كشفت مصادر أوروبية رفيعة المستوى لپ"الوسط" وجود "سياسة جديدة" لدى الحكومة الاسرائيلية تجاه منظمة التحرير الفلسطينية تقوم على أساس "التمييز" بين المنظمة وبين قيادتها، خصوصاً رئيسها ياسر عرفات ووزير "خارجيتها" فاروق قدومي أبو اللطف. وأكدت المصادر أنه كان هناك بالفعل مشروع لعقد لقاء ثلاثي في عمان يوم 27 تشرين الثاني نوفمبر الماضي بين الرئيس الفرنسي ميتران والملك حسين والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لكن "عقبات" حالت دون انعقاده. وأوضحت هذه المصادر أن هناك اتصالات سرية جارية حالياً لعقد لقاء بين ميتران وعرفات مطلع 1993 "خارج فرنسا". الواقع ان الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي ميتران الى اسرائيل والاردن في الفترة بين 25 و27 تشرين الثاني نوفمبر الماضي ومحادثاته مع كبار المسؤولين الاسرائيليين، وعلى رأسهم اسحق رابين رئيس الوزراء وشيمون بيريز وزير الخارجية وكذلك مع الملك حسين، هذه الزيارة كشفت مجموعة أمور مثيرة للاهتمام على صعيد مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية، خصوصاً الجانب الفلسطيني منها. وقد رافق ميتران في زيارته هذه الى اسرائيل الثانية بشكل رسمي منذ 1982 والاردن الثانية منذ توليه الرئاسة وفد كبير ضم خصوصاً رولان دوما وزير الخارجية الفرنسي وعدداً من الوزراء ومجموعة كبيرة من رجال الأعمال والصناعيين الفرنسيين. أبرز ما كشفته هذه الزيارة، وفقاً للمعلومات الخاصة التي حصلت عليها "الوسط" من مصادر فرنسية وأوروبية رفيعة المستوى وبعضها رافق ميتران في زيارته هذه، الامور الآتية: 1 - الامر الأول، ان حكومة رابين تتبع سياسة "جديدة" تجاه منظمة التحرير الفلسطينية. فهذه الحكومة - وقد ظهر ذلك خلال محادثات رابين وبيريز مع ميتران - تميز بين منظمة التحرير وبين رئيسها ياسر عرفات ووزير "خارجيتها" أبو اللطف. فحكومة رابين تعتبر ان هناك "عناصر وقيادات واقعية" داخل منظمة التحرير "مستعدة فعلاً للسلام مع اسرائيل وللتصرف بمرونة والتحرك خطوة خطوة في مفاوضات السلام"، و"لا مانع" لدى المسؤولين الاسرائيليين من "التعامل" أو "التحاور" مع هذه العناصر في مرحلة من المراحل. وقد لمح رابين الى ذلك حين قال، في لقاء مع رؤساء تحرير الصحف الاسرائيلية الاسبوع الماضي، انه لا يستبعد التفاوض مع منظمة التحرير على "الوضع النهائي" للضفة الغربية وغزة اللذين يمكن ان يصبحا "كياناً فلسطينياً". لكن في المقابل تعتبر حكومة رابين ان عرفات وأبو اللطف "يشكلان عقبة حقيقية" أمام السلام، وان "لا مجال للتعامل معها"، كما تعتبر ان عرفات "يضع عقبات كثيرة أمام الوفد الفلسطيني المفاوض خوفاً من بروز قيادة فلسطينية جديدة في الأراضي المحتلة تحل محل منظمة التحرير". وقد شرح رابين هذه المسألة بشكل مفصل لميتران. ولمح أحد كبار المسؤولين الاسرائيليين الى ان حكومة رابين ستكون "أكثر استعداداً للتعامل مع منظمة التحرير والحوار معها" اذا ما تم تغيير القيادة الحالية وأجريت "تعديلات جوهرية" في ميثاق المنظمة. وفي انتظار ذلك لا يعترض رابين وبيريز على ان يجتمع المفاوضون الفلسطينيون مع عرفات وقيادة المنظمة الحالية على أساس ان ذلك "يسهّل" مفاوضات السلام، وهو أمر "موقت" وقد يساعد على احداث تغييرات في قيادة المنظمة لاحقاً، كما يعتقد الجانب الاسرائيلي. هذه المعلومات دفعت "جهات دولية" متعاطفة مع منظمة التحرير الى "تحذير" عرفات وأبو اللطف من محاولات اسرائيلية لاغتيالهما في المرحلة المقبلة، كخطوة أولى نحو احداث "تغييرات جذرية" في منظمة التحرير وقيادتها. ونصحت هذه الجهات المسؤولين الفلسطينيين باتخاذ "اجراءات أمنية اضافية ومشددة" تحسباً لهذه المحاولات. ولوحظ في هذا المجال ان ميتران دعا، في تصريحاته العلنية ومحادثاته مع رابين، الى ضرورة أن تتعامل اسرائيل مع منظمة التحرير، اذ قال: "لا أرى حالياً قوة اخرى غير منظمة التحرير قادرة على التحدث باسم الفلسطينيين... ولن تكون هناك مفاوضات مثمرة مع الفلسطينيين طالما أن اسرائيل تتجاهل منظمة التحرير". لكن ميتران اعترف، في الوقت نفسه، علناً بأن محادثاته مع رابين أظهرت ان عرفات "غير مقبول في اسرائيل". وذهب الرئيس الفرنسي الى حد القول: "ان مجرد ذكر اسم عرفات يثير القشعريرة عند الكثيرين في اسرائيل". وأعرب ميتران في تصريحاته العلنية عن تأييده لقيام دولة فلسطينية وإجراء انتخابات في الضفة الغربية وغزة "شرط أن تكون ديموقراطية" على أساس أنها ستؤدي الى قيام "هيئة فلسطينية تمثيلية شرعية" تشرف على تطبيق الحكم الذاتي في هذه الاراضي المحتلة. اللقاء الثلاثي 2 - الامر الثاني، انه سبقت زيارة ميتران هذه اتصالات ومشاورات سرية فرنسية - فلسطينية جرى خلالها تداول اقتراح يقضي بعقد اجتماع ثلاثي في عمان بين الرئيس الفرنسي والملك حسين وعرفات يوم 27 تشرين الثاني نوفمبر الماضي. وقد أبدى الفرنسيون استعداداً للتجاوب مع هذا الاقتراح لكن "عقبات اسرائيلية وغير اسرائيلية" حالت دون تنفيذه. وقد حرص ميتران على الاجتماع يوم 26 تشرين الثاني نوفمبر الماضي في مقر القنصلية الفرنسية في القدس الغربية بوفد فلسطيني ضم أربع شخصيات بارزة من الداخل هي: فيصل الحسيني وحنان عشراوي وصائب عريقات وزياد أبو زياد. كما تباحث دوما لاحقاً مع الوفد الفلسطيني في "قصر الشرق" في القدسالشرقيةالمحتلة وهو القصر الذي اقام فيه الوفد الفلسطيني المفاوض مكاتبه الرئيسية. وشجع ميتران الوفد الفلسطيني على الاستمرار في المفاوضات مع اسرائيل والتحلي "بالمرونة والواقعية" والتحرك "خطوة خطوة" نحو حل النزاع كما شجع الوفد على قبول فكرة الانتخابات في الأراضي المحتلة. في المقابل طلب الوفد من ميتران الاجتماع بعرفات، كما سلّمه رسالة من الرئيس الفلسطيني تشرح موقف المنظمة من مفاوضات السلام وتتضمن تحفظات عدة على المشروع الاسرائيلي لاجراء الانتخابات في الضفة الغربية وغزة، من منطلق ان المنظمة تريد انتخاب "مجلس تشريعي" أي برلمان وليس مجرد "مجلس اداري" لتسيير شؤون الحكم الذاتي، كما يريد الاسرائيليون. واقترح الوفد الفلسطيني على ميتران دعوة "مؤتمر مدريد" الى الانعقاد مجدداً لتقييم مفاوضات السلام وللسماح للدول الاوروبية، وفرنسا خصوصاً، بلعب "دور أكبر" في عملية السلام. وأكد مصدر فرنسي مسؤول لپ"الوسط" ان ميتران "يتمنى ذلك، لكنه يدرك تماماً أن الدور الأول والأساسي في عملية السلام هو للولايات المتحدة وان فرنسا لها دور مساعد فقط". وحرص ميتران على تقديم "هدية" الى الوفد الفلسطيني اذ ابلغه موافقته على تقديم هبة الى الفلسطينيين بقيمة 20 مليون فرنك فرنسي وضمانات قروض مصرفية لعمليات الاستثمار في الضفة وغزة والموافقة على تدريب 100 فلسطيني في مجالات الادارة العامة لتسلم المسؤوليات في مرحلة تطبيق الحكم الذاتي. اما على صعيد العلاقات الثنائية الفرنسية - الاسرائيلية فقد أسفرت الزيارة عن توقيع اتفاقات عدة للتعاون بين البلدين في مجالات الصحة ومكافحة المخدرات والبحث العلمي والتعاون الصناعي، كما ناقش الجانبان مسألة مشاركة فرنسا في تحديث وتطوير خطوط السكك الحديد في اسرائيل واحتمال "ربطها" بخطوط سكك حديد عربية. وأعلن ميتران أيضاً انه وافق على ان ينقل الى المجموعة الأوروبية طلباً اسرائيلياً بتخصيص جزء كبير من أموال الصندوق الاوروبي للتنمية الى مشاريع مشتركة مع دول الشرق الأوسط. لقاء ميتران وعرفات مطلع 1993 3 - الامر الثالث، هو وجود اتصالات سرية جارية حالياً لتأمين لقاء بين ميتران وعرفات مطلع 1993، وربما بعد تسلم الرئيس الأميركي المنتخب بيل كلينتون مسؤولياته يوم 20 كانون الثاني يناير المقبل، في "مكان ما" خارج فرنسا. وأكدت مصادر فرنسية مسؤولة لپ"الوسط" ان ميتران "موافق على مبدأ اللقاء مع عرفات قريباً" وانه يهدف من وراء ذلك الى "تشجيع الرئيس الفلسطيني على المزيد من المرونة" في تعامله مع مفاوضات السلام. وخلال زيارته لعمان ومحادثاته مع الملك حسين شدد ميتران مجدداً على ضرورة اشراك منظمة التحرير في مفاوضات السلام، وأيده في ذلك الملك حسين اذ اعتبر الزعيمان ان أي سلام عادل ليس ممكناً من دون تسوية المشكلة الفلسطينية، وان هذه التسوية تمر حتماً عبر مفاوضات مباشرة مع منظمة التحرير الفلسطينية "الممثل الشرعي" للفلسطينيين. وقال الملك حسين ان "هذا هو جوهر القضية" وأشاد بپ"شجاعة الفلسطينيين الذين قبلوا بالتعاون مع الجميع من اجل السلام". واعتبر ميتران من جهته انه "لا يجوز انكار الموجودين في انتظار الذين لم يأتوا بعد اذا قدر لهم ان يأتوا" مضيفاً أن "أي فلسطيني على الاطلاق لم يقل لي: أنا مستعد للتحرك من دون منظمة التحرير الفلسطينية". واتفق الملك حسين وميتران ايضاً في الرأي على ضرورة التحرك خطوة خطوة نحو السلام، ليس بهدف تحقيق اتفاقات جزئية منفصلة بل بهدف الوصول على مراحل الى السلام الشامل، اذ أكد الملك حسين في مؤتمر صحافي عقده مع الرئيس الفرنسي أنه يؤيد اقتراحات "الخطوة خطوة" التي طرحها ميتران خلال زيارته الى اسرائيل والداعية الى استغلال كل الفرص المتاحة للحوار، مثل المفاوضات المتعددة الأطراف أو خطة التنمية الاقليمية، لكي لا ينقطع الاتصال، وان كانت المحادثات الثنائية تراوح مكانها وعلى اساس ان "الأفضل وجود سلام بخطوات صغيرة من عدم وجود سلام على الاطلاق". وفي خصوص الوضع المستقبلي لمدينة القدس أكد الملك حسين مجدداً أنه يتمنى وضعها تحت اشراف ممثلين للأديان الموحدة الثلاثة لجعلها "رمزاً وشعاراً للسلام" فيما أشار ميتران الى ان "الحكمة تقتضي عدم التعثر منذ البداية في مشكلة وضع القدس لأن الأمر يتعلق بمشكلة أكثر تعقيداً من المشاكل الأخرى". وحرص ميتران على الاشادة علناً بالاردن "كشريك ضروري في أي حل سلمي في الشرق الأوسط". وعلمت "الوسط" ان محادثات ميتران مع الملك حسين تناولت تطورات الوضع في العراق وكذلك امكان الغاء أو "تقليص" حدة المقاطعة العربية لاسرائيل. وشدد الجانب الاردني على ان أي قرار بشأن المقاطعة يجب أن يتخذ في اطار عربي شامل وفي نطاق جامعة الدول العربية. وذكرت مصادر مطلعة في عمان لپ"الوسط" أن زيارة ميتران للأردن واسرائيل استهدفت الآتي: مساعدة وتشجيع العرب واسرائيل على مواصلة المفاوضات وضرورة احراز تقدم جوهري فيها، الاهتمام بالمفاوضات المتعددة الاطراف لأنها لا تقل أهمية عن المفاوضات الثنائية، تنبيه اسرائيل الى الاخطار التي قد تحيق بعملية السلام اذا ما استمرت بتجاهل منظمة التحرير، وبدء التحضير لموقف أوروبي جديد وفاعل في عملية السلام. واللافت في هذا المجال ان السفير الفرنسي في عمان دوني بوشار كان صرح قبيل وصول ميتران ان فرنسا "قد تلعب دوراً مهماً خلال الاشهر الستة المقبلة التي تشهد الولاياتالمتحدة فيها انشغالاً بنقل السلطة من الرئيس بوش الى الرئيس المنتخب كلينتون وتحديد أولوياتها".