تعجيز الخصم المنشغل بحروبه الضارية مع الآخر لحسم مسألة تمثيل الجنوب السوداني، كذلك تذكي تصريحات البشير نار الخلاف بين غارانغ واكول وتهدف الى توسيع شقة الخلاف بينهما. وسواء نجحت القاهرة في الجمع بين البشير غارانغ او لم تنجح، فان الثابت هو تمسكها بضرورة الابقاء على اقنية اتصال مع غارانغ واكول معاً، لأن تفضيل الخرطوم الحسم العسكري سيوقع السودان في مأزق التورط في عقد تحالفات قد لا تكون في مصلحته او في مصلحة الامن القومي في العمق الاستراتيجي لمصر والجزيرة العربية. وفي هذا السياق يمكن فهم المساعي المصرية التي تزامنت مع اعلان وزير المال والتخطيط السوداني عبدالرحيم حمدي، اثناء زيارته الى طهران في منتصف الشهر الفائت، عن عزم الفريق البشير زيارة ايران في الاسابيع المقبلة، بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني الى الخرطوم وانتهت بتوقيع اتفاقات امنية بين البلدين. على صعيد آخر تسعى القاهرة لدى واشنطنوموسكو لدعوة السودان الى المشاركة في المفاوضات في موسكو، اسوة باليمن الذي تلقى دعوة.