العام 1992 سيكون عام تنقية القطاع المصرفي في لبنان، بدءاً من قانون الاصلاح المصرفي الذي اقره مجلس النواب اللبناني اخيراً بعد طول نقاش ثم انشاء المحكمة المصرفية الخاصة، وتطبيق السياسات التي بدأها مصرف لبنان المركزي لرفع الرساميل الخاصة للمصارف، وزيادة معدلات المادة المالية، ودعوة السلطات النقدية للمؤسسات المصرفية غير القادرة على تحقيق الاجراءات الخاصة الى الاندماج او التصفية الذاتية. واستناداً الى مصادر مصرفية في بيروت، فان سياسات مصرف لبنان بدأت تعطي ثمارها في هذا المجال، ولو انها لا زالت تصطدم ببعض الاعتراضات التي تأخذ احياناً طابعاً سياسياً فرضته ظروف الحرب، وللمرة الاولى في تاريخ القطاع المصرفي في لبنان، يقدم احد المصارف اللبنانية، البنك اللبناني - البرازيلي الذي يملكه آل غصن على اتخاذ قرار بالتصفية الذاتية، ودعوة المصرف المركزي لتشكيل لجنة تصفية، وقد جاء قرار التصفية الذاتية بعدما فشل البنك في تأمين السيولة اللازمة ورفض المصرف المركزي مواصلة سياسة تسييل الكفالات العقارية. وما ينطبق على "اللبناني - البرازيلي" ينسحب بشكل او بآخر على مصارف لبنانية اخرى اضطرت في السنتين الماضيتين الى اقفال ابوابها، وكان آخرها بنك "التجارة الخارجية" الذي اشترط المصرف المركزي عليه تغطية كامل الديون المشكوك بتحصيلها 18 مليون دولار، وبنسبة 50 في المئة نقداً، كخطوة تسبق قرار السماح له باستئناف العمل. وقبله شجع البنك المركزي مصارف اخرى على بيع اسهمها لمساهمين اكثر ملاءة مالية، كما حصل لبنك "المستقبل"، و"الكويت والعالم العربي"، كما ينتظر ان يحصل لمصارف اخرى، بعضها يملك مصرف لبنان نفسه غالبية الاسهم فيه. ومن غير المتوقع ان تقف السياسة المصرفية الرسمية عند هذه الحدود. واستناداً الى مصادر وثيقة الاطلاع في البنك المركزي، فان مصرف لبنان يتجه الى الزام جميع المصارف التي تواجه مصاعب في السيولة، اما بالاندماج في مصارف اخرى اكثر ملاءة، او اتخاذ قرار التصفية الذاتية تحت طائلة تطبيق الاجراءات القضائية عليها، ومنها وضع اليد والتصفية. وفي الواقع هناك هدف رئيسي، اعلن مصرف لبنان اكثر من مرة، نيته بتطبيقه في العام 1992. وهذا الهدف غالباً ما يطلق عليه ضرورة تنقية القطاع المصرفي اللبناني من المؤسسات العاجزة والضعيفة الى جانب تنقية القطاع المصرفي من "المصرفيين المغامرين" الذين كانوا، بحسب مصادر في جمعية المصارف، من "افضل الاسباب" لانهيار مؤسساتهم، فمن اصل 9 مصارف توقفت عن الدفع، تبين ان اسباب توقف ثمانية منها تتصل باختلاسات ومغامرات نفذها اصحابها. كما تبين ان معظم الديون التي يطلق عليها تسليفات مشكوك بتحصيلها، انما هي بالفعل، عمليات تزوير نفذها اصحاب هذه المصارف لحسابهم الخاص، اما بالتواطؤ مع اشخاص آخرين او من خلال شركات وهمية عمدوا الى تأسيسها للتغطية. واستناداً الى مصادر مصرفية، فان عجز مصرف لبنان في ضوء الظروف الحالية عن "تنقية" المصارف من بعض المساهمين فيها لاعتبارات متنوعة، هو الذي شجعه على التضييق على هذه المصارف والزامها باستبعاد بعض رؤساء مجالس اداراتها كشرط لتسييل بعض الموجودات العقارية لديها. ويتفق مصرف لبنان، كما جمعية المصارف، على ضرورة رفع الملاءة المالية للمصارف اللبنانية، وعلى ضرورة مساعدة هذه المصارف على تجاوز مراكزها الضعيفة كشرط للقدرة على الاستمرار وتجنب السقوط، وفي هذا الاطار، حدد المصرف المركزي نهاية العام المقبل 1993 مهلة اخيرة لرفع الحد الادنى للرساميل الخاصة الى ما يقارب 6 ملايين دولار للمصرف، وان كانت الاتصالات القائمة حالياً مع جمعية المصارف تتركز بالدرجة الاولى على كيفية احتساب الرأسمال الخاص. وفيما تطالب الجمعية باحتساب الموجودات الثابتة للبنك كجزء من الرأسمال، ما زال مصرف لبنان يصر على تغطيته نقداً. الا ان الطرفين يتفقان على ان في السوق اللبنانية فائضاً من المؤسسات المصرفية غير القادرة على الحياة، بسبب ضيق السوق وضعف امكاناتها. هل ينجح مصرف لبنان في تنقية القطاع المصرفي من المؤسسات الضعيفة والعاجزة؟ جمعية المصارف تأخذ على الدولة احياءها لرخص جديدة. ومصرف لبنان يتجه الى مزيد من التدابير. ولعل الاجراءات الاخيرة حول تحديد سقف التسليفات بالعملات الاجنبية بنسبة 55 في المئة من مجموع الودائع بهذه العملات قد يدفع اكثر من 30 مصرفاً الى مواجهة مصاعب التطبيق واحتمالات التعرض لتدخل السلطات النقدية لفرض اجراءاتها. والعام 1992 مرشح لأن يكون عام الفصل في حياة المصارف اللبنانية غير القادرة على الاستمرار. وقد يكون المزيد من الاغراءات فرصة لدفع هذه المصارف الى تحقيق عمليات اندماج اوسع. لقد تغيرت طبيعة الاقتصاد اللبناني، تقول مصادر في جمعية المصارف، ومن الطبيعي ان يستتبع هذا التغيير، تغيير في القطاع المصرفي اللبناني الذي نشأ وتوسع في ابان فترة الفورة النفطية في دول الخليج، وتدفق الرساميل الى المصارف اللبنانية بسبب نظام السرية المصرفية في لبنان، والمستوى العالمي من الخدمات التي كانت توفرها. كما انه لا بد للمؤسسات اللبنانية ان تأخذ بالاعتبار المتغيرات اللبنانية التي حصلت في خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، والجمود الاقتصادي الذي اصاب لبنان بسبب الحرب، وتوقف معظم قطاعاته الانتاجية عن العمل، وهجرة الرساميل اللبنانية الى الخارج. ان العام 1992، سيكون عام التنقية، على ان يكون العام 1993، لاستكمال الاصلاح، يقول مصرف لبنان، على رغم اعترافه بصعوبة المهمة ودقة الاوضاع...