كان تصريح وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة الأخير حول انتخابات الأندية الأدبية، قد أعاد شيئاً من الثقة إلى صفوف المثقفين الذين فقدوا ثقتهم بالوزارة حينما بدأت تدور عجلة الانتخابات في بعض الأندية، وتدور معها بعض التجاوزات من هنا وهناك"فألف تحية إلى الوزير الذي عوَّدنا أن نكون شفافين وصريحين في طرح أفكارنا ورؤانا كمثقفين حول قضايا تمس الوطن من العمق. ومشروع تأسيس ثقافة الانتخابات في الأندية الأدبية هو مشروع الوطن بامتياز. وحرص الوزير على إنجاح مثل هذا المشروع - الذي لمسناه في تصريحه - دليل على مدى الأهمية التي يعزوها إلى ثقافة الانتخابات لتكريس اللحمة الوطنية بين النخب المثقفة"وبالتالي المثقفون بتنوع أطيافهم هم حجر الزاوية في هذا المشروع التأسيسي الذي يراهن عليه الوزير"لذلك الأضلاع الثلاثة التي يرتكز عليها المشروع الانتخابي هي: المثقفون، والوزارة كمؤسسة راعية ومنظمة للشأن الثقافي الانتخابي، وأخيراً الثقافة نفسها"باعتبارها حصيلة التفاعل الخلاق بين الفرد المثقف من جهة، وبين المسارات الثقافية التي تنتجها الوزارة من جهة أخرى. ومن أساسيات التفاعل الخلاق بين الاثنين الاعتراف أولاً من طرف الوزارة باستقلالية المثقف في آرائه ومواقفه، وإجمالاً بخطابه النقدي، وأن الشراكة معه من منظور العمل الثقافي المؤسساتي لا تضر بهذه الاستقلالية التي تميزه كمثقف. ثانياً الاعتراف من طرف المثقف بأن الوزارة كمؤسسة ثقافية لها كيانها الاعتباري، وأنها ترتكز على منظومة من القوانين والقرارات والرؤى والمبادئ التي لا ينبغي الاستخفاف بها أو تجاوزها، بل احترامها في إطار ترسيخ ثقافة القانون التي تهدف إليها الانتخابات، والعمل على توسيع دائرة تأثيرها بين الناس. وينبغي أن أشدد في القول هنا أن الاحترام لا يتعارض مطلقاً مع النقد بالنسبة للمثقف. فالاحترام قيمة مؤثرة في الرؤية النقدية للمثقف، بل أجزم بالقول أن احترام ما نحاول نقده، هو طريقنا لفهمه، ومن ثمّ طريقنا لإنتاج قراءة نقدية عقلانية هادفة حوله. انطلاقاً من هذه الرؤيا التي هي من الضرورة بمكان بحيث تتيح لي أن أوضح جملة من الأمور فيما يخص انتخابات الأندية. أولها: عندي قناعة تامة تقول: على المثقف أن يتوجه في نقده إلى الأفكار والظواهر والأنساق والسياقات وليس إلى الأشخاص بعينهم. ولكن هنا السؤال: هل يمكن تطبيق ذلك في كل الأحوال؟ لا أجد ذلك ممكناً فيما يخص الانتخابات"فعندما ألقي باللائمة على الوزارة وأصمت، فهذا هروب إلى الأمام. أليست الوزارة تضم هيئة من كبار موظفيها وأيضاً من صغارها! لذلك عندما نرفع أصواتنا محتجين بالقول: مَنْ المسؤول عن التجاوزات الكثيرة التي حصلت في بعض الانتخابات؟ فنحن نعني بالدرجة الأولى اللجنة المشرفة على الانتخابات، وعلى رأسها وكيل الوزارة للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان. إن أقل التجاوزات التي رصدناها هي إهمال أبسط حقوق المرشح الذي لم يصل إلى المجلس، وذلك في معرفة عدد الأصوات التي حصل عليها"لأن معرفة قوائم المرشحين إلى جانب الأصوات التي حصلوا عليها هي أحد أهم المؤشرات التي تدل على التوجه الثقافي لأي مجتمع كما يقول الدكتور عبدالله الغذامي، ناهيك عن التجاوزات الأخرى التي أشير إليها في حينها في بعض الصحف. وإن كنت أرى أن كلمة"تجاوزات"لا تعبر تعبيراً دقيقاً عما جرى بالتحديد في انتخابات الأحساء. عموماً لا أريد الاسترسال في هذا الجانب من الموضوع، لكن ما أريده من جانب آخر، هو رصد ردات الفعل من المشرفين على الانتخابات، على ما ذكرناه من نقد صريح حولها. كنت متوقعاً من وكيل الوزارة أن يتسع صدره للنقد، وهو مطلوب بالضرورة لتصحح الانتخابات نفسها من الداخل، وليس مطلوباً التجريح"حتى لا نقع في مهاترات ومماحكات نحن في غنى عنها"وبالتالي أن يهتم شخصياً بوجهة نظرنا بعيداً عن المسائل القانونية في طريقة الاحتجاج المتمثلة في الطعون"لأنها تمثل بالنسبة لنا دليلاً إضافياً على حرص الوكيل على أخذ وجهات النظر المختلفة عن الانتخابات، بما يخدم مصلحتها في النهاية، ويصب في ارتفاع منسوب نجاحها. لكن - للأسف - فإن ما حصل هو إيصال رسائل تتضمن ترغيباً مرة، وأخرى تهديداً، إلى بعض المعترضين"كي يحجموا عن إبداء آرائهم ويصمتوا. ليس من مصلحتك الشخصية أن تعترض"لأن هناك رحلات ثقافية خارج المملكة ستحرم منها، وحتى داخل المملكة لن تدعى إلى أي محفل ثقافي تقيمه الوزارة. هل يعقل مثل هذا المنطق الذي يمارس ضد المثقف؟! مِنْ مَنْ يا ترى؟! من وزارة الثقافة التي من أولوياتها مراعاة شؤون المثقف واحتضانه مهما كان نقده قاسياً عليها كما تراه. أخيراً ألا يحق لي ولغيري من المثقفين الذين على الأقل خدموا في مجالس الأندية السابقة، أن يطرحوا آراءهم وفق قناعاتهم ووفق خبراتهم التي اكتسبوها من خلال العمل داخل هذه المجالس من دون شخصنة هذه الآراء، ومن حقهم أيضاً أن تناقش آراؤهم من دون حساسيات ولا توترات؟!