حين تختلف إيقاعات الحياة ونمطها بما تحويه من تكرارات يومية وروتينية ضاغطة، قد تذهب ضحيتها الأعصاب ونفسية الإنسان، لا يمكن لها إلا تطبيق عدد من الحيل الدفاعية الوهمية لتخرج من هذه الضغوط بأقل نسبة أمراض أو خسائر ممكنة. عندما تدير بنظرك إلى المرافق العامة في نهاية أسبوع مدينة الرياض، تجزم بأن الناس في حال"سعار"غذائي، وكأنهم مقبلون على مجاعة منتظرة لا يمكن الخلاص منها، وقد تُرمى نصف المشتروات في سلة المهملات! لا أحد ينكر حجم الانفجار الاقتصادي الحالي، والازدياد المطرد لعدد الأسواق والسوبر ماركت في مدينة الرياض، ومع كثرتها يستحيل أن تدخل إحدها وإن كان في منطقة شبه معزولة إلا وتجد زرافات من الناس يتدافعون"نساءً ورجالاً"على نقاط"الكاشير"، وقد ملأوا عرباتهم بأصناف المأكولات والمشروبات لتصل عنان السماء، ولا تستغرب إن رأيت عدداً من الحوادث بين عربات الزبائن نتيجة الازدحام والخوض في غياهب ال"بلاك بيري". انتهت رحلتك الشرائية، التي توقعت العائلة منها المتعة والتنفيس، لتستقل سيارتك وتخرج من الحشد الأصغر إلى الحشد الأكبر، ألا وهو الشوارع ومرارة الوقوف الخاطئ لبعض المركبات، ليفور دمك، أكثر انتظاراً لحضرة صاحب السيارة كي يتكرم ويبعد سيارته، وبعد صولات وجولات مع الازدحام وحوادث الطريق المريعة، وانتظارك لساعات مع طوابير السيارات، ورائحة العوادم، وحرارة الجو، وصولاً بالشاحنات الضخمة، أخيراً تصل منزلك وقد أقسمت ألا تخرج ثانياً إلا لضرورة ملحة! أعانهم الله مرتادي الطرق الرئيسة وقت الذروة، فهم يعيشون اكتئاباً لا يعلمه إلا الله، وشداً عصبياً يؤدي إلى ارتفاع معدلات ضغط الدم، وقد أخبرني أحد المقربين أنه وضع وصيته داخل درج السيارة بشكل دائم تحسباً لأي مشكلة تحدث له، لا سمح الله! وجدت دراسة ألمانية أن الأشخاص الذين يواجهون التكدس المروري ترتفع لديهم احتمالات الإصابة بالأزمات القلبية ثلاث مرات عن غيرهم، وقال الباحثون إن هناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث لتحديد ما إذا كانت الإصابة بأزمات قلبية تحدث نتيجة التعرض لضغوط التكدس المروري، أم بسبب معدلات التلوث المرتفعة؟". إن التخطيط الاستراتيجي السليم القابل للتطبيق هو الحل الأمثل لمدينة يزيد سكانها بشكل متسارع، لا تعرف الهوادة، وتأسيس شبكة نقل عامة من مشروع"القطار المنتظر"، إلى الحافلات وتنظيم مرورها، وفرض الغرامات على المخالفين، وتشديد العقوبة،"فمن أمن العقوبة أساء الأدب"، والتعجيل بالمشاريع المتعثرة"طويلة الأمد"! فها هو شمال الرياض من أكثر المناطق ازدحاماً نظراً إلى تقارب جامعات الأميرة نورة والإمام والملك سعود، ما له دور كبير في ضرورة الرسم لها مستقبلاً. يجب أن يشمل التخطيط تعدد خيارات السياحة وزيادة المرافق في العاصمة، بشرط أن تكون عالية الجودة والنظافة، وتتخلص بإذن الله من كلمة"وين نروح"؟! فاطمة العصيمي - الرياض