قبل أيام افتتح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان جسراً، هو الثالث على نهر البوسفور، أطلق عليه اسم "جسر السلطان سليم" لم يلفت انتباه الكثيرين المغزى السياسي من الاسم، وربما لم يعر الناس الحدث أي اهتمام أصلاً، فالجسور تشيد وتفتتح كل أسبوع في مدن العالم، لكن المدققين وربما المتخصصين في شؤون العلاقات العربية -التركية وجذورها التاريخية وآفاقها المستقبلية لاحظوا أن اختيار اسم السلطان سليم تحديداً جاء متعمداً بعد ثورات الربيع العربي وازدياد النفوذ التركي لدى الدول المحكومة ب "الإخوان المسلمين"، على خلفية كون أردوغان نفسه "إخوانياً"، وكذلك بالطبع حديث الإسلاميين عموماً و"الإخوان" خصوصاً دائماً عن النموذج التركي، باعتباره الحالة التي ستصل إليها مصر وتونس في المستقبل. أما لماذا سليم الأول فلأنه السلطان الذي فتح الشام ومصر، وقاد الإمبراطورية العثمانية، وكان أول سلطان يصف نفسه ب "الخليفة". ربما لم يقصد أردوغان وحكومته ما دار في عقول هؤلاء الذين يعتقدون أن الدور الإقليمي التركي، في ظل حكم "الإخوان" لمصر وتونس وربما سورية في المستقبل، سيعيد مع بعض التطوير، التجربة العثمانية إذ إن أردوغان نجح في سنوات حكمه في تدجين الجيش، وضمن دائماً الدعم الأميركي والغربي، وحقق قدراً ملموساً من التقدم الاقتصادي، الذي انعكس على حياة المواطنين الأتراك. عموماً فإن المصريين مشغولون جداً بالأحداث في تركيا، هؤلاء الذين يدعمون تجربة أوردغان من "الإخوان" وباقي الفصائل الإسلامية قلقون على التجربة. أما المعارضون دائماً لحكم الإسلاميين في أي مكان، ومهما كانت الطريقة التي يحكمون بها، فإنهم يعتبرون أو يتمنون أن يكون في تركيا ثورة، وأن أهداف الربيع العربي الذي لم يفض إلى النتائج التي كانوا يأملونها ربما تتحقق في الصيف التركي! ومهما كانت أسباب الأحداث في تركيا، وما إذا كانت مجرد "خناقة" على تقسيم "ميدان تقسيم" أم لها دوافع اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية حتى لو ظلت كامنة أو "نائمة" لفترة ثم استيقظت بفعل واقعة الميدان، فإن اللافت هو ردود الفعل في المجتمعات العربية من جانب القوى والقطاعات، وربما الأنظمة المناهضة لجماعة "الإخوان المسلمين"، أو الفئات التي عانت تجربة الجماعة في الحكم في مصر وتونس، وفي "الجهاد" في سورية خصوصاً، إذ لم يكن خافياً حال الحماس لصالح "الثوار" الأتراك الذي وصل الى حد الشماتة، تلك الأوساط أيضاً اتخذت الأحداث نموذجاً لما يجب أن تكون عليه الأمور مثلاً في مصر في حزيران يونيو الجاري، أي في الذكرى الأولى لتولي الدكتور محمد مرسي مقاليد الحكم في البلاد، وهو اليوم الذي دعت قوى وحركات معارضة الجماهير للنزول فيه إلى الشارع للضغط من أجل تحقيق مكاسب عدة، بينها إبعاد الرئيس، وتنظيم انتخابات رئاسية جديدة. لكن البحث العميق عن أسباب الارتياح بين القوى التي شاركت في الربيع العربي وثوراته، ثم أيقنت أنه جرى استخدامها في ثورة، انتهى إلى أن حكم الإسلاميين يكشف المخاوف من تكرار النموذج التركي في البلدان العربية التي يحكمها "الإخوان" في المستقبل، ما يعني بقاءه في الحكم لعقود... وبالديموقراطية. علماً بأن تجربة "الإخوان" في مصر خلال سنة من حكم الرئيس مرسي لم تقترب حتى من النموذج التركي سواء في الشكل أو المضمون أو النتائج. ورغم التباين في الظروف ما بين الأوضاع والأحداث التاريخية والأسباب التي أتت بأردوغان إلى الحكم، بعد فشل تجربة أستاذه أربكان، والملابسات والظروف والأسباب التي أتت بالإسلاميين في مصر إلى السلطة، إلا أن تطابق المشاهد للأحداث في تركيا مع ما حدث ويحدث في مصر يزيد من الأمل في أن يجري "خلع" أردوغان قبل 30 الجاري استحضاراً لما جرى في ثورة 25 يناير وكما كانت مصر بعد الثورة لماذا لا تكون مصر بعد تركيا؟. صحيح أن قوى ثورية مصرية تعي أهمية النزول إلى الشارع والتعامل مع المواطن البسيط لكن النخبة المصرية التي يركب بعض رموزها كل ثورة وأي انتفاضة دون مجهود كبير مازالت تراهن على أي حدث لا يكلفها أي ثمن، فإذا كان العمل الجماهيري داخل مصر يتطلب منها مجهوداً فإن ميدان تقسيم قد يكون فيه الأمل، حتى ولو كانت المسافة بينه وبين ميدان التحرير شاسعة!