لم تمارس براغماتية نتنة في أصقاع العالم كافة مثلما مورست في الأزمة السورية، فقد ترك الشعب السوري وحيداً على مدى أكثر من عشرين شهراً، يواجه أعتى أشكال الظلم والطغيان من نظام متمرس في الفساد والإفساد، زرع أرض الشام من أقصاها إلى أقصاها بالجواسيس والاستخبارات، لذا فقد كان يهتف مناضلو الشعب في شوارع حمص والقامشلي وداريا..."يا الله ماإلنا غيرك يا الله". وعلى رغم انعقاد مؤتمرات كثيرة حيال الأزمة السورية ضمت بعضها أصدقاء الشعب السوري وأخرى أصدقاء مع أعداء تحت قبة مجلس الأمن أحياناً، وفي الأممالمتحدة أحياناً أخرى، استطاعت الكثير من الدول التي تدعي الصداقة مع الشعب السوري المراوغة والمناورة السياسية، و"المزاوغة"من واجبها الإنساني والأخلاقي تجاه الشعب السوري المغلوب على أمره، وبطريقة فيها الكثير من البراعة الديبلوماسية. ففي البداية عرّفوا الأزمة السورية بأنها شأن داخلي لشهور، ثم خرجوا من صمتهم تحت ويل المجازر وفظاعة الدماء على شاشات التلفزيون ليعلنوا التضامن المشروط مع الشعب والانحياز لقضيته، وكانت الذريعة الموجودة دائماً"تشتت المعارضة". غياب الإجماع الدولي في مجلس الأمن هو الحجة التي أخرت كل أشكال التضامن الفعلي، فبقيت المساندة في إطار الظواهر الصوتية تخرج بأشكال مختلفة في مؤتمرات صحافية ومجالس ومحافل تضامنية لا تحرك شعرة في جفن الأسد. برز وسط هذا الصراع وضبابية المواقف الدولية موقف فرنسا المميز تجاه القضية السورية، فلربما كان واجب العشرة التاريخية خلال 25 عاماً قضاها الفرنسيون في سورية، وعلى رغم أنها عشرة مستعمر لمستعمريه، لكنها تركت آثارها إلى اليوم الحاضر، فقد كانت فرنسا سباقة في الالتقاء بالمعارضة السورية، ودعت ممثلها في الأيام الأولى برهان غليون إلى الخارجية مستفسرة منه عما يحصل في سورية وعن مطالبهم وحاجاتهم، ثم تتالت وسائل الدعم المعنوي من مطالبت الأسد بالتنحي وترك البلاد لشعبها كي يختاروا حكومتهم وأسلوب عيشهم، ودعت مجلس الأمن للاجتماع الفوري بعد أن ازداد عنف النظام وسال الدم السوري، وبعدما فشلت كل المحاولات الإجماع الدولي لجأت إلى جمع الدول الصديقة للشعب السوري في إطار جامع خارج مجلس الأمن باسم"أصدقاء الشعب السوري"، لتكون بمثابة رافعة للنضال الثوري للمعارضة السورية. لم تتوان فرنسا في ممارسة نفوذها السياسي والاقتصادي كعضو مؤثر في المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي للضغط على الدول المتحالفة مع النظام السوري، ومحاولة ثنيها عن قرارها الداعم للنظام وآلته الحربية، كما لم تتردد في حث أصدقاء الشعب السوري على الخروج من الدعم اللفظي إلى الاعتراف بالمعارضة السورية وهياكلها المنوعة، وكان آخرها الاعتراف الاستباقي بالائتلاف الوطني السوري كهيئة وطنية معارضة وممثلة للشعب السوري بعد ساعات من إعلان ولادة الائتلاف. ووقفت على مسافة واحدة من جميع فصائل المعارضة بعيدة عن الحسابات الطائفية أو العرقية أو الآيديولوجية، ويصرخ وزير خارجيتها اليوم محذراً النظام السوري من مغبة استخدام الأسلحة الكيماوية قائلاً:"سيتلقى الأسد رداً فورياً وصاعقاً". أجندات فرنسا حيال الأزمة السورية مختلفة، وتنبع من العلاقات التاريخية مع الشعب السوري ومن مبادئ الديموقراطية والإنسانية للدولة الفرنسية، ولو كان منطلق المواقف الدولية حيال الأزمة السورية نفسها لكنا اليوم في مرحلة ما بعد الأسد، إلا أن المماطلة والتخبط والتفاضلية في المصالح الدولية أضعفت معسكر أصدقاء الشعب السوري وجعلتهم في موقف لا يحسدون عليه بعد أن ازدادت وتيرة التطرف في المعارضة، واندفع الكثيرون لخطف الثورة السورية من أصحابها. تنكزار سفوك [email protected]