يتوقع ان تعطي القمة اللبنانية - السورية التي انعقدت في مدينة اللاذقية امس، تحت عنوان معالجة الخلافات بين "ترويكا" الحكم اللبناني، حقنة جديدة من التهدئة للاوضاع الداخلية اللبنانية تتيح لأركان التركيبة الحاكمة التفرغ لمواجهة الطروحات الاسرائيلية في شأن التنفيذ المشروط لقرار مجلس الامن الرقم 425، وللانتخابات البلدية التي يفترض ان تجرى في النصف الثاني من أيار مايو المقبل. وتأتي قمة المصالحة بين رؤساء الجمهورية الياس الهراوي والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري برعاية سورية، بعد الخلافات التي عصفت بين الاول والثاني من جهة والثالث من جهة أخرى خلال الاسابيع الماضية، وقبل يومين من جلسة مجلس الوزراء المقررة غداً الاربعاء والتي كانت مهددة بعدم الانعقاد لو لم تحصل المصالحة في اللاذقية. ويأمل المراقبون بأن تصمد المصالحة بين الرؤساء الثلاثة حتى الاستحقاق الرئاسي في الخريف المقبل خصوصاً انه مصدر اساسي للتجاذبات بينهم. واذ تختبر جلسة مجلس الوزراء غداً مدى عودة التوافق بين الرؤساء الثلاثة، فإن الرئيس حافظ الاسد كان استقبل الرؤساء الثلاثة مجتمعين ظهر امس في مقره الصيفي في اللاذقية، وحضر جانباً من الاجتماع، نائب الرئيس السوري السيد عبدالحليم خدام ووزير الخارجية السيد فاروق الشرع. وكان الرئيسان الهراوي وبري غادرا بيروت جواً في طائرة الرئيس السوري التي حطت بهما، في مطار اللاذقية، فيما غادر الحريري منزله الصيفي في فقرا براً الى مدينة بانياس السورية حيث زار خدام وانتقلا معاً الى اللاذقية. الا ان القمة، على رغم سيطرة اجواء الخلافات اللبنانية الداخلية التي انطلقت بسبب تباين المواقف من مشروع الهراوي لقانون الزواج المدني الاختياري، تناولت الهم الرئيسي المتعلق بالطرح الاسرائيلي المشروط لتنفيذ قرار مجلس الامن الرقم 425 والحملة السياسية - الديبلوماسية التي تقوم بها اسرائيل لتسويق مفهومها للقرار بالتفاوض على ترتيبات امنية مع لبنان، الامر الذي رفضه الاخير، كذلك سورية. وعلمت "الحياة" ان القمة ناقشت افكاراً تتعلق بالتحرك الديبلوماسي المعتاد، وبالتنسيق مع سورية والدول العربية والاوروبية. وتطرق البحث في هذا السياق الى الرسالة التي تلقاها وزير الخارجية اللبناني السيد فارس بويز من وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت التي دعت لبنان الى البحث الجدي في الطرح الاسرائيلي حيال الانسحاب من الاراضي التي تحتلها في لبنان. وأشارت مصادر معنية في دمشق الى ان "القمة جاءت في اطار التنسيق الكثيف والتشاور المستمر بين قيادتي البلدين في شأن كل التطورات الثنائية والعربية والاقليمية ونتائج اتصالات البلدين عربياً ودوليا". وأوضحت ان "في مقدم المواضيع التي بحثت فيها القمة موضوع التصدي المشترك للمناورة الاسرائيلية الجديدة المتعلقة بتنفيذ القرار 425 وما يتطلبه ذلك من تمتين لوحدة الصف الوطني وتعزيز للتضامن العربي مع الوقفة السورية - اللبنانية الواحدة". وأكدت "اهمية تركيز الجهود وحشد كل الطاقات وعدم التلهي بالمسائل الثانوية والهامشية في هذه المرحلة الحافلة بالتحديات". قالت مصادر مطلعة في دمشق ل "الحياة" إن القمة السورية - اللبنانية الموسعة انتهت إلى "طي صفحة الخلافات" بين الرؤساء اللبنانيين في إطار سعي البلدين إلى "اسقاط المناورة الإسرائيلية" عبر اقتراح الانسحاب من جنوبلبنان وتنفيذ القرار 425. في غضون ذلك، قال وزير الدفاع السوري العماد أول مصطفى طلاس إن القمة الموسعة استهدفت "اعطاء إجابة واضحة وصريحة باتخاذ موقف صلب ازاء المناورة الإسرائيلية للانسحاب من جنوبلبنان". ونوه في تصريحات أدلى بها خلال مأدبة غداء اقامتها السيدة صونيا الراسي فرنجية في عكار، بدور قائد الجيس اللبناني العماد أميل لحود "الذي بنى جيشاً وطنياً بعيداً عن الطائفية". راجع ص 2 وجاءت القمة بعد أسبوع من لقاء الرئيسين الأسد والهراوي في دمشق وبعد أيام من الاجتماعات المنفردة التي عقدها الرئيس السوري مع بري والحريري. وأوضحت المصادر المطلعة أن القمة "حملت عنوانين أساسيين: الأول، توفير الحد الأقصى من التفاهم بين الرؤساء الثلاثة وتحقيق المصالحة بين الهراوي والحريري لتوحيد الجهود المشتركة الهادفة إلى إحباط المناورة الإسرائيلية. والثاني، تنسيق الجهود السورية - اللبنانية للتحرك عربياً ودولياً بالتنسيق مع كل من جامعة الدول العربية والأمين العام الدكتور عصمت عبدالمجيد وفرنسا بهدف إحباط التحرك الإسرائيلي على الصعيد الدولي للترويج لاقتراح وزير الدفاع اسحق موردخاي بالانسحاب من جنوبلبنان بعد اجراء ترتيبات أمنية تعني عملياً ادخال تعديلات على مضمون القرار الدولي". وعن أسباب انعقاد هذه القمة بعد أسبوع من قمة الأسد - الهراوي الأسبوع الماضي، قالت المصادر نفسها إنها "جاءت بعد التطور الأخير في الموقف الأميركي، إذ ان وزيرة الخارجية بعثت برسالتين إلى وزير الخارجية اللبناني والسوري تعتبر فيهما اقتراح موردخاي ايجابياً ويستحق الدرس ولا يتناقض مع السلام الشامل". وكانت مصادر ديبلوماسية غربية كشفت ل "الحياة" عن رسالة أولبرايت للشرع. وقالت إن "الموقف الأميركي تغير بعد محادثات موردخاي الأخيرة في واشنطن، إذ ان أولبرايت كانت ارسلت قبل ذلك رسالة إلى الشرع تتضمن حديثاً عن السلام الشامل، لكن سرعان ما تغير الموقف بعد محادثات وزير الدفاع الإسرائيلي". وتابعت المصادر المطلعة ان "تحركاً مكثفاً ثنائياً سيجري قريباً في الاتجاهين العربي والدولي"، وقالت إن "اتفاقاً سورياًولبنانياً حصل مع فرنسا خلال المحادثات الأخيرة، تضمن ان تلعب باريس دوراً في مجلس الأمن ربما عبر استخدام حق النقض الفيتو لإحباط أي محاولة تعديل القرار الدولي". وأشارت المصادر نفسها إلى "عدم ارتياح" دمشقوبيروت لاعلان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ان الاقتراح الإسرائيلي "جدي".