أكد وزير لبناني بارز لپ"الوسط" ان القمة اللبنانية - السورية الموسعة التي عقدت في دمشق يوم 26 تشرين الثاني نوفمبر الماضي تمت بناء على طلب الحكم اللبناني. وحضر القمة الموسعة الرئيسان حافظ الأسد والياس الهراوي ونائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام ورئيسا الحكومتين اللبنانية رفيق الحريري والسورية محمود الزعبي ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ورئيس مجلس الشعب السوري عبدالقادر قدورة. الهدف الأول والاخير للقمة الموسعة كان التوصل الى قراءة مشتركة لمعالم المرحلة المقبلة بعد تسلم الرئيس الاميركي المنتخب كلينتون لمهامه الدستورية وترقب ما سيصدر عنه من المواقف تتعلق بمسار محادثات السلام، وهذا يفترض التفاهم على العناوين الكبرى لضمان استمرار العلاقات اللبنانية - السورية وعدم تعريضها الى أي اهتزاز ينجم عن الغرق في اجتهادات سياسية يمكن ان تحدث ثغرة في تعاطي البلدين مع التطورات المرتقبة. وشكلت القمة الموسعة فرصة ليكون الجميع في صورة الاحتمالات والتوقعات للسياسة التي سيتبعها كلينتون حتى يستمر "العزف المشترك" بين لبنان وسورية، اضافة الى ان مواصلة التشاور يحول دون وقوع "ترويكا الحكم" في بيروت في اشكالات يمكن ان تهدد العلاقة القائمة بين الرؤساء الثلاثة الهراوي وبري والحريري من جراء قيام كل واحد منهم باتباع سياسة تتعارض مع سياسة الآخر ويمكن ان تنعكس سلباً على مسيرة الوفاق وعلى مستقبل العلاقات اللبنانية - السورية. وبمعنى آخر فان القمة ساهمت الى حد كبير في ان يبقى الرؤساء الثلاثة يقرأون في كتاب واحد يتعلق بمحادثات السلام وسير تطبيق ما تبقى من اتفاق الطائف. ولم تأخذ القمة صيغة المجلس الاعلى اللبناني - السوري، وهذا ما عبّر عنه بري بقوله، بعد عودته من دمشق، ان المحادثات تناولت كل شيء لكنها ابقت على الباب مفتوحاً امام متابعة التنسيق ولم تتخذ مواقف حاسمة، خصوصاً بالنسبة الى اعادة انتشار القوات السورية ومسألة الغاء الطائفية السياسية. حتى ان احد الرؤساء المشاركين في القمة، قال بصراحة لپ"الوسط" ان موضوع اعادة تمركز القوات السورية في لبنان لم يطرح على جدول اعمال القمة. معيداً السبب الى أمرين: الأول، كون هذا الموضوع يبقى من صلاحيات المجلس الاعلى بين البلدين، والثاني يتعلق في ان مجلس الوزراء ارتأى في جلسته الاخيرة، تجنّب طرح اعادة الانتشار، رغبة منه في الا يفسّر موقفه وكأنه استجابة لطلب اميركي - غربي، لا سيما ان الرئيس الاميركي جورج بوش كان اشار في رسالة التهنئة التي بعث بها الى رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الاستقلال الى أهمية قيام حكومة جديدة تأخذ على عاتقها إعادة اعمار لبنان والعمل على طرح قضية اعادة تمركز القوات السورية. وهناك من يذهب في تفسير التوجه الذي رسمه مجلس الوزراء في جلسته، عشية استعداد الرؤساء الثلاثة للذهاب الى دمشق، الى حد القول ان الحكم يفضل في ان لا ينساق في الحملة الغربية - الاميركية، لئلا يقال ان لبنان قرر الالتحاق بهذه الحملة في ظل غياب أية معالم لطبيعة العلاقة الاميركية - السورية في المرحلة المقبلة. ومع ان القمة لم تتطرق رسمياً الى موضوع اعادة انتشار القوات السورية، الا ان هذا لا يعني أن المسألة غابت عن المباحثات اللبنانية - السورية، لا بل نوقشت وتقرر تأجيل البت فيها للأسباب الآتية: ان بيروتودمشق، تجريان حالياً اتصالات بعيدة عن الاضواء مع الادارة الاميركية الجديدة، ولم تتوصلا حتى الآن الى معرفة ما سيقوم به كلينتون، وان كانتا تعتقدان ان لا مجال امامه للقفز فوق الثوابت التي حددها سلفه الرئيس جورج بوش. ان اعادة الانتشار لم تعد ورقة محلية انما اصبحت ورقة اقليمية ودولية ولا يجوز التفريط بها من دون أي ثمن سياسي، اقله معرفة مصير المفاوضات وتطبيق القرار 425. وهنا ينقل عن لسان القيادة السورية دعوتها الحكم اللبناني الى الاستمرار في ترتيب اوضاع البيت الداخلي وعدم التفريط بأية ورقة سياسية أو أخذ المبادرة لبيع مواقف مجانية. كما ينقل عن القيادة السورية تأكيدها صراحة للرؤساء الثلاثة أن اعادة الانتشار لن تكون مدار خلاف بين البلدين، وعلى لبنان ان يستفيد منها للحصول على ضمانات تتعلق بتطبيق القرار 425، وفي حال حصوله على هذه الضمانات فان القرار بمعاودة التمركز سيتخذ على وجه السرعة. ولهذا فان اعادة الانتشار مؤجل الى ما بعد تسلّم كلينتون مهامه الدستورية في 20 كانون الثاني يناير المقبل ومعرفة السياسة التي سيتبعها حيال الصراع العربي - الاسرائيلي. وفي تقدير الجانبين اللبناني والسوري ان هذا الامر لن يتوضح قبل مطلع الربيع، وربما الاشارة التي اطلقها رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري لجهة توقعه حصول انفراجات في الربيع على علاقة مباشرة بجلاء المواقف على جبهتي المفاوضات والبيت الأبيض. لذلك فان بيروتودمشق قررتا التريث بانتظار ما سيدور من مفاجآت على الجبهة الاميركية بالدرجة الاولى، بحجة ان تسليف الرئيس بوش مواقف، منها اعادة الانتشار وهو يستعد لمغادرة البيت الابيض، لا تفي بالغرض المطلوب، ومن الاجدى الابقاء على هذه الورقة ريثما تصرف لصالح خلفه الرئيس كلينتون في حال ان الاخير اثبت قدرته على الضغط على اسرائيل بحيث يباع هذا الموقف ويدر على لبنان نتائج طيبة تتعلق بالجنوب وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي. اما بخصوص الموقف من الغاء الطائفية السياسية، فان احد الرؤساء الثلاثة قال لپ"الوسط" بأن الموقف السوري حيال الغاء الطائفية السياسية لم يكن متشدداً على خلاف الحملة التي تقودها وسائله الاعلامية. وأضاف بأن الكلام السوري عن الغاء الطائفية ليس موجهاً الى الداخل اللبناني بقدر ما هو استعداد لمواجهة حملة مضادة تتناول موضوع اعادة انتشار القوات السورية. وتعتقد أوساط مطلعة ان محاولة بعض الاطراف المحلية ربط اعادة الانتشار بتنفيذ اتفاق الطائف من دون ربطه بالمتغيرات الاقليمية والدولية كان وراء تسريع الحملة السورية الداعية الى الغاء الطائفية السياسية، بهدف اقامة توازن بين الموضوعين، بحيث لا يصار الى اعادة الانتشار من دون الغاء الطائفية. وفي ضوء كل ذلك، لا بد من القول ان القمة لم تتسم بطابع تقريري، بل جاءت مناسبة لمواكبة التطورات التي تسبق تسلم كلينتون لمهامه بصورة رسمية، لكن هذا لم يمنع، على حد قول المرجع الوزاري لپ"الوسط"، من وضع القيادة السورية في صورة الهموم اللبنانية. وهنا تطرقت القمة الى الوضع في الجنوب وضرورة ضبط الاداء السياسي والعسكري على نحو يخدم حماية ورقة المقاومة وعدم التفريط بها، او استعجال صرفها من دون مقابل. وقد تعهدت دمشق باجراء الاتصالات اللازمة مع ايران والاطراف اللبنانية المعنية، وفي مقدمها "حزب الله" بما يضمن تهدئة الساحة الجنوبية شرط عدم اخضاعها لأي شكل من اشكال الابتزاز الاسرائيلي على طاولة المفاوضات بحجة ان تل ابيب تريد جر لبنان الى اتفاق امني على حساب اتفاقية الهدنة والقرار 425. كما تطرقت القمة الى الوضع الامني في المناطق اللبنانية الواقعة خارج رقعة الاحتلال، وأيدت دمشق ما طرحه رئيس الجمهورية وأبدت استعدادها لدعم كل التدابير الآيلة الى تحصين الامن وحمايته، وكان شاركه في طرح الموضوع رئيس الحكومة، الذي اشتكى من بعض الظواهر المسلحة، واستمرار المخالفات التي يتوجب على الدولة وقفها عند حدودها. حتى ان بعض اركان الدولة اشار الى بعض الاحتفالات ذات الطابع العسكري التي اقامها "حزب الله" اخيراً في الضاحية الجنوبية والتي شكّلت احراجاً للحكومة في وقت تتشدد الاجهزة الامنية في مراقبة اطراف اخرى وتتخذ بحقهم اجراءات رادعة. وتردد ان بعض اركان الحكم اثار أيضاً موضوع استمرار احتجاز عضو المكتب السياسي الكتائبي السيد بطرس خوند الذي اختطف من منطقة سن الفيل، وطالب بالتدخل السوري للكشف عن مصيره. وفي اعتقاد بعض اركان الحكم ان ليس هناك ما يبرر مثل هذه الاعمال في مناطق تخضع كلياً لسيطرة الشرعية، اضافة الى انهم طرحوا موضوع استمرار احتجاز عدد من الجنوبيين، من قبل اطراف لبنانية في الجنوب كانت اوقفتهم لدى خروجهم من الشريط الحدودي وهم في طريقهم لحضور احتفال انتخابي أقامه الرئيس كامل الاسعد. وشدد اركان الحكم على ان "الدولة ستبقى للجميع وفوق الجميع"، لكن لا يجوز ان يكون هناك صىف وشتاء تحت سقف واحد لأن ذلك يشكل احراجاً للحكومة. يبقى القول ان القمة اللبنانية - السورية كانت ضرورية لاتخاذ ما يؤدي الى التحسب تجاه مصير المفاوضات وضرورة ان تبادر الدول العربية المعنية، اي ما يسمى بدول الطوق، الى عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية في بيروت استعداداً لاستئناف المفاوضات في جولتها الثامنة. كما يفترض بالقمة ان تكون مهدت الطريق امام اعادة ترتيب اوضاع البيت اللبناني بحيث لا يتأثر بالمتغيرات الاميركية في حال حصولها، على ان تحتفظ الحكومة اللبنانية بكل الاوراق على نحو يمكنها من صرفها في الوقت المناسب. وباختصار فان اعادة الانتشار والغاء الطائفية السياسية، لن يطرحا بشكل عملي قبل جلاء الموقف على الجبهة الاميركية.