متعة الدراسة الحرة رائعة مشوبة غالباً بالذكريات، يدخل الطالب تلك الأمكنة وتلك الكوادر ودهاليز المكتبات تشوبه الطموحات أحياناً والفضول أحياناً كثيرة. لكن إن تكلمنا عن الإنجاز فالموضوع ذو شجون. إن أردنا الحقيقة كما هي من دون تبرج، فسنتقبل ما يقال من أجل الإصلاح. وفي الحقيقة، إنّ تفاعل جامعاتنا مع الواقع لا يقاس بالضآلة بل بالانعدام، وكأن الجامعة التي تقوم بتدريس الطلبة في كوكب معزول ومجتمعها الذي تقطن فيه في كوكب آخر. ما فائدة كل ما يُؤخذ ويبحث عنه في تلك الكوادر إن لم ينكسر الجليد بين الجامعة والمجتمع؟ لماذا يتحتم على الملتحقين بالجامعات أن ينفصموا إلى شخصيتين: واحدة لتعيش المجتمع وهي الأصل، والأخرى لتعيش الماضي مع بعض الكماليات المثالية في أغبر عصورها، وهي التي تكون في الكادر الأكاديمي؟! لماذا نخاف التجديد! وما الذي يخيفنا إن جعلنا الطالب يقود جامعته، يقود مقرره التعليمي ويقود توظيف علمه لمجتمعه، بلا تعقيد بيروقراطي ويقود بَكَرَة تطوير جامعته المستمرة! يتسم معظم كوادرنا الأكاديمية بالذات بسمة"غياب الهوية"، إذ لم تلحق الحداثة العلمية الغربية لتنافسها، ولم تخدم مُدُنها التي تعيش فيها! فهي بلا هوية للمستقبل"لعدم المنافسة، وبلا هوية للحاضر"لعدم معايشتها إياه. تلك هي الحقيقة، ولن يِفيد أن تتزين الحقيقة ببعض الرتوش التي تشي بمحو معالمها موقتاً. ذلك لا يُجدي، والرتوش لا تداوي الداء ولن تداريه. دربوا الطالب على أن يقول وليس فقط أن يسمع"فقد سئمت أجيال قبله السماع ثُم لم تنجل عنا غُمة التأخر! ليتدرب الطالب على أن يُفكر ويُنتج كيلا يشعر أنه بجامعته ليس إلا زيادة رقمٍ واستهلاك مقعد! إن كانت الجامعات يُصرف عليها مبالغ مهولة من أجل بصيص مشكاةٍ من نور يشي بتفوقنا وتصدرنا بشيء عن الأمم! أقول: لن تشتعل المشكاة من دون أن يُشعلها شابٌ دَبّ في نفسه الأمل وتم تمكينه من القيادة في كادره والعمل. طعم التصدّر عزيز، ولذة الارتقاء ليست حبراً على ورق، على مدى التاريخ لم تتفوق أمة إلا حينما واجهت ما كانت تخافه وحسمت ما كان يجب حسمه منذ زمن. أن يقود الطالب الجامعي جامعته يعني أن تتوظف الأموال لخدمة فكرة أنتجها طالب، أيّ طالب، بلا شروط، فالعقول لا تمييز فيها أبداً ولا حصر، أي أن يشعر الطالب بأن فكرته التي يعمل عليها ويدرسها تحولت إلى حل وإلى مشروع يجاوب فكرته إيجاباً بإيجاب. التطوير ليس فقط مؤتمرات وبناء وإسمنتاً، التطوير أذنٌ صاغية لأفكارٍ شجاعة وبأموالٍ مراقَبَه. نجلاء صلاح الدين آل الشيخ [email protected]