"واشنطن نصحت بتأجيل مناقشة قضية المستوطنات مع الاسرائيليين" "السوريون يسجلون واشنطن 10 مرات في قائمة الاماكن المقترحة للمفاوضات" هل صحيح ان الولاياتالمتحدة لا تتدخل في مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية الحالية؟ وهل صحيح ان الادارة الاميركية، ممثلة في جيمس بيكر وزير الخارجية وكبار مساعديه، تلعب دور "المتفرج" وتتجنب تقديم اية اقتراحات او افكار او نصائح الى المفاوضين العرب والاسرائيليين؟ وهل صحيح ان المسؤولين الاميركيين يتركون المتفاوضين العرب والاسرائيليين يتخبطون في مشاكلهم ويدورون في حلقة مفرغة؟ هذا هو الانطباع الذي تكوّن لدى متابعي مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية منذ بدئها في مدريد حتى انتقالها الى واشنطن ثم الى موسكو نفسها في اطار انعقاد "المؤتمر التحضيري" للمفاوضات المتعددة الاطراف. وهذا هو الانطباع الذي يريد المسؤولون الاميركيون الايحاء به، علناً، تجنباً بشكل خاص لاثارة انزعاج او غضب المسؤولين الاسرائيليين الرافضين اي دور اميركي نشط ومباشر في هذه المفاوضات خوفا من ضغط اميركي محتمل عليهم. لكن هذا الانطباع ليس صحيحاً. فقد تمكنت "الوسط" من الاطلاع على مجموعة محاضر ووثائق رسمية سرية تتعلق بمفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية الحالية، تكشف ان هناك دوراً اميركياً نشطاً في مختلف مراحل هذه المفاوضات، لكن هذا الدور يبقى خفياً ويمارس داخل الغرف المغلقة. والدور الاميركي يتخذ شكل اقتراحات وافكار ونصائح قدمها جيمس بيكر نفسه او بعض كبار مساعديه الى كل الاطراف المتفاوضة، اي الى الفلسطينيين والسوريين والاردنيينواللبنانيين والاسرائيليين. الهدف من هذه الاقتراحات والنصائح محاولة الانتقال بمفاوضات السلام من مرحلة الجدل العقيم وحوار الطرشان الى مرحلة انجاز خطوات ملموسة في عملية السلام. هذه القضية لم تسلط الاضواء عليها من قبل. "الوسط" تكشف في هذا المقال حقيقة ومضمون وابعاد هذا الدور الاميركي الخفي في مفاوضات السلام. المرة الاولى التي تدخل فيها جيمس بيكر في هذه المفاوضات كانت اثر مؤتمر مدريد الذي انعقد بين نهاية تشرين الاول - اكتوبر - ومطلع تشرين الثاني - نوفمبر - 1991 حين اكتشف الوزير الاميركي ان محادثات مدريد لم تؤد الى "تحرك حقيقي" نحو تحقيق السلام. وبعد 3 اسابيع من مؤتمر مدريد وبالتحديد يوم 22 تشرين الثاني - نوفمبر - 1991 بعث بيكر برسالة رسمية سرية الى الحكومات السورية والاردنيةواللبنانية والاسرائيلية والى الطرف الفلسطيني، تضمنت مجموعة افكار وآراء واقتراحات حول كل قضية من القضايا محور المفاوضات. وقد حصلت "الوسط" على النص الرسمي لهذه الرسالة السرية التي يدعو فيها بيكر الاطراف المختلفة الى الاجتماع في واشنطن يوم 4 كانون الاول ديسمبر 1991 لبدء جولة جديدة من المفاوضات. ونكشف في ما يأتي مضمون الاقتراحات التي قدمها بيكر في هذه الرسالة. القضية الاولى التي عالجها بيكر في رسالته تناولت المحادثات الاردنية - الفلسطينية - الاسرائيلية، وقد تقدم في هذا المجال باقتراحين اساسيين. الاول يتعلق بالجانب الاردني - الاسرائيلي من هذه المحادثات. يقول بيكر في رسالته "ان الاردن ابلغنا ان هناك عدداً من المسائل الحدودية" بينه وبين اسرائيل "تحتاج الى مناقشة". واقترح الوزير الاميركي على الاردنيين والاسرائيليين "التطرق مبكراً في المفاوضات" الى المسائل الحدودية "بحيث ينكب الخبراء على درس الادعاءات المتبادلة والخلفية التاريخية" لهذه المسائل. لكن بيكر يذهب ابعد من ذلك. اذ يقترح على الاردنيين والاسرائيليين "مناقشة عدد من القضايا الثنائية الاخرى" بين البلدين ويذكر في شكل خاص القضايا الآتية: طبيعة السلام بين البلدين. حل مشاكل الملاحة في خليج العقبة. التفاهم على المسائل المتعلقة بالمياه. السياحة والطيران المدني وما الى ذلك. وبتقديمه هذه الاقتراحات يحدد بيكر، فعلياً وعملياً، "جدول اعمال" المحادثات الاردنية - الاسرائيلية. الاقتراح الثاني يتعلق بالجانب الفلسطيني - الاسرائيلي وبالضفة الغربية وغزة، ويقول في هذا الشأن: "هناك اتفاق على ان المرحلة الاولى" من المحادثات الفلسطينية - الاسرائيلية "ستتركز على الترتيبات المتعلقة بالحكومة الذاتية الانتقالية". وعلى اساس ذلك يطلب بيكر من الفلسطينيين والاسرائيليين تجنب البدء بمناقشة مسائل تؤدي الى "تعقيد" المحادثات او "تجميدها"، كمناقشة مسألة "مصدر السلطة" في الضفة الغربية وغزة. ويقترح بيكر على الفلسطينيين والاسرائيليين، بدلاً من ذلك، تقديم تصوراتهم "لسلطة الحكومة الذاتية الانتقالية". ويعترف في رسالته بأن هذه التصورات الفلسطينية والاسرائيلية ستكون "مختلفة كلياً" عن بعضها البعض، لكنه يضيف انها ستكون مفيدة لأنها ستشكل "نقطة انطلاق" حقيقية للمحادثات الفلسطينية - الاسرائيلية حول "السلطات والمسؤوليات التي سيمارسها الفلسطينيون خلال المرحلة الانتقالية". وبهذه الاقتراحات يحدد بيكر، ايضاً، عملياً، جدول اعمال المحادثات الفلسطينية - الاسرائيلية. معاهدة وتطبيع بين سورية واسرائيل ينتقل بيكر بعد ذلك في رسالته هذه الى المحادثات اللبنانية - الاسرائيلية فيقول ان هناك "خلافات واضحة" حول كيفية اجراء هذه المحادثات ثم يضيف: "في رأينا نعتقد ان الأكثر ثمراً ان تبدأ المحادثات بين هذين الطرفين حول المسألة العملية التي يواجهانها حالياً وهي:اخراج الوضع الراهن في جزين من الجمود". ويشدد بيكر في رسالته على ان معالجة قضية جزين في جنوبلبنان "ليست بديلاً" من ايجاد حل شامل لقضية جنوبلبنان، بل يمكن ان تشكل "خطوة اولى مفيدة" في طريق هذا الحل، "كما يمكنها ان تظهر للطرفين ان المفاوضات تنتج حلولا عملية لمشاكل على الارض". ويعني اقتراح بيكر هذا ان يبدأ اللبنانيون والاسرائيليون التفاوض حول مدينة جزين الواقعة تحت سيطرة "جيش لبنانالجنوبي" بقيادة انطوان لحد والمتعامل مع تل ابيب، والتفاهم على ترتيبات امنية تؤدي الى تسليم هذه المدينة لسلطة الجيش اللبناني الشرعي، في مقابل "ترتيبات امنية" معينة "تطمئن" الاسرائيليين. وقد تسربت معلومات جزئية عن اقتراح بيكر هذا المتعلق بجزين الى الصحف اللبنانية. وفي نهاية رسالته يتطرق بيكر الى المحادثات السورية - الاسرائيلية فيقول ان الجولة الاولى من هذه المحادثات اظهرت "ان كلا من الطرفين يجد صعوبة في التحرك الى الامام طالما لم يعترف الطرف الآخر بمسائل اساسية مبدئية" تتعلق به. ولتجنب وصول هذه المحادثات الى "مرحلة الجمود" يتقدم بيكر باقتراحات مهمة وملفتة للنظر. يقترح بيكر، اولاً على سورية ان تطرح على اسرائيل - خلال المحادثات - السؤال الافتراضي الآتي: - ما سيكون موقف اسرائيل من قضية الانسحاب من الجولان اذا كانت سورية مستعدة، كجزء من تسوية شاملة، لتوقيع معاهدة سلام مع اسرائيل وتبادل السفراء معها والتفاهم على ترتيبات امنية مقبولة من الطرفين. وفي مثل هذه الظروف هل تستبعد اسرائيل الانسحاب من الجولان واعادة هذه الارض الى السيادة السورية؟ في المقابل يطلب بيكر من المسؤولين الاسرائيليين ان يطرحوا على السوريين خلال المفاوضات السؤال الافتراضي الآتي: - ما سيكون موقف سورية من قضية توقيع معاهدة السلام والتطبيع الكامل بين البلدين واقامة علاقات ديبلوماسية، اذا كان الاسرائيليون مستعدين للانسحاب من الجولان؟ وفي مثل هذه الظروف أي في حال استعداد اسرائيل للانسحاب هل ان سورية تستبعد توقيع معاهدة سلام معها وتطبيع العلاقات بشكل كامل بما في ذلك اقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين؟ ويضيف بيكر في رسالته ان هذا النوع من الحوار السوري - الاسرائيلي، عن طريق طرح اسئلة كهذه، "لا يؤدي بالطبع الى تجاوز الخلافات المبدئية بينهما" لكنه سيتيح للطرفين "بدء استكشاف بعض المسائل" التي طرحت خلال الجولة الاولى من محادثاتهما في مدريد. وبتقديمه هذه الاقتراحات و"النصائح" الى السوريين والاسرائيليين، فان بيكر لا يحدد، فقط، جدول اعمال المحادثات بينهما، بل انه يشير ضمنا الى ان "ثمن" الانسحاب الاسرائيلي من الجولان هو توقيع معاهدة سلام وتطبيع كامل للعلاقات بين البلدين. سلطة حكم الذات هل استجاب الفلسطينيون والسوريون واللبنانيونوالاردنيون والاسرائيليون لنصائح بيكر وهل سارت المحادثات بينهم على اساس الاقتراحات التي قدمها الوزير الاميركي؟ وفقاً للمعلومات الخاصة التي حصلت عليها "الوسط" من مصادر مطلعة مباشرة على هذه القضية فان المفاوضات العربية - الاسرائيلية جرت في واشنطن الجولة الاولى منها بين 10 و18 كانون الاول - ديسمبر - 1991 والجولة الثانية بين 7 و16 كانون الثاني - يناير - 1992 على الشكل الآتي: 1 - المحادثات الفلسطينية - الاسرائيلية سواء ضمن الوفد المشترك الاردني - الفلسطيني او في اطار المفاوضات التي جرت مع الاسرائيليين على مستوى لجنة فرعية خلال الجولة الثانية في واشنطن: استجاب الطرف الفلسطيني لاقتراح بيكر وقدم في كانون الثاني يناير الماضي تصوره للحكومة الذاتية الفلسطينية في الضفة وغزة خلال المرحلة الانتقالية، وهو تصور يحمل اسم "نموذج سلطة حكم الذات الانتقالية الفلسطينية". ومما جاء في هذا التصور: "ان الغرض من ترتيبات حكم الذات الانتقالية هو ضمان الانتقال السلمي والمنظم للسلطة من اسرائيل الى سلطة حكم الذات الانتقالية الفلسطينية وخلق الظروف الملائمة لمفاوضات قابلة للحياة حول الوضع النهائي للأرض الفلسطينية المحتلة". واوضح المشروع الفلسطيني ان سلطة حكم الذات الفلسطينية هذه تقوم على اساس 3 هيئات رئيسية هي: المجلس التشريعي المؤلف من 180 نائبا منتخبين في انتخابات حرة في الارض الفلسطينية المحتلة والمجلس التنفيذي المؤلف من 20 عضواً يختارهم رئيس المجلس التنفيذي ويصادق المجلس التشريعي لاحقاً على تعيينهم. ويتم انتخاب الرئيس من المجلس التشريعي وهيئة القضاء المؤلفة من محاكم قانون تتمتع بالضمانات الكاملة لاستقلالها. ويطالب هذا المشروع باجراء الانتخابات تحت اشراف هيئة دولية وبانسحاب القوات الاسرائيلية من المناطق الآهلة بالسكان قبل بدء عملية الانتخاب. كما يقترح "تطبيق الترتيبات لضمان الأمن الداخلي والخارجي والنظام العام خلال الفترة الانتقالية بمعونة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. على ان يتم انشاء قوة فلسطينية محلية قوية لتطبيق القانون، تحت سيطرة سلطة الحكم الذاتي من اجل ضمان الأمن والنظام العام. ويتم الاتفاق حول الترتيبات الخاصة بالأمن الخارجي خلال هذه المفاوضات الانتقالية". في المقابل لم يقدم الاسرائيليون حتى الآن مشروعاً خطياً رسمياً يتضمن تصورهم للحكومة الذاتية الفلسطينية في الضفة وغزة، وان كانوا سربوا الى الصحف الاسرائيلية - كما رددوا بصورة غير رسمية في واشنطن - معلومات عن حقيقة موقفهم من هذه المسألة. وخلال لقاء عقد يوم 15 كانون الثاني يناير الماضي في واشنطن بين بيكر ورئيس الوفد الفلسطيني الدكتور حيدر عبدالشافي، قال عبدالشافي لبيكر: "ان الاسرائيليين مستعدون فقط لاعطائنا سلطات محدودة تحت السيطرة الاسرائيلية على ان تبقى قضايا مثل الارض والمياه والضرائب مع الاسرائيليين خلال فترة الحكم الذاتي. وهذا ما لا نستطيع قبوله". الرفض السوري 2 - المحادثات الاردنية - الاسرائيلية استجاب الاردن، جزئياً، لاقتراح بيكر، واثار المسائل الحدودية العالقة بينه وبين اسرائيل، كما قدم اقتراحات معينة تتعلق بمستقبل العلاقات بين البلدين، مشدداً على استعداد الاردن للسلام مع اسرائيل اذا انسحبت من الاراضي العربية المحتلة واذا جمدت بناء المستوطنات وتوصلت الى تفاهم مع الفلسطينيين. الجانب الاسرائيلي لم يثر مشاكل معينة خلال محادثاته مع الاردنيين لكنه بدا من تصرفاته انه يريد توقيع معاهدة سلام مع الاردن في معزل عن اي تقدم على الجبهة الفلسطينية، وهو امر يرفضه المسؤولون الاردنيون. ووفقاً لمصدر ديبلوماسي اميركي مطلع فان الملف الاردني - الاسرائيلي هو "الاسهل" بين سائر الملفات، اذا ما عولج في معزل عن الجانب الفلسطيني من النزاع. 3 - المحادثات السورية - الاسرائيلية. لم يستجب السوريون كلياً لاقتراح بيكر، بل رفضوا اعلان استعدادهم لتوقيع معاهدة سلام مع اسرائيل وتطبيع العلاقات بشكل كامل معها في مقابل الانسحاب الاسرائيلي من الجولان، وركزوا بشكل خاص خلال المحادثات على ضرورة حصولهم على تعهدات رسمية اسرائيلية بالانسحاب من الجولان قبل ان تخطو سورية نحو الاعتراف باسرائيل وتوقيع معاهدة سلام معها. ويبدو السوريون غير مرحبين - ان لم نقل معارضين - بفكرة تطبيع العلاقات بشكل كامل مع اسرائيل حتى لو انسحب الاسرائيليون من الجولان. في المقابل، رفض الاسرائيليون اقتراح بيكر وأبدو انزعاجهم منه وأصروا خلال محادثاتهم مع السوريين على ضرورة ان تعترف سورية اولاً باسرائيل قبل مناقشة اي شيء يتعلق بالجولان، سواء اعادتها كلها او اجزاء منها الى السوريين. وخلال الجولة الاخيرة في واشنطن حاول بعض اعضاء الوفد الاسرائيلي "التودد" الى اعضاء الوفد السوري والحصول على ارقام هاتف عدد منهم، لكن السوريين رفضوا اي نوع من "الاتصال الودي" مع الجانب الاسرائيلي خارج اطار المحادثات الرسمية. 4 - المحادثات اللبنانية - الاسرائيلية. رفض الجانب اللبناني اقتراح بيكر الداعي الى التوصل الى تفاهم لبناني - اسرائيلي حول جزين كمنطلق لحل مشكلة الجنوب مع اسرائيل. وخلال كل جولات المحادثات مع الاسرائيليين رفض اللبنانيون تقديم اية افكار او اقتراحات او تصورات لمستقبل العلاقات "السلمية" بين لبنان واسرائيل، وشددوا في المقابل على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الامن الرقم 425 بلا قيد او شرط، اي من دون ان يدفع لبنان اي ثمن لاسرائيل مقابل انسحابها الكامل من الاراضي اللبنانية. وركز الوفد اللبناني، ايضا، على ان لا مجال لتوقيع اية معاهدة سلام بين لبنان واسرائيل قبل ان توقع الدول الاخرى - وعلى رأسها سورية - مثل هذه المعاهدة. وطلب اللبنانيون اكثر من مرة تدخل الولاياتالمتحدة "للضغط" على اسرائيل لتنفيذ القرار 425 بلا شروط، لكن الاميركيين رفضوا هذا الطلب مؤكدين ان تنفيذ هذا القرار يتطلب مفاوضات لبنانية - اسرائيلية للتفاهم على ترتيبات امنية "تضمن امن وسلامة الاراضي الاسرائيلية". الجانب الاسرائيلي امتنع طوال مفاوضاته مع اللبنانيين عن تقديم اي تعهد او التزام بشأن تنفيذ القرار 425، وطالب في المقابل بتوقيع معاهدة سلام بين البلدين وبتسوية "مختلف المشاكل" في اطار هذه المعاهدة وفي اطار تطبيع العلاقات اللبنانية - الاسرائيلية. وفي الجولة الاخيرة في واشنطن صعّد الاسرائيليون من حدة لهجتهم واعتبروا ان من "حقهم" مواصلة ضرب الاراضي اللبنانية طالما ان هناك وجوداً مسلحاً في الجنوب "يهدد اسرائيل"، كما اكدوا ان "لبنان ليس مستقلا وان القرار ليس في يده". وكرروا المطالبة بانسحاب القوات السورية من لبنان. بيكر: أجلوا قضية المستوطنات لكن هذه الاقتراحات السرية، المتعلقة بكيفية تحريك المفاوضات العربية - الاسرائيلية، ليست الوحيدة التي قدمها بيكر. فيوم 15 كانون الثاني يناير الماضي اجتمع وزير الخارجية الاميركي في واشنطن مع رئيسي الوفد الاردني - الفلسطيني المشترك عبدالسلام المجالي وحيدر عبدالشافي للاطلاع منهما على مجرى المفاوضات. وخلال هذا الاجتماع قال عبدالشافي لبيكر: "ان جميع الفلسطينيين يشعرون بأن قضية المستوطنات قضية مصيرية وانه لا بد من تجميد الاستيطان الاسرائيلي. وقد اثرنا هذه القضية مع الاسرائيليين امس الاول وجاء الرد الاسرائيلي سلبياً للغاية: ان الارض اسرائيلية ولدينا الحق في الاستيطان فيها". وعندما طرحنا مسألة حق الفلسطينيين في ارضهم، اجاب الاسرائيليون: انتم هناك اي في الضفة الغربية وغزة وبامكانكم البقاء وهذا ردنا النهائي". والواقع انه بعد الجولة الثانية من محادثات واشنطن الح الجانب العربي والفلسطيني على الادارة الاميركية لكي تتحرك في اتجاه اسرائيل لتجميد الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي المحتلة، كخطوة لا بد منها لتحقيق تقدم في مفاوضات السلام. وعلمت "الوسط" ان بيكر قدم الى الجانب الفلسطيني والاطراف العربية التي اثارت معه هذا الموضوع الاقتراحات والنصائح الآتية: 1 - الافضل ان يؤجل العرب والفلسطينيون مناقشة قضية المستوطنات وما يتعلق بتجميدها او وقفها الى مرحلة لاحقة. ان الولاياتالمتحدة لديها موقف حازم ضد المستوطنات على اساس انها عقبة امام السلام، لكن من الافضل ان يتجنب العرب وضع القضايا السياسية الصعبة في مقدمة المفاوضات وقضية المستوطنات منها والانسب ان يضعوا في المقدمة القضايا التي يمكن ايجاد حل لها. 2 - اننا نقترح على الفلسطينيين ان يناقشوا مع الاسرائيليين، اولا وقبل كل شيء، كل المسائل المتعلقة بالحكومة الذاتية في الضفة وغزة وان يسعوا الى استكشاف آراء واقتراحات الاسرائيليين بهذا الشأن. وحين يتم التوصل الى تفاهم على القضايا المتعلقة بالحكومة الذاتية تمكن مناقشة القضايا الصعبة الاخرى كقضية المستوطنات. 3 - يجب ان يتجنب العرب والفلسطينيون اعطاء الاسرائيليين الفرصة لترك طاولة المفاوضات. "10 مراتواشنطن" وحين نوقشت مع بيكر قضية مكان انعقاد الجولة المقبلة من المفاوضات الثنائية العربية - الاسرائيلية المنتظر ان تبدأ في النصف الثاني من هذا الشهر طلب بيكر من جميع الاطراف تسليم الادارة الاميركية قائمة بعشرة اماكن مقترحة للجولة المقبلة. وبدا واضحاً ان جميع الاطراف العربية تصر على عقد الجولة المقبلة في واشنطن بينما تفضل اسرائيل عقدها في الشرق الاوسط. وكشف بيكر خلال لقاء مع رئيس وفد عربي "عندما اقترحنا على السوريين اعطاءنا قائمة بعشرة اماكن مختلفة للجولة المقبلة رد السوريون: سنسجل واشنطن عشر مرات". وعلمت "الوسط" ان الاميركيين يفضلون عقد الجولة المقبلة للمفاوضات الثنائية في مكان آخر غير واشنطن، وانهم يميلون الى عقدها في بلد اوروبي كحل وسط بين الاصرار العربي على واشنطن والاصرار الاسرائيلي على الشرق الاوسط. وقد بدأت هذا الاسبوع مشاورات اميركية - عربية - اسرائيلية لتحديد المكان. واذا ما عقدت المفاوضات في واشنطن فستكون هذه المرة الاخيرة. ماذا جرى في موسكو؟ خلال مؤتمر موسكو التحضيري للمفاوضات المتعددة الاطراف يومي 28 و29 كانون الثاني - يناير - الماضي قدم بيكر اقتراحاً لحل "العقدة الفلسطينية" ولتأمين مشاركة الفلسطينيين في بعض مجموعات العمل التي تألفت خلال مؤتمر موسكو. اقتراح بيكر هذا اصبح علنيا ويقضي بالموافقة على ضم فلسطينيين من خارج الضفة وغزة الى الوفد الفلسطيني المشارك في مجموعة العمل المتعلقة باللاجئين ستجتمع في كندا ومجموعة العمل المتعلقة بالتنمية الاقتصادية ستجتمع في بروكسيل. ورفض بيكر فكرة مشاركة الفلسطينيين في مجموعات العمل الاخرى البيئة، المياه، الرقابة على التسلح. لكن ما لم يكشف عن هذه المسألة هو ان الجانب الفلسطيني طلب الحصول على ضمانات خطية اميركية بشأن هذه المشاركة، لكن بيكر رفض اعطاء هذه الضمانات على اساس انه ينوي مناقشة هذا الموضوع مع الاسرائيليين والسعي الى التفاهم معهم بشأنه "وهو امر لن يكون سهلاً بسبب الرفض الاسرائيلي لمشاركة اي فلسطيني من الخارج في عضوية الوفد الاردني - الفلسطيني المشترك" على حد قول مصدر ديبلوماسي اميركي.
هذه المعلومات كلها تكشف وجود دور اميركي نشط في مفاوضات السلام. لكن من الواضح ان هذا الدور الاميركي ليس كافياً لتحقيق تقدم ملموس في مفاوضات السلام. وما لم ينتقل الدور الاميركي من مرحلة تقديم الاقتراحات والنصائح السرية الى مرحلة "التأثير" المباشر على حكومة اسرائيل لحملها على التراجع عن مواقفها المتصلبة حول مختلف القضايا، فستبقى عملية السلام مجرد حوار طويل بين العرب والاسرائيليين، لا نتائج ملموسة منه، بينما تواصل اسرائيل "ابتلاع" الارض العربية، قطعة قطعة.