إذا سلمنا في القول أن الاحتجاجات التركية التي خرجت للمرة الأولى لم تكن دوافعها سياسية أو اقتصادية بقدر ما كانت مجرد غضب وقتي بسبب أحداث ميدان تقسيم آنذاك، فإن عودتها مرة أخرى تأتي بمنزلة تفنيد للقول السابق وتأكيد على أن أحداث ميدان تقسيم كانت مجرد الشرارة الأولى للاحتجاجات التركية التي لم تخرج لهذا السبب بقدر ما خرجت للتنفيس عن الاحتقان المتزايد لديها إزاء سياسة تركيا بزعامة رئيس الحكومة رجب أردوغان في المنطقة. عودة الاحتجاجات في تركيا بهذه الكم الهائل كان أحد دوافعه الرئيسة ما حدث في الآونة الأخيرة من غباء سياسي يتغلف بمنظار الحزبية والتخبط الذي تمثل بمعارضة الإرادة الشعبية للمصريين في ثورة ال30 من يونيو ليس فحسب، بل والدفاع المطلق عن إرهاب الإخوان الذي وصل الأمر إلى مناجاة مجلس الأمن الدولي للتدخل في الشؤون الداخلية المصرية، كما أن عودة الاحتجاجات إلى الشارع التركي لن تكون مجرد سحابة عابرة بقدر ما قد تكون عودة السقوط المدوي لرئيس الحكومة التركية رجب أردوغان، إذ إن هذا الأمر ليس بالصعب بخاصة في ظل استخدام القوة المفرطة لمواجهة الاحتجاجات التي دخلت في أسبوعها الثاني من الأجهزة الأمنية، كما أن هذه الإجراءات قادرة على تحويل هذه المناوشات إلى ثورة شعبية لا تختلف عن الحاصل في دول الربيع العربي. عندما يواجه رئيس الحكومة التركية رجب أردوغان الاحتجاجات التركية بكلمات سبق وأن قالها العديد من قادة الدول التي طالها الربيع العربي، والمتضمنة أن تركيا ليست مصر أو سورية فإن ما يحدث في تركيا لم يعد مجرد احتجاجات بقدر ما أصبحت على أعتاب ثورة، كما أن ذلك دلالة على أن الأوضاع وصلت إلى مستوى الخطر أي حافة السقوط، وهو بهذه الكلمات يسعى إلى التقليل من شأنها ونتائجها. الاحتجاجات التركية حتى وأن لم تفضِ بنتائج تذكر، إلا أنها جاءت لتكشف الزيف الديموقراطي لدى رئيس الحكومة رجب أردوغان بخاصة بعد أن وصف المتظاهرين بالإرهابيين، بينما في مصر يسعى إلى الدفاع عنهم، ويندد باستخدام الأجهزة الأمنية المصرية للقوة، من أجل فض الاعتصامات التي خرجت عن إطار السلمية، وأصبحت تهدد السلم الاجتماعي والأمن القومي للدولة.