تشارك السعودية دول العالم الاحتفال باليوم الدولي لمكافحة الفساد، وتعد هذه المشاركة هي الثانية من نوعها في المملكة بعد إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وبهذه المناسبة تحدث رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد محمد بن عبدالله الشريف قائلاً:"أدرك العالم بأسره، ومنذ القدم أثر الفساد، بشتى أشكاله وصوره وأنماطه وأساليبه على المجتمعات والشعوب، بما يمثله من تهديد مباشر، وغير مباشر على استقرار الدول، أمنياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وخصصت من أجل ذلك يوما عالمي، للتذكير بأخطاره، والتأكيد على رغبة المجتمع الدولي، بكل مؤسساته وهيئاته في محاولة اجتثاثه، وتبادل التجارب الناجحة في مجال مكافحته والحد منه، وبناء معايير محكمة للشفافية، وابتداع برامج وقائية شاملة، إلى جانب تعزيز قيم النزاهة. فالجهود الفردية مهما كانت ستظل غير قادرة على محاصرة الفساد، وتجفيف منابعه. ومما لا شك فيه أن وضع الاستراتيجيات والخطط، وتطوير الإجراءات والأنظمة على المستويين المحلي والدولي، وتعزيز مبدأ التعاون بين الدول والمنظمات من شأنها الحيلولة دون استفحال ظواهر الفساد، ووصولها إلى مراحل متقدمة تصعب السيطرة عليها. واستشعرت دول عديدة، لاسيما الدول المتقدمة، أن الفساد لا يشكل عقبة أمام خطط التنمية الاقتصادية فحسب، بل إن فشوه في وسط اجتماعي ما سيجعل من بيئتها طاردة للغير، وغير جاذبة للاستثمار الذي تتنافس الدول عليه، وتحاول قدر الإمكان دراسة أفضل السبل المحققة له، والوقوف على أبرز المعوقات، أو الممارسات غير النظامية التي تحول دون إيجاد بيئة مناسبة، تتوافر فيها كل مقومات الاستثمار الناجح. و بادرت السعودية في عقود مضت إلى سن أنظمة عديدة، حددت فيها جرائم الفساد، وسنت الأنظمة والتشريعات المجرمة لها، والمستمدة في جوهرها من مصادر التشريع الإسلامي الذي قام عليه نظام الحكم في هذه البلاد، منذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وما تبع ذلك من إحداث الأجهزة الرقابية التي مارست دورها المنوط بها وفق اختصاصها ومهامها. وجاء اعتماد الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد بقرار مجلس الوزراء رقم 43، وتاريخ 1/2/1428ه، وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بقرار مجلس الوزراء رقم أ/65 وتاريخ 13/4/1432ه، لتترجم الإرادة السياسية، والتوصيات الجادة من القيادة على ضرورة التحري عن الفساد، والوقوف على أسبابه، وتبيين مصادره، وملاحقة مرتكبيه، واسترداد العوائد المالية الناجمة من تلك الممارسات. والمتمعن في أهداف الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد ووسائلها، والمهام والاختصاصات الواردة في تنظيم الهيئة، يلحظ شموليتها وتكامل دورها الرقابي مع أدوار الجهات الرقابية الأخرى، واتساع تلك الأدوار المناطة بالهيئة، لتشمل الجانب الوقائي من خلال ما يمكن أن يُنهض به من بحوث ودراسات، وبرامج توعية وتثقيف، ومراجعة وتطوير الإجراءات والأنظمة، وإقرار الذمم المالية لكل من له صلة بالشأن المالي والإداري، إذ من شأن هذه الخطوات إرساء مبادئ الشفافية في المعاملات الاقتصادية والمالية، بصورة يتحقق معها الاستخدام الأمثل للموارد، والترشيد في النفقات، الهادفة لإيجاد توازن اقتصادي يسهم في تنمية البلاد في كل المحاور والمجالات. وضعت الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وتنظيم الهيئة التجارب والاتفاقيات والمعاهدات الإقليمية والدولية بعين الاعتبار، ووقعت على اتفاقية الاستراتيجية الدولية لمكافحة الفساد التي قامت الأممالمتحدة بوضعها وتبنتها الجمعية العامة لعام 2003م، وصدر الأمر السامي الكريم رقم 5/ب/48044 وتاريخ 9/10/1424ه، باعتماد التوقيع عليها، وتمثل هذه الاتفاقية الأساس القانوني، والمنطلق العملي لجهود الدول في محاربة الفساد، وتعزيز الشفافية، وحماية النزاهة، إذ اشتملت على 8 فصول، وبعدد 71 مادة، مثلت المواد الملزمة العدد الأكبر منها، مع تضمنها لفقرات غير إلزامية وفيما بلغ عدد المواد غير الملزمة قرابة 24 مادة، تضمنت هذه الاتفاقية الطرق المثلى لكيفية الوصول لمكافحة الفساد، وذلك من خلال ما تضمنته من مواد فعّالة تبين ضرورة التقيد بها في ما يُبذل لمكافحة الفساد. جاء الفصل الأول منها مشتملاً على أربع مواد، وتحت عنوان"أحكام عامة"لتبيين الغرض من هذه الاتفاقية، والتشديد على احترام الدول، وصون سيادتها. وجاء الفصل الثاني تحت عنوان"التدابير الوقائية"، واشتمل على عشر مواد نصت على سياسات مكافحة الفساد الوقائية، كإنشاء هيئات لمكافحة الفساد، وطرق لاعتماد تعيين الموظفين العموميين، وإيجاد مدونات لقواعد السلوك الوظيفي، إضافة إلى القيام بالخطوات اللازمة تجاه المشتريات العمومية، وإدارة المال العام، وتشجيع قيام المجتمع المدني بممارسة دوره في مكافحة الفساد. وتضمن الفصل الثالث 28 مادة جاءت تحت عنوان"التجريم وإنفاذ القانون"تضمنت تلك المواد تجريم الرشوة بكل صورها وأشكالها، والاختلاس، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استغلال السلطة، والإثراء غير المشروع، وغسل العائدات الإجرامية، والإخفاء، وإعاقة سير العدالة، والملاحقة والمقاضاة والجزاءات، والتجميد والحجز والمصادرة، وحماية الشهود والخبراء والضحايا، والمبلغين، وغير ذلك. واختص الفصل الرابع ب"التعاون الدولي"متضمناً ثماني مواد لها الأهمية البالغة في إعطاء هذه الاتفاقية البعد الدولي لاشتماله على أمور مهمة تتعلق بتسليم المجرمين، ونقل الأشخاص المحكوم عليهم، والمساعدة القانونية المتبادلة، والتعاون في مجال إنفاذ القانون، والتحقيقات المشتركة. وجاء الفصل الخامس تحت عنوان"استرداد الموجودات"بتسع مواد. وجاء الفصل السادس بعنوان"المساعدة التقنية وتبادل المعلومات"واحتوى على ثلاث مواد. أما الفصل السابع فجاء بعنوان"آليات التنفيذ"واحتوى على مادتين تتعلقان بمؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية وأمانة المؤتمر. وجاء الفصل الثامن وهو الأخير تحت عنوان"أحكام ختامية"، واشتمل على سبع مواد. وختم الشريف كلمته بأن يحفظ الله لهذه البلاد أمنها واستقرارها تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين. استراتيجيات الحد من الفساد سبل تعزيز قيم النزاهة وأساليب مكافحة الفساد، قضايا مهمة لم تكن بمنأى عن أقلام الباحثين والدارسين على المستوى الدولي، ولهذه القضية عُقدت العديد من المؤتمرات والندوات، وطُرحت فيها أوراق عمل، تحمل رؤى متعددة، لكنها في المجمل تتطلب صحوة ثقافية تبيّن المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتتبنى هذه المخاطر بكل شفافية ووضوح. ومن أهم الجوانب التي يجب أن تشتمل عليها هذه الاستراتيجيات من منظور الهيئات العالمية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد ما يلي: 1- التركيز على البُعد الأخلاقي والقيمي في محاربة الفساد في قطاعات العمل، من خلال استنهاض المؤسسات الدينية والتعليمية والتربوية بالقيام بواجبها تجاه هذه المشكلة. 2- إقرار مبدأ الشفافية بالنسبة للعمليات الحكومية الخاصة بالموازنات المالية، فالشفافية شرط أساسي لسلامة السياسة المالية والاقتصادية، فهي التي تعزّز ثقة المواطن بالمؤسسات والأجهزة الحكومية. 3- بناء أنظمة قضائية مستقلة ونزيهة وقوية، لا تخضع لأي مؤثر من شأنه إضعاف الأحكام أو تعطيل تنفيذها. 4- تعزيز دور الهيئات الرقابية العامة، وإنشاء وحدات رقابية في المؤسسات الحكومية، تكون قادرة على كشف كل الممارسات الوظيفية، التي تجرّمها قوانين وأنظمة وتشريعات مكافحة الفساد. 5- إقرار مبدأ المساءلة، ووضع عقوبات صارمة رادعة للمخالفين، والتشهير بمن تقتضي المصلحة العامة، أو تقرر الجهات القضائية فضح ممارساتهم. 6- تبسيط اللوائح والأنظمة، وتسهيل الإجراءات، وتفعيل دور الحكومة الإلكترونية، للحد من بعض صور الفساد، النابعة من تعقيد الإجراءات، أو وضع المعوقات في تنفيذها 7- التركيز على دور المواطن في تعزيز قيم النزاهة ومكافحة الفساد، من خلال برامج التوعية بهذه الآفة ومخاطرها وتكلفتها، ومنح المبلغين عن قضايا الفساد المكافآت المجزية. 8- تمكين وسائل الإعلام بمختلف أنواعها من الوصول للمعلومات، للقيام بدورها على أكمل وجه، وإجراء التحقيقات التي تكشف عن قضايا الفساد ومرتكبيها. 9- تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات والهيئات المهنية والحقوقية لممارسة ضغوطها، بكل ما تمتلك من وسائل، ونشر الإحصائيات والمقارنات على كل المستويات. 10- رفع المستوى المعيشي للمواطن، وتحسين أوضاع الموظفين، وتحقيق المساواة والعدالة بينهم، للحد من التجاوزات في الأنظمة، أو الممارسات السلوكية الفاسدة النابعة في بعض صورها من انخفاض دخل الموظف، وتعرضه للإغراء. اضاءات تتركز الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد على عدة منطلقات منها: - إن تحقيق حماية النزاهة ومكافحة الفساد يتطلب تعزيز التعاون بين الدول انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية، مما يسهم في تعميق الثقة بين الدول وتهيئة مناخ أفضل للعلاقات في ما بينها. - إن الفساد مرتبط في بعض صوره بالنشاطات الإجرامية، وبخاصة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية. - إن الفساد يعوق التطوير والتنمية والاستثمارات. - إن حماية النزاهة ومكافحة الفساد تتحققان بشكل أفضل بتعزيز التعاون بين الأجهزة المختصة في المملكة بشكل مستمر. من أهداف الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد: - تحصين المجتمع السعودي ضد الفساد بالقيم الدينية والأخلاقية والتربوية. - توفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية، لاسيما الاقتصادية والاجتماعية منها. - الإسهام في الجهود المبذولة لتعزيز وتطوير وتوثيق التعاون الإقليمي والعربي والدولي في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد. - تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع. من مهام واختصاصات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد: - متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين بما يضمن الالتزام بها. - العمل على تحقيق الأهداف الواردة في الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ومتابعة تنفيذها مع الجهات المعنية، ورصد نتائجها وتقويمها ومراجعتها، ووضع برامج عملها وآليات تطبيقها. - متابعة تنفيذ الالتزامات الواردة في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد التي تكون المملكة طرفاً فيها. - توفير قنوات اتصال مباشرة مع الجمهور لتلقي بلاغاتهم المتعلقة بتصرفات منطوية على فساد، والتحقق من صحتها واتخاذ ما يلزم في شأنها. علاقة الهيئة بالجهات الأخرى نصت المادتان الرابعة والخامسة من تنظيم الهيئة ما يلي: تتعاون الجهات الرقابية المختصة مع الهيئة في مجال عملها ? في شأن أي استفسار أو إجراء ? بما يحقق تكامل الأدوار واتساقها في سبيل تنفيذ اختصاصات كل منها والمتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد. تزويد الهيئة"وفق آلية تحددها"بالمشاريع المعتمدة لديها وعقودها، وعقود التشغيل والصيانة. تمكين منسوبي الهيئة من تأدية مهامهم، وتزويدهم بما يطلبونه من وثائق وأوراق أو نسخ. الرد على استفسارات الهيئة وملاحظاتها، وإفادتها بما اتخذ حيالها، وذلك خلال مدة أقصاها 30 يوماً من تاريخ إبلاغها بها.