وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    نيوم: بدء تخطيط وتصميم أحياء «ذا لاين» في أوائل 2025    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    منع استخدام رموز وشعارات الدول تجارياً في السعودية    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    رتال تختتم مشاركتها كراعٍ ماسي في سيتي سكيب بإطلاق حزمة مشاريع نوعية بقيمة 14 مليار ريال وتوقيع 11 اتفاقية    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    القمر البدر العملاق الأخير    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    قادة الصحة العالمية يجتمعون في المملكة لضمان بقاء "الكنز الثمين" للمضادات الحيوية للأجيال القادمة    المملكة تواصل توزيع الكفالات الشهرية على فئة الأيتام في الأردن    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    جامعة أمّ القرى تحصل على جائزة تجربة العميل التعليمية السعودية    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    الخرائط الذهنية    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    لماذا فاز ترمب؟    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لبنان كله مشاكل واللبنانيون يحترقون . الغلاء جنوني والصحة تجارة والنفايات تغطي الشوارع بالاطنان والكهرباء معطلة والهاتف لا يرن ... والفوضى في كل مكان
نشر في الحياة يوم 02 - 11 - 1992

اذا كانت الحرب أجهزت على الوضعين الأمني والسياسي في لبنان خلال الستة عشر عاماً الماضية، فهي لم ترحم الاقتصاد وبناه التحتية وحياة الناس، الامر الذي جعل اكثر اللبنانيين ينتقلون من مرحلة الرخاء التي كانوا يتنعمون بها ويتحسرون عليها حتى العام 1975، الى مرحلة الفقر التي لم يكن احد يتخيلها. فالتضخم ارتفع الى معدل جنوني، والبطالة طالت معظم الناس، والغلاء لم يعد له اي سقف، والهواتف تقطعت اوصالها واسلاكها، والادوية فسدت او فقدت وعزّ وجودها، والكهرباء التي كان بلد الأرز يفتخر بأنها تضيء كل دساكره لم تعد تضيئ شمعة، حتى النظافة التي كانت تعم كل المناطق غابت لتحل مكانها القذارة وتلال النفايات والامراض المختلفة...
في اواخر هذا الشهر يطفئ الرئيس الياس الهراوي الشمعة الثالثة من عهده، لكنه من دون أدنى شك لن يكون راضياً عما حققه، فالمشاكل الاقتصادية والحياتية تفاقمت الى حد التعقيد و"جمر" المظاهرات بدأ "يشرقط" تحت رماد الاتحادات العمالية ومعظم اللبنانيين.
"الوسط" نزلت الى الاسواق اللبنانية وقابلت الناس فيها، كما قصدت المسؤولين عن الاقتصاد والصحة والنفايات والكهرباء والهاتف... وعادت من جولاتها بهذا التحقيق المطوّل الذي قد يصلح تقريراً لما ينتظر الحكومة اللبنانية الجديدة من عمل.
المتجول في الاسواق اللبنانية هذه الأيام، لا بد ان يصدمه الواقع الأليم الذي يعيشه اللبنانيون حالياًًً، فأسعار السلع تفاجئك منذ البداية بغرابة مقاييسها حيث لا سقف لها ولا حدود، فهي تتغير كل ساعة مع تغير سعر الدولار، فان ارتفع هذا الأخير ارتفعت معه، وإذا انخفض ارتفعت ايضاً!! كما يلفتك قلة الشارين وكثرة الناظرين الذين لا يخجل بعضهم من البحث في الزوايا حيث تتكوم الخضار والفواكه "الفاسدة" يقلبونها بحثاً عن الاجزاء الصالحة فيها لأخذها الى المنزل لاطعام عائلاتهم.
وان سألت احد التجار عن سبب هذا الغلاء، يجيبك من دون تردد: انه الدولار... كل شيء مستورد، وندفع قيمته بالعملة الصعبة. وعلى هذا الاساس نحسب السعر وفقاً لتقلب العملة الاميركية. لقد "تدولر" اقتصادنا وبتنا رهينة عملة "العم سام" وتدهور انتاجنا المحلي.
رأي الناس
لكن، ما هو رأي الناس العاديين في هذا الامر؟
يقول جاسر مكي: "أنا عامل في محل خضار أقبض مئة الف ليرة في الاسبوع حوالي 40 دولاراً، واستدين دائماً من رب العمل ليعيش اطفالي الستة بكرامة، وإذا ظلت الحالة الاقتصادية تتدهور بهذا الشكل فلا اعلم أين سأنتهي. والخطير في هذا الامر، بأنك لا تشعر بأن هناك دولة تهتم بما يحصل معك".
اما بسام عربيد فيقول: "اختصرنا كثيراً في طريقة حياتنا، مثلاً كنا نأكل السمك مرتين في الاسبوع، الآن صار مرة في الشهر اذا توفر لنا المال. نحن خمسة اشخاص نعمل جميعاً لنكفي انفسنا. قنّنا كل شيء حتى الطعام لكي نتمكن من الاستمرار حتى آخر الشهر".
وتردد الطالبة الجامعية كارولين موسى الكلام نفسه وتضيف: "لم نعد نشتري الثياب مثل السابق، كما استغنينا عن الكماليات لكي يتمكن والدنا من تأمين مصاريف دروسنا الجامعية. الحال لم تعد تطاق. اتمنى ان يفرجها الله علينا قبل ان تفرغ البلاد من اهلها.
اما ريما بزي فلها رأي آخر في الموضوع فهي تقول: "المشكلة في اللبناني لأنه تأقلم مع الاوضاع، فهو لو انتفض منذ البداية لما وصل التدهور الاقتصادي الى هذا الحد. لكنا للأسف تماشينا مع الاحوال، فاذا اعجبنا فستان ثمنه 200 دولار عملنا ليلاً ونهاراً لتأمين المبلغ ولو سلكنا سبلاً غير شرعية لذلك".
أكثر من ذلك يقول سليم بولس: "انا موظف في شركة ملبوسات، ويبلغ راتبي 150 الف ليرة. وأعمل في الشركة منذ سنة ونصف، وتراكم علي دين بثلاثة آلاف دولار، وأنا مستعد ان اوفيها بأية طريقة حتى لو عرض علي قتل احد او سرقة اي شيء، مع ان ذلك ليس من عاداتي. يجب ان لا يلام المحتاج اذا سرق، بل ان يؤمن له العيش بكرامة".
ويتردد الكلام نفسه على ألسنة كل الذين التقيناهم من محمد الخن الى مهيبة الحاج الى بطرس يعقوب وماري ابي راشد ونجاح بجاني وغيرهم...
أين وزارة الاقتصاد؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: اين وزارة الاقتصاد من كل هذه المشاكل التي تتفاقم يوماً بعد يوم؟ وبالتالي ماذا تفعل للحد منها؟
الدكتور سمير المقدسي، وزير الاقتصاد المستقيل، لم يرد ان يدخل في "متاهات" هذا الامر معنا على حد تعبير احد مستشاريه لنا، لأن هذه المشاكل وصلت الى حالة خطيرة وهو ورثها ويحاول ان يعمل شيئاً لعدم تفاقمها اكثر. ثم حالنا على احد الخبراء في الوزارة، الذي اشترط عدم ذكر اسمه للكلام، وقال: "ان وزارة الاقتصاد في لبنان صارت اسماً فقط، فلا سلطة لها كما في السابق، لأن الغيرة على الوظيفة ضاعت عندنا، فكل واحد في وزارتنا يعمل في محلين او ثلاثة ليستطيع العيش، لذا غاب دور حماية المستهلك، ودور تحديد الاسعار، وصارت الفوضى سيدة الموقف. اضف الى ذلك ان لا مراقبة على الموظفين الرسميين للقيام بواجباتهم، فكل واحد "يتلطى" بزعيم سياسي او "ميليشياوي".
ونسأله: ما هو المطلوب؟
يجيب: "المطلوب سياسة مالية من الدولة للعودة الى الليرة الوطنية بعدما صارت الاسعار معلقة بالدولار، والمطلوب ايضاً، تصحيح وضع اجور الموظفين الرسميين، ومعاقبة كل العاملين في أملاك الدولة ويعملون في الوقت نفسه خارجها، وإطلاق يد ادارة التفتيش لمحاسبة كل مسؤول رسمي في قطاعه عن كل اهمال يقوم به. وإذا لم نفعل ذلك فلن تقوم قيامة لوزارة الاقتصاد ولباقي وزارات الدولة التي تحولت كلها الى "آووش" اي ملجأ للمحسوبين على بعض اهل السياسة حيث تحولوا في بعض الاحيان الى مافيا رسمية".
الدواء والاستشفاء
وتردي الاوضاع الاقتصادية كان لا بد له من ان ينعكس على باقي القطاعات الحياتية وبخاصة الطبابة والصيدلة وعالم الاستشفاء والصحة حيث صارت هذه المشكلة معقدة اذ انها تراكمت بفعل سنوات الحرب، ولم يكن بمقدور وزارة الصحة مواجهة هذا الواقع بضربة واحدة، فالعين بصيرة واليد قصيرة كما في وزارات الدولة الاخرى. فسوق الدواء في لبنان كان وما زال مشرعاً للمافيات والصيادلة غير الشرعيين الذين انتشروا كالوباء خلال الحرب، وباتت المتاجرة بالدولة وسيلة للكسب السريع، حتى الطبيب لم يعد حيادياً فقد أغرته هو ايضاً المادة. لذا كان المواطن هو الضحية الاولى، ومؤسسة الضمان الاجتماعي التي حاولت انشاء مكتب الدواء، الضحية الثانية.
ولم يبق جشع الربح أسير استيراد الدواء المنتهي الصلاحية او غير المرخص به، بل لجأ كثيرون الى اعتماد تعليب الدواء محلياً وتغيير تاريخ الصنع وانتهاء الصلاحية لاصناف عدة معدة أصلاً للتلف، كما ان الربح السريع طال الاطفال الرضّع الذين يتم وصف انواع معينة من الحليب لهم وفقاً للنسبة المئوية التي يحققها بعض الاطباء من الشركة المستوردة.
والسؤال الآن: ماذا يجري في سوق الدواء؟ وكيف استشرت مشكلته سعراً ونوعية على هذا النحو؟
"الوسط" حملت هذا السؤال الى جمعية حماية المستهلك، التي كان جواب احد اعضائها كالتالي:
المشكلة متعددة الاسباب وأهمها يكمن في الآتي:
1 - تحوّل الدواء الى مجرد سلعة تجارية يدرّ ارباحاً طائلة على المتاجرين به.
2 - تغيّر الاسعار صعوداً ودورياً مرة او مرتين في الشهر، وقد فاقت ارتفاع سعر الدولار بمراحل وتجاوزت النسب والمؤشرات.
3 - النوعية: فقد أدت الفوضى المستفحلة في سوق الدواء الى انتشار اعداد هائلة من اصناف الأدوية تعدت آلاف الاصناف والخطورة هو اكتشاف اصناف من الأدوية ممنوعة من التداول في بلاد المنشأ.
4 - تجارة التهريب حيث لا يحصل اصحاب "الشنط" على موافقة وزارة الصحة لادخالها السوق اللبناني، وقد وصلت هذه التجارة في فترات سابقة لتشكّل حوالي 40 في المئة من تجارة الدواء في لبنان.
ويضيف عضو جمعية حماية المستهلك الذي رجانا عدم ذكر اسمه لأسباب خاصة: فمشكلة المواطن مع المستشفيات ليست افضل حالاً. فهي تحوّلت الى داء اجتماعي يقلق الاعصاب ويزيد آلام الجسد، وتلوح معها بوادر الافلاس فيبتعد عنها المواطن. ارتفاع عشوائي حصد آلاف الفواتير غير المدفوعة وعدداً من الجثث المحجوزة اضافة الى مشاكل مع الضمان ووزارة الصحة، رافقها تجميد التعاقد وأجهزة الدولة الصحية، وبالتالي تعليق العمليات الجراحية فأصبح المواطن بين خيارين: البقاء تحت رحمة الاوجاع او الهروب الى رهبة الافلاس، والفضل لاسعار الاستشفاء الخيالية التي فاقت بمراحل مصاريف افخم الفنادق.
لاستيضاح المشاكل عامة والوقوف على دور وزارة الصحة لحلها التقت "الوسط" مدير عام وزارة الصحة الدكتور ميشال ثابت، وسجلت معه الحوار الآتي:
كيف تقوّم الوضع الصحي العام؟
- أولاً، بالنسبة لمحور الاستشفاء فان وزارة الصحة متعاقدة مع العديد من المستشفيات والمؤسسات العلاجية الخاصة، بسبب عدم جهوزية المستشفيات الحكومية التي نحاول تفعيل دورها حالياً، وهذا يتطلب البناء والتجهيزات والعنصر البشري. هذا التعامل يرعى العلاقة بيننا انما التعرفة اصبحت متقادمة لأنها تحددت على اساس سعر صرف دولار كان 880 ليرة وحالياً تجاوز سعر صرفه هذا السقف بكثير 0626 ليرة لهذا السبب تشوب علاقتنا بالمستشفيات الخاصة بعض الشوائب ومردها لضآلة التعرفة وللتأخر في دفع المستحقات، وعندما استلمت مهامي في 9 تموز يوليو 1992 كان يترتب على الوزراة حوالي 40 مليار ليرة ديون للمستشفيات الخاصة. هذه الأسباب مجتمعة تجعل هذه العلاقة بعيدة عن المثالية التي نصبو اليها، هذا اضافة الى بعض التجاوزات التي تحصل من قبل بعض المستشفيات او لا تعود الى اي من الاسباب التي ذكرت. ولكي نتمكن من معالجة هذا الموضوع ألّفنا لجنة مهمتها اعادة النظر في التصرفات المعتمدة بحيث تصبح اكثر واقعية، كما اننا جهدنا لتشريع عملية دفع المستحقات واستصدر وزير الصحة المستقيل مروان حمادة قراراً من مجلس الوزراء يجيز للوزارة دفع سلفة مقدارها 60 في المئة من قيمة الفواتير المقدمة من قبل المستشفيات والمؤسسات المتعاقدة بغية تسريع عملية الدفع على ان تقوم اللجنة المختصة بتدقيق هذه الفواتير وتسديد الرصيد.
ويضيف مدير عام وزارة الصحة "اما بالنسبة للدواء فقد أثّرت الاحداث الاخيرة التي عرفها لبنان منذ حوالي 16 سنة على القطاع الصيدلي وشاب هذا القطاع شوائب عدة وقامت صيدليات عديدة غير مرّخصة، حيث باتت نسبة الصيدليات المرّخصة في لبنان ثلث عدد الصيدليات غير الشرعية. كما قام العديد من الاشخاص غير المجاز لهم قانوناً باستيراد الدواء او بتعاطي تجارة الدواء، باستيراد أدوية ودون اخضاعها لرقابة الوزارة للحصول على الاذونات اللازمة، ومرد هذا الشيء الى الوضع الامني السائد آنذاك وعدم وجود رقابة رسمية على المرافق والمرافئ، وبما أن هذا القطاع مهم جدا لعلاقته المباشرة بصحة المواطن، اتخذت الوزارة تدابير عدة بشأن قطاع الدواء.
البيئة
وإذا كانت قضية الدواء والاستشفاء "محلولة" رسمياً بقررات و"معقدة" على أرض الواقع والتطبيق كما نتلمسها، فان مشكلة من نوع آخر تحملها "القذارة" التي بدأت تعم كل المناطق اللبنانية وبخاصة بيروت حاملة معها الاوبئة وبذور آفة مستقبلية، حيث ان هناك جبالاً من النفايات أخذت ترتفع في العاصمة اللبنانية كالابنية الحديثة، طابق فوق آخر. وعلى مدى العين والنظر، يتصاعد دخان أسود كثيف من حرق هذه النفايات حيث يحمل معه روائح كريهة تسبب ضيقاً في التنفس وصداعاً وتسمماً و... موتاً بطيئاً.
ويزيد المشكلة تعقيداً عدم وجود شاحنات كافية لنقل هذه النفايات ولا محارق لاتلافها. اضافة الى انه ما تكاد البلدية تقوم بجمع هذه "الزبالة" المنتشرة في كل مكان حتى تعود الامور الى سابق عهدها، على الرغم من آلاف المنشورات التي طبعت ووزعت وعلقت على جدران العاصمة تقول "نظافتك من نظافة مدينتك"، ويبدو ان السبب يعود الى تجاهل المواطن لكل شيء صادر عن الدولة حتى في هذا الشأن.
لمعرفة حجم هذه المشكلة وتأثيرها على البيئة والصحة العامة زارت "الوسط" الدكتور بيار ماليشيف المتخصص في شؤون البيئة والذي قدم اكثر من دراسة في هذا المجال الى بلدية بيروت وكان معه هذا اللقاء الآتي:
أخطار النفايات
ما هي الاخطار البيئية والصحية التي تسببها النفايات؟
- كل يوم ترمي مدينة بيروت وضواحيها الف طن من النفايات في الوديان والبؤر والبحر. منذ سنتين كانت محطة الكرنتينا تعمل لكنها اصيبت خلال الحرب. لذلك انتقل المكبّ الى منطقة النورماندي ثم الى برج حمود وهذا المكبّ غير مجهّز اذ ان قسماً من النفايات يدفن وقسماً يردم به، وقسماً يرمى في البحر، وقسماً يحرق بطريقة عشوائية، فيحمل الهواء هذا الدخان الى كل المناطق، وهو دخان خطر لأنه يحمل "اوكسيد ثاني الكربون" الذي يخفف الاوكسيجين، وعند الاحتراق يكون بطيئاً فتتكون مادة "المونوكسيد الكربوني" التي تسبب الاختناق خاصة عند الاطفال اذ تظهر في دمهم مادة "CARBOXY - HEMOGLBINE" التي ترتفع الى اكثر من 25 في المئة، فتؤدي الى ما يسمى بالتفحيم. وهناك مادة ثالثة مضرة وهي "الاسيد كلوريدريك" وتتكون من جراء احتراق مواد بلاستيكية وخاصة "P.V.C" او "POLYCHLORO VINILLE"، وإذا كانت النفايات ممزوجة بمواد حديدية يتحوّل "الأسيد كلوريدريك" الى "الكلور" الذي يحرق الرئتين. ولدى حرق الجرائد والزيوت المعدنية التي يدخلها مادة P.V.C تظهر في الجو مادة "الديوكسيد" وهي اقوى سم في العالم، أدى سنة 1976الى اعلان مدينة سيفيزو مدينة منكوبة وتم اخلاؤها من السكان بعد احتراق المفاعل الكيميائي. اما النفايات التي ترمى على طول الشاطئ اللبناني فهي تشكل خطراً لأنها تجتذب الجرذان فتسبب امراض الطاعون والكلب. اما النفايات التي تخمّر في حفر على شاطئ البحر فتصبح مستنقعات جرثومية مثل مياه المجارير، فهي تسبب حمى المصارين والكوليرا. لذلك ومن اجل الاهتمام اكثر بالبيئة انشأنا مجموعة "سيدرا" التي تضم اطباء وأساتذة وصيادلة مهمتها اجراء الدراسات والقيام بارشاد الناس خاصة هؤلاء الذين يتهافتون على مكبات النفايات للبحث عما يمكن بيعه او حتى تناوله. لذلك جلنا على المكبّات المختلفة وارشدناهم عن كيفية تنظيم النفايات للتخفيف من حجمها وللاستفادة منها".
أين وزارة الداخلية؟
بعد الاطلاع على التأثيرات البيئية التي تتراكم من جراء تراكم النفايات، لا بد من السؤال عن وزارة الداخلية وخاصة مصلحة النظافة العامة في بلدية بيروت، وعما يفعلونه في اطار التخفيف من مشكلة النفايات، لذلك التقت "الوسط" مدير مصلحة النظافة العامة ومصلحة الشؤون الادارية في بلدية بيروت عصام علي حسن، فكان هذا الحوار:
مشكلة النفايات تتفاقم في لبنان، والحلول الجذرية لم تتوفر بعد. ماذا تفعل بلدية بيروت للحد من هذه المشكلة ولو بشكل جزئي؟
- الحقيقة ان لبلدية بيروت مشكلة دائمة هي: موضوع نظافة العاصمة ونحاول معالجة هذا الموضوع الشائك والمزمن قدر المستطاع والامكانات المتوفرة.
جاءت للبنان منحة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بقيمة 60 مليون دولار، خصص منها 18 مليون دولار لمدينة بيروت للنظافة والطرق والهاتف والمياه والكهرباء والانارة والارصفة والمجاري... فوضع هذا المبلغ في تصرف مجلس الانماء والاعمار لتأمين العمل، كما وضعت البلدية اليد العاملة بتصرف هذا المجلس وتم التنسيق بين الطرفين على ان يؤمن المجلس الصيانة والآليات والسائقين والمحروقات والعدة، واستمر العمل الى ان نفد المبلغ، فتوقف عمل النظافة في فترة من الفترات، وقامت الاعتراضات وعاد بعدها مجلس الانماء والاعمار لتغطية المبالغ. واليوم وبسبب عدم توفر المال الكافي للمجلس لم يتم تصليح الاليات والمستوعبات وتأمين عدة للعمل. كما ان هناك عدداً من السيارات التي ترفع "الكونتينرات" الكبيرة والتي قدمها احمد طبارة ومجموعة من الاخوان لم تتصلّح بعد.
تعانون من مشكلة قلّة اليد العاملة. هل سيفتح باب التوظيف لتجديد الملاك؟
- بالفعل هناك مشكل اداري كبير اذ لدينا حوالي 94 في المئة شغور في مصلحة النظافة العامة، كما ان عمّالنا مسنون ولم يدخل اي عامل جديد منذ 17 سنة. من المفروض ان يكون ملاكنا 2735 عاملاً تقريباً بينما لدينا الف عامل فقط. يجب ان يفتح باب التوظيف. وأنا لا أقول هنا ان البلدية تملك المال لتعيين عمال جدد، لكن عندما تفتح الدولة سياسة التوظيف، اعتقد ان المشكلة ستكون في طريقها الى الحل ولو جزئياً لأن عدد العمال سيتوفر، والمرآب الذي سينشأ في الملعب البلدي لصيانة الآليات وغسلها يكون انتهى، كما ان معمل النفايات يكون تأهل.
هل حلّ المشكلة يتوقف على توافر الامكانات المادية؟
- اكيد لا، لاننا اذا وضعنا في بيروت 150 كميوناً مكان 50 و200 الف عامل مكان الفين لن يفعلوا شيئاً اذا لم يتجاوب الشعب 90 في المئة من مشكلة النظافة سببها الشعب. وضعنا "المستوعبات" فبقيت فارغة والنفايات تحيط بها، طلبنا من الناس اخراج النفايات من الساعة السادسة حتى الثامنة مساء، فطرحت النفايات على مدار الساعة. اذاً، الحل يبدأ مع الشعب واذا لم يتجاوب ستحرر المخالفات بحقه وهذه القضية تستوجب وجود دوريات شرطة لقمع المخالفين، لكن هل البلد على استعداد ان يخصص شرطة للنفايات؟ اكيد لا لان هناك مهمات سياسية وامنية اكثر الحاحاً اليوم.
الكهرباء
قد يكون كلام مدير مصلحة النظافة العامة في بلدية بيروت صحيحاً حول مهمات الحكومة الاكثر الحاحاً، اذ تحرك الدولة خلال السنوات الثلاث الماضية لم يكن الا على جبهتي السياسة والامن، لذا تعطلت الاهتمامات الاخرى وبخاصة الكهرباء، حيث صار الوطن كله ينتظر الضوء بعدما احرقته النيران.
وقصة الكهرباء قصة في لبنان. تأتي يوماً، وتغص يوماً، وتختفي آخر... فكل شيء في هذا البلد حتى قاطنيه اصبح "مكهرباً" باستثناء شركة كهرباء لبنان التي على ما يبدو، لم يهزها التوتر العالي الى يومنا هذا!
والواقع ان المتهمين اثنان في قضية الكهرباء: الموظف والمواطن، والضحية مؤسسة كهرباء لبنان. المسؤولية مشتركة، وكل يلقي اللوم على غيره ويدعي البراءة.
المتهم الاول: الموظف الذي يبحث عنه المواطن لينقل اليه شكواه ومعاناته مع لعبة الكهرباء التي تحرق اعصابه "ذهبت.. اتت..." ويطلب تصليح الاعطال في الحي. لكنه لا يجد الموظف واذا وجده فليأخذ منه وعوداً لا تنفذ الا بعد نفاد الصبر والمراجعات المتعددة.
المتهم الثاني: المواطن وهو سارق بارع يتسلل الى العلب والاعمدة في الشارع، ليسرق الكهرباء، ويتسبب في حرق المحول الذي يستغرق تصليحه اياماً عدة، وابداله بآخر جديد مستحيل، ثم يتهرب في دفع الفواتير، علماً ان كلفة الكهرباء اقل من كلفة الغاز والمازوت... يلقي اللوم على غيره، ويدعي بأنه غير قادر على الدفع. قدمت اليه الدولة ساعات مجانية، كسرها وسرق الكهرباء من الشارع لينعم بالتدفئة والماء الساخن على حساب مؤسسة الكهرباء، مع الاسهام في زيادة الاعطال وقطع الكهرباء عن منطقته.
الرياضة القسرية
وتصل حكاية الكهرباء الى المولدات الخاصة. وهي نوعان كما نعرفها: نوع "صامت" لا يسمع له حس، ونوع "مزعج" يطيل الليالي ويؤرق الناس اذا تركهم ينامون اصلاً، ولا يمكن شراء سكوته الا... بألوف الليرات. ويتناوب على اضاءة لبنان مؤسسة كهربائه بنسبة تنخفض يوما بعد يوم الى جانب خمس عشرة شركة للمولدات الكهربائية، مع عدد ضخم من الوكلاء والتجار "الفاتحين على حسابهم".
وهاجس التقنين يعايشه الناس منذ بداية الحرب بكثير من الاحباط: ربات البيوت ينتظرن التيار في الليل للغسيل والتنظيف والكي، سكان الطبقات العليا يمارسون رياضة السلم القسرية مرات في اليوم الواحد.
الحرب هي المسؤولة
قصدت "الوسط" شركة كهرباء لبنان والتقت مديرها العام بالوكالة المهندس حسن الطويل، الذي شرح حقيقة "الظلام" الذي تعاني منه البلاد، وتحدث عن كيفية معالجة الامر للحد من مشكلة التقنين، والعودة الى التغذية الكافية والوافية لكل المناطق اللبنانية دون استثناء. وكان سؤالنا الاول له:
ما هي المشكلة الحقيقية التي تعانون منها في شركة كهرباء لبنان والتي تحول دون تغذية المناطق اللبنانية بشكل كاف؟
- اذا اردنا ان نأخذ حجم مشكلة الكهرباء في كل لبنان نجد اننا امام الامر التالي: بعد 16 سنة حرباً يعاني لبنان من تدمير كامل للبنية التحتية للكهرباء: من معامل انتاج، وخطوط نقل تحت توتر 150، ومحطات تحويل، وكابلات ومحطات رئيسية وثانوية، وعدادات... بالاضافة الى ان ماكينات الانتاج لم تتلق الصيانة اللازمة او الكشف الدوري طوال فترة الازمة. كما ان الحالة العامة في البلاد جعلت المواطن يستبيح الكهرباء، فكسر العدادات، وسرق النحاس واستباح المحطات في الاحياء ليغذي مناطق عدة فزاد الاستهلاك غير الطبيعي.
كيف تتم معالجة هذه المشكلة؟
- هناك امور عدة يجب القيام بها لمعالجة هذه المشكلة الكبيرة: المطلوب في لبنان طاقة تتعدى 1200 ميغاوات، والامكانات الضئيلة التي لدينا تسمح باعطاء 600 ميغاوات، اي نصف الكمية التي يحتاجها لبنان. تجاه هذا الواقع وضعنا دراسة للطاقات اللازمة لكل منطقة، وخصصنا لكل منها كمية معينة فوضعنا برنامج تقنين دعيناه: برنامج التقنين العادل، وان لم يكن مئة في المئة عادلاً، لاننا اضطررنا الى بعض الاستثناءات الحياتية مثل شركة المياه والاجهزة الامنية... لكن الذي يجب ان يقال هو ان الشعب اللبناني رأى فعلياً الكهرباء منذ سنة. وبرنامج التقنين هذا مرهون بحالة الآلات الموجودة لدينا والتي لم نتمكن حتى الآن بسبب امكاناتنا الضعيفة من البدء بتأهليها بالشكل العلمي والتقني المعروف، والاموال التي تلزمنا لم يعط لها الضوء الاخضر بعد، اذ كما تعلمون أنشىء صندوق دعم لاعمار لبنان، بالاضافة الى مساعدات السوق الاوروبية والبنك الدولي، لكن هذه المساعدات رهنت بالحالة السياسية في المنطقة وبالرهائن، وكأن مؤسسة كهرباء لبنان هي التي احتجزتهم.
هل هناك برامج تعدّها شركة كهرباء لبنان لاعادة تأهيل الشبكات، وهل سيحصل تعاون مع شركات اجنبية للمساعدة؟
- وضعنا برنامجاً للتأهيل كلفته 230 مليون دولار ووافقت عليه الحكومة. وأعطانا البنك الكويتي 110 ملايين دولار والمصرف المركزي 35 مليون دولار، وحالياً ننتظر تأمين الباقي لنباشر التصليحات. كما اننا نحاول الاتصال بكهرباء فرنسا والسوق الاوروبية، والشركات العالمية الاستشارية لتأليف هيئة تأهيل نستعين بها وبمن يعلن عن رغبته في مساعدتنا لكي نحقق البرنامج.
ما هو سبب عودتكم الى التقنين الطويل والمزعج بعدما ارتاح المواطن اللبناني فترة طويلة منه؟
- أحب ان اردد جملة وزير الموارد المائية والكهربائية السابق محمد يوسف بيضون: "الكهرباء في العناية الفائقة" لأن انتاج الطاقة مرهون بحالة الآلات وبقطع الغيار. مثلاً: تتعطل المجموعة الايطالية فنعمل بالمجموعة الفرنسية وحدها، من هنا الاضطرار الى زيادة ساعات التقنين.
أجرينا تجربة ناجحة خلال فترة الاعياد، اذ اعطينا 18 ساعة تقريباً، انما اجبرنا على ايقاف المجموعة الرابعة في نهاية الاعياد لتغيير بعض المضخات العائدة لها، لذلك تغير برنامج التقنين وسيظل الوضع هكذا حتى تتأمن لدينا طاقة اضافية. وكما قلت فاذا لم تتوفر المبالغ اللازمة للتجهيزات فان مستقبل لبنان مظلم.
الهاتف
والواقع ان قضية الكهرباء تقود الى قضايا هامة حياتية اخرى اهمها في عصرنا الحالي الهاتف الذي يتغذى منها.
ومشاكل الهاتف في لبنان اكثر من ان تحصى، فهي تبدأ بالطلب الى الوزارة المختصة ولا تنتهي حتى ولو قبل الطلب وركب الخط، فالرشوة في هذه القضية ضرورية اذ ان هناك "مافيا" خاصة تهتم بالامر.
ولمعرفة حقيقة كل ما يجري ويقال عن مشاكل الهاتف عامة قصدت "الوسط" مدير عام وزارة البرق والبريد والهاتف ايلي عيد وأجرت معه الحوار الآتي:
ما هو حجم مشكلة الهاتف في لبنان؟ وما هي الخطط التي وضعتها الوزارة لايجاد الحلول لها؟
- لقد وضعنا تقريراً رفع الى مجلس الوزراء، يوجز وضع الوزارة وحجم المشاكل التي تعاني منها، والاضرار التي لحقت بها خاصة في السنتين الاخيرتين. وبعدما تشكلت اول حكومة بعد الطائف، اتخذنا اجراءات عدة لكي نعمل على تحسين البنية التحتية التي تضررت كثيراً، اذ بلغت في مسح اولي للاضرار الكبرى 6 ملايين دولار. بعد ذلك، وبالاشتراك مع مجلس الانماء والاعمار، اجرينا مسحاً آخر لنحدد الحاجة لتأهيل الشبكات المتضررة وتحديثها: شبكات، اتصالات بين المراكز، ابنية متضررة... فبلغت الكلفة النهائية لاعادة التأهيل للفترة الممتدة بين سنة 1992 وسنة 1995، بحدود 500 مليون دولار. وضع مجلس الانماء والاعمار تقريراً بهذا المعنى وبلغ للبنك الدولي ولمجموعة المتمولين من اوروبيين، وصناديق تمويل عربية. ذلك ان كلفة اعادة تأهيل الشبكات الهاتفية تبلغ 300 مليون دولار، واعادة تأهيل الابنية 20 مليون دولار، واعادة تأهيل المراكز الدولية بحدود 18 مليون دولار، تأهيل المحطات الارضية ووسائل الاتصالات الخارجية 22 مليون دولار، والباقي يعود لتأهيل السنترالات المحلية مع ارتباطاتها. وهي من ضمن الشبكة الداخلية مع خطوط الاتصال التي تربطها ببعضها بواسطة الكوابل المحورية والاتصالات اللاسلكية وتقدر كلفتها بحدود 140 مليون دولار. اذاً، المجموع العام 500 مليون دولار تأهيل منشآت الهاتف بكامل مترتباتها، ويتوقع مجلس الانماء والاعمار ان نتمكن من تنفيذ هذه الخطة بالتنسيق معه خلال الفترة الممتدة بين 1992 - 1995، شرط تمويلها عن طريق قروض خارجية، وقد وضع هذا المسح العام بناء لتوصية من مجموعة الدول الممولة، وحصل ذلك اثر اجتماع تم في باريس بتاريخ 14 كانون الاول ديسمبر 1991. وطلب من مجلس الانماء والاعمار ان يجري هذا المسح، بواسطة مكاتب متخصصة لبنانية او اجنبية للاضرار التي لحقت بمنشآت الاتصال نظراً لاهمية هذا القطاع وانعكاساته على الحركة الاقتصادية والتجارية والمالية...
والخطط التي وضعتها الوزارة للنهوض بقطاع الاتصالات تعتمد على مصادر تمويل عدة منها تمويل ذاتي عن طريق مردود القطاع بحد ذاته، بعد ان نحصل على دفعة اساسية من الخارج لكي نتمكن من تأهيل البنية التحتية، وتحديث المنشآت وتوسيعها فيزيد تعميم الشبكة على مختلف المناطق اللبنانية.
وفي تقرير رفع لمجلس الوزراء عام 1991، رسمنا الخطط الممكن اعتمادها للنهوض بقطاع الاتصالات، وبمناسبة هذا التقرير شددنا على كيفية الاستفادة من اشراك القطاع الخاص في القطاع العام، بشكل يمكنه من المساعدة عن طريق التمويل والتحرك السريع والخبرة في هذا الحقل، مثلاً: ان تساهم شركات او ادارات خارجية لديها خبرة في قطاع الاتصالات بامكاناتها المادية والبشرية، وتكون شريكة مع الادارة اللبنانية في صيغة شركة مختلطة لاستثمار قطاع الاتصالات وخاصة المنشآت الهاتفية التي تبلغ قيمتها حوالي 700 مليون دولار مع الاخذ بالاعتبار المنشآت الثابتة.
اذاً، الادارة تملك هذاپالرأسمال والشريك الذي سيتقدم من الخارج يدفع 40 في المئة من كلفة المنشآت، ويعمل مع الادارة فتؤسس شركة مختلطة لشؤون الاستثمار، شرط انه بعد 10 سنوات تعود المنشآت بكاملها بتصرف الادارة اذا لم يجدد الاستثمار.
هل مازالت اعمال اصلاح الشبكات مستمرة وهل تأمنت المبالغ اللازمة لها؟
- في التقرير الذي رفع الى مجلس الوزراء، وضعنا خططاً تنفذ على ثلاث مراحل: مرحلة سريعة لرفع الاضرار المشلّة للقطاع، وهذه عملنا على اصلاحها في سنة 1991 وحتى تاريخه، فاعدنا التواصل بين المناطق، مثلاً: كانت بيروت معزولة عن طرابلس فاصلحنا الاتصالات اللاسلكية ووضعنا اتصالاً اضافياً بواسطة كابل محوري بين المنطقتين، حصل ذلك ايضاً بين بيروت والبقاع فأمّنا اتصالاً لاسلكياً ووضعناه في الخدمة وحالياً نعمل على تأمين الاتصال بواسطة كابل محوري، لكي يصبح لدينا وسيلتان لتأمين الاتصالات مع منطقة البقاع، كذلك اصلحنا الكابل المحوري مع صيدا لغاية النبطية، ونعمل على اتصال لاسلكي نضعه في الخدمة ليكون مسانداً. كما لدينا مشروع تأمين الاتصال بواسطة الالياف البصرية بين بيروت وصيدا.
اذاً، اعادة ارتباط المدينة مع المناطق تحقق كدفعة اولية لمنع الشلل بين المناطق والعاصمة. كما ان هناك اعمالاً تكميلية وهي اعادة تأهيل الشبكة، وكل الكوابل التي تربط المشتركين بالمراكز، لكن الشبكة مكلفة لان كثيراً من الكوابل قديمة العهد، واخرى تضررت بسبب الاحداث وتتطلب اموالاً طائلة، والتكاليف المقدرة بحدود 300 مليون دولار، وموازنتنا سنة 1991 كانت بحدود 65 مليون دولار دفع منها 20 مليون دولار متأخرات سابقة للموردين، اما موازنة 1992 البالغة 85 مليون دولار فلم تصدر حتى الان وهي قيمة متدنية نظراً لتدهور سعر صرف الليرة.
كما ان هناك مشروع راديو خليوي على نظام متطور كلفة الخط فيه تقدر بين 1200 و1400 دولار، هذا المشروع في حال تنفيذه بسرعة سيسهل امور رجال الاعمال والمؤسسات المصرفية، كما يمكنه ان يفرج عن المناطق النائية اذ يمكننا وضع 4 اجهزة في كل قرية بشكل غرف للعموم فتصبح المناطق المعزولة على اتصال بالشبكة العامة، وقد جرت مناقصة هذا النظام في 14 تشرين الاول اكتوبر الماضي. وهذا المشروع يحد من عمليات السرقة، ومن الاستعانة بالمخابرات المؤمنة عن طريق الراديو الخليوي القبرصي.
اذاً، اعمال اصلاح الشبكات مستمرة. لكن الزخم بحجم التصليح يتطلب اعتمادات، وهي ليست متوفرة حالياً لكننا لن نتوقف عن اصلاح الشبكات اضافة الى المولدات واستبدال البطاريات وترميم الابنية واصلاح التجهيزات، والاتصالات... الى جميع مركّبات الشبكة لنؤمن ديمومة الخدمة.
سرقة المخابرات الدولية
هل تمكنتم من وقف عمليات السرقة في التخابر الدولي، وهل اصلحت محطات الاتصالات الدولية والتلكس؟
- الجهود مستمرة للحد من عمليات التهريب التي تتم في الاتجاهين من بيروت ومن الخارج. فيما يختص بلبنان لدينا 3 انواع من التهريب او الخسارة التي تنتج للادارة من عدم استيفاء مردود هذه المخابرات الصادرة من لبنان باتجاه الخارج:
1 - الذين يخابرون عن طريق قبرص، اذ ان الادارة لا تحصل على اي حصة وبحسب تقديرنا فالخسارة السنوية التي تتأتى تحدد بپ18 مليون دولار.
2 - هناك خسارة اخرى عن طريق الراديو الخليوي اللبناني غير الشرعي. والذي نحاول وضع حد له بشتى الوسائل، والخسارة السنوية لا تقل عن 10 ملايين دولار.
3 - اما الخسارة الثالثة وهي مهمة وتقدر باكثر من 20 مليون دولار، فهي التهريب بين لبنان والخارج مع متواطئين في الخارج يفتحون الخطوط على بعضم ويهرّبون المخابرات.
اذا، هذه 3 أنواع من التهريب نحاول معالجتها بامكانياتنا المتوفرة.
اما بالنسبة لاصلاح محطات الاتصالات الدولية والتلكس فقد تم اصلاح التلكس، وهو يعمل في كل الاراضي اللبنانية مثلما كان في السابق، ونحن الآن بصدد توسيع شبكة التلكس حيث تدعو الحاجة، اشترينا اجهزة T.D.N. اضافية وسنركبها وكل جهاز يؤمن لنا 46 مشتركاً في مركز معين لغاية مركز التلكس الرئيسي في الجديدة ولدينا خطوط كافية في مركز الجديدة لتلبية جميع المشتركين في الوقت الحاضر. كما ان لدينا مركزين للتلكس: مركز الكتروني حديث ومركز الكتروميكانيكي عمره حوالي 20 سنة ونفكر اذا ما توفرت الاعتمادات ان نستبدله بمركز الكتروني بسعة معقولة لان الوسائل الحديثة بتبادل المعطيات اخذت قسما كبيراً من حركة التلكس فتراجع. وهذا التراجع سيستمر لصالح الفاكس العادي والفاكس السريع ولصالح التبادل عن طريق الحاسبات الالكترونية Data Transmission.
بالنسبة لمحطات الاتصالات الدولية فقد كانت محطة جورة البلوط معطلة بسبب الحرب الاخيرة فاصلحناها واعدنا لها هوائياً قطره 15 متراً ونصف المتر فاصبحت محطة نموذجية Standard بسعة 396 خطاً دولياً اربطنا 260 خطاً بمراكزنا الدولية، والعمل مستمر لانجاز الخطوط الباقية. اما العربانية فلدينا محطتان لا تعملان، قطر كل محطة 32 متراً. وهناك توجه مستقبلي لاستبدال هذه المحطات باخرى حديثة لكن ذلك يتوقف على القروض الخارجية. في هذه الفترة عقدنا اتفاقاً مع شركة MCI الاميركية لتركيب محطة ارضية متطورة تعمل بالتقنية الرقمية من نوع IRD وحالياً هذه المحطة ركبت في مركز الوزارة الرئيسي في منطقة العدلية، قطر الهوائي 3،9 متر وستعمل مع الاقمار الاصطناعية فوق المحيط الاطلسي باتجاه الولايات المتحدة على شبكة "أم.سي.آي" هناك، ومن خلال هذه الشبكة سنتمكن من الحصول على مشتركين في اميركا ثم في بلدان ليست لنا اتصالات مباشرة معها، سعة هذا المشروع 432 خطاً وسنعمل حالياً على 220 خطاً فقط. شركة "أم. سي. آي." ستثتثمر هذا المشروع لمدة خمس سنوات، وستأخذ على كل دقيقة تخابر في اول سنة 35 سنتاً، في الثانية 30 سنتاً، في الثالثة 25 سنتاً، في الرابعة 20 سنتاً، في الخامسة 15 سنتاً. هذه الحصة المقتطعة غايتها تسديد قيمة المنشآت التي ركّبت، هذه العملية تسمى B.O.T وهذا اول مشروع مع "ام.سي.آي" ويمكن ان يتكرر مع باقي الادارات مثل: A.T.and T في الولايات المتحدة، U.S Print فرانس تيليكوم مع فرنسا، Ital Lable مع ايطاليا… اذاً الادارة اللبنانية منفتحة لعمليات B.O.T في هذا النوع اي التمويل الذاتي.
اما بالنسبة لاتصالاتنا عبر الكوابل البحرية فقد اعيد تأهيلها باكملها. ولزّم مجلس الانماء والاعمار تأهيل المحطة الانتهائية للكوابل البحرية كما ان العمل جار لرفع سعة كابل بيروت - قبرص من 240 خطاً الى 480 خطاً بحيث يصبح عندنا حوالي 720 خطاً كاتصالات دولية عن طريق الكوابل البحرية: كابل بيروت - مرسيليا، بيروت - قبرص، بيروت - الاسكندرية. ولدينا مشروع مستقبلي بمنتصف سنة 1994 هو كابل بالالياف البصرية بين لبنان وقبرص، وآخر بين بيروت ودمشق، وبيروت وطرطوس…
اذاً الاتصالات الدولية في تحسن مستمر وقد فتحنا اتصالات مباشرة عدة وطلبنا من الادارات المقابلة ان تزيد عدد الخطوط، فطلبنا من السعودية ان تفتح معنا 42 خطا لكنها لم تفتح حتى الآن سوى 12 خطاً، كذلك الامارات 42 خطاً… كما ان هناك في الافق فتح خطوط مباشرة مع السويد، الدانمارك، بلجيكا، المانيا…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.