تتكثف المشاورات اللبنانية - السورية لتنسيق الموقف بعد فشل القمة السورية - الأميركية في جنيف وازاء نية اسرائيل الانسحاب من جنوبلبنان، ويزور وزير الخارجية السورية فاروق الشرع بيروت اليوم حاملاً رسالة من الرئيس حافظ الأسد الى نظيره اللبناني اميل لحود، فيما يزور رئيس الحكومة اللبنانية وزير الخارجية الدكتور سليم الحص دمشق غداً ليلتقي نظيره محمد مصطفى ميرو والعقيد الركن الدكتور بشار الأسد والوزير الشرع. وكان الشرع حض على "عدم الوقوع في شراك التضليل الإعلامي" حول احالة موضوع الجولان السوري المحتل على محكمة العدل الدولية، مشدداً على أن انسحاب اسرائيل الكامل الى خط الرابع من حزيران يونيو 1967 غير "قابل للمساومة". جاء ذلك خلال لقاء الوزير أمس، سفراء الدول العربية المعتمدين في دمشق، لاطلاعهم على ما دار في قمة جنيف بين الرئيس حافظ الأسد والرئيس الأميركي بيل كلينتون. وبعدما أوضح الشرع للسفراء العقبات التي تضعها اسرائيل أمام استئناف مفاوضات السلام جدد "تمسك سورية الثابت بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، خصوصاً القرارات 242 و338 و425 ومرجعية مؤتمر مدريد مبدأ الأرض في مقابل السلام". وعبر عن "استمرار تمسك سورية بكامل حقوقها وفق هذه القرارات والمبادئ"، مشيراً الى "مواصلة سورية مساعيها للوصول الى السلام العادل والمشرف الذي يضمن حقها المشروع في استعادة أراضيها". وأشاد بمواقف الدول العربية لمساندتها الموقف السوري واللبناني الذي عبّر عنه وزراء الخارجية العرب في بيروت، من خلال مساندتهم لبنان وتبنيهم وحدة المسارين السوري واللبناني، ومطالبتهم اسرائيل بالانسحاب من الجولان إلى حدود 4 حزيران والانسحاب من جنوبلبنان والبقاع الغربي من دون قيد أو شرط. ووجّه الشرع "الشكر للشارع العربي ووسائل الإعلام التي ساندت وقفة الحق والعدل والكرامة التي عبّر عنها الرئيس حافظ الأسد والتمسك بالأرض وعدم التنازل عنها مهما طال الزمن واشتدت التحديات"، مشدداً على "الانتباه الى عدم الوقوع في شراك التضليل الإعلامي الذي أطلقه بعض الصحف حول رفع الموضوع الى محكمة العدل الدولية". وزاد ان "انسحاب اسرائيل الكامل الى خط 4 حزيران هو مطلب عربي عادل وحق مشروع أقرته قرارات القمم العربية والشرعية الدولية، وبالتالي هو غير قابل للمساومة". وشكر للسفراء العرب "مواقف بلدانهم الشقيقة المؤيدة لموقف سورية ولبنان واستنكارهم سياسة حكومة باراك التي تضع العقبات في وجه العملية السلمية وتطرح ما يتناقض مع جوهر العملية". في غضون ذلك، أدلى وزير الدفاع اللبناني غازي زعيتر بتصريح لافت حين أعلن أن "من هوامش المناورة التي تسقط القيادات الإسرائيلية في دهاليز أعمالها العشوائية امكان طلب الحكومة اللبنانية من الجيش السوري الموجود بصورة شرعية على الأراضي اللبنانية مواكبة الجيش اللبناني الى المناطق التي سيدخلها، في حال تمت اعادة الانتشار الإسرائيلي" في الجنوب. وفيما رفض زعيتر سعي اسرائيل إلى نشر قوات متعددة الجنسية في المناطق التي تعتزم اسرائيل الانسحاب منها، مؤكداً إلى استمرار المقاومة وعدم تنازل لبنان عن أي شبر من الأراضي، قالت مصادر لبنانية ل"الحياة" ان تصريحات الوزير "اجتهاد شخصي ومحلي، فسورية لن تقبل بأن تكون في وضع يحوّلها الى حرس حدود". راجع ص4 وعلق مصدر رسمي لبناني على ما قاله زعيتر معتبراً أن "موقفه شخصي محض، ولا يمت بصلة إلى السياسات الرسمية، خصوصاً أن الجيش السوري الموجود فوق بعض الأراضي اللبنانية لا يمكن أن يتواجد في الجنوب لضمان أمن اسرائيل، ولا يمكن بأي شكل أن يساهم في ضرب المقاومة، ولا أن يؤدي أي خدمة لإسرائيل، إذ أنها تتمنى تحميله مسؤولية أي شيء قد يطرأ في الجنوب، وهذا غير وارد، في حين أنها وحدها مسؤولة عن اعادة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم". وفي وقت تترقب الأوساط الديبلوماسية والسياسية التحركات التي ستشهدها دمشق الأسبوع المقبل، قال مسؤولون لبنانيون إن القيادة السورية تعد خطة تحرك شاملة وحملة ديبلوماسية عربية ودولية لمواجهة الحملة الإسرائيلية الهادفة الى تحميل دمشق مسؤولية جمود المفاوضات على المسار السوري بعد فشل قمة جنيف. وذكر قياديون لبنانيون زاروا العاصمة السورية خلال اليومين الماضيين أن من ضمن الحملة المضادة، التنسيق اللبناني - السوري، إذ أن البحث سيتطرق الى وضع خطة مشتركة حول عدد من المواضيع أهمها: 1 - كيفية التعاطي مع اعلان اسرائيل نية الانسحاب من لبنان. فإذا كان هذا الانسحاب غير كامل فيُبقي الجيش الإسرائيلي مواقع له داخل الأراضي اللبنانية، هناك خطة محددة في هذا الصدد. وإذا كان الانسحاب استناداً الى القرار 425 الذي يرحب لبنان وسورية بتنفيذه فهناك خطة أخرى. وأكدوا أن سورية ولبنان سيتعاملان مع القرار الإسرائيلي بالانسحاب من أي شبر بأنه انتصار للمقاومة وللبنان في مواجهة منطق التهويل به من قبل اسرائيل، ومحاولات تخويف سورية بحصوله. 2 - رفض فكرة استقدام قوات متعددة الجنسية في حال الانسحاب الإسرائيلي والإصرار على أن تتولى قوات الأممالمتحدة العاملة في الجنوب الإشراف على الانسحاب وفقاً لما نص عليه القرار 425. 3 - وضع تصور للعلاقة مع الأممالمتحدة في حال اتمام الانسحاب على أساس القرار 425، يهدف الى تلافي أي فخ قد تسعى اسرائيل الى نصبه، تحت مظلة قبولها تنفيذ القرار، من أجل جر لبنان الى ترتيبات أمنية، أو مفاوضات ثنائية. ويرى القياديون اللبنانيون أن الجانبين اللبناني والسوري يفترض أن يستبقا أي محاولات لتحريف نصوص القرار 425 وآلية تطبيقه. في باريس، علمت "الحياة" من مصدر ديبلوماسي غربي أن الولاياتالمتحدة بعثت برسالة إلى المسؤولين اللبنانيين تنصحهم فيها بعدم معارضة قرار إسرائيل الانسحاب الأحادي من جنوبلبنان، لأنه إذا حصل، سيكون عملياً تطبيقاً للقرار 425 الذي يطالب به لبنان. وأكدت الإدارة الأميركية للمسؤولين اللبنانيين ان واشنطن "تفضل ان يتم الانسحاب في ظل اتفاق شامل بين سورية وإسرائيل ولبنان، ولكن إذا لم يتحقق ذلك حتى موعد الانسحاب في تموز يوليو، ستوافق عليه الولاياتالمتحدة وكل الدول". وتابع المصدر ان واشنطن نصحت المسؤولين اللبنانيين بالتوقف عن الإدلاء بتصريحات تشير إلى عدم الموافقة على انسحاب من دون اتفاق. وكان الرئيس اللبناني العماد اميل لحود أعلن قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب في بيروت ان انسحاباً إسرائيلياً من دون اتفاق لن يحل المشكلة الأمنية لإسرائيل، لأن هناك لاجئين فلسطينيين في لبنان يريدون العودة إلى بلادهم. واستهدفت الرسالة الأميركية عدم اطلاق مثل هذه التصريحات. وعلمت "الحياة" من مصدر غربي ان ثمة اتصالات أميركية - فرنسية سعت واشنطن عبرها إلى معرفة ما تنوي فرنسا فعله بالنسبة إلى المشاركة في القوات الدولية في جنوبلبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي. وكان رد فرنسا أنها لم تقرر بعد السياسة التي ستنتهجها. لكن السفير الفرنسي لدى لبنان أعرب عن اقتناعه بأنه في حال وجه هذا البلد نداء عاجلاً إذا حدث أي تطور أمني خطير، لن تتراجع فرنسا عن مساعدة دولة صديقة مثل لبنان. وأضاف المصدر ان وزير الخارجية السوري أبلغ سفراء الاتحاد الأوروبي في دمشق أن الرئيس بيل كلينتون لم يكن له دور ايجابي في قمة جنيف التي جمعته والرئيس حافظ الأسد.