هذه هي المعادلة اللبنانية. تشهر قبضتك ثم تمد يدك مصافحاً. تطعن جارك ثم تسارع الى تقديم الضمادات. تدفع شريكك الى الهاوية ثم تمد له الحبل. تحاول إغراقه ثم تكتشف متعة السباحة معه. تعزله ثم تفتح له نوافذ قلبك. تصمه بالخيانة ثم تعانقه في رحاب الوطنية. تعيّره بالانتماء الى محور الشر ثم ترى الخير في احتضانه. قصص حب كلاسيكية. سوء تفاهم تحت سقف الزواج القسري. شجار وكلام قاس. ثم تحطيم الأواني ورمي الخواتم. لكمات وإشهار طلاق وتخريب السقف والجدران. وحين تبلغ اللعبة أقصاها يسترجع العسل مواسمه. العتاب صابون القلوب. وقدرنا ان نتعايش. وان نفهم الآخر ويفهمنا. لا الحرب تغير. ولا الانتخابات تغير. سجن القدر هذه المجموعات المتنافرة على مسرح ضيق. الطلاق مستحيل. التفاهم الكامل متعذر. وتاريخ البلاد دورات من الغرام والانتقام. هذه هي المعادلة اللبنانية. تسقي شريكك كأس السم. تتوهم انك تخلصت منه. ثم تراه ينهض. يسقيك من الكأس نفسها. ويتوهم انك انتهيت. ثم يراك تنهض. تتعاتبان وتتفقان. بثلث معطل أو من دون ثلث. تشكلان «حكومة الانتقام الوطني» وتسمّيانها وفاقية. وعلى طاولة مجلس الوزراء تنوب الحناجر عن الخناجر. كم سمعتك تقول ان نبيه بري اغلق مجلس النواب. وأخذ المفتاح الى دارته في المصيلح. وامتنع حتى عن جمع المجلس لتأبين شهيد من أعضائه. وانه لم يكن مجرد مدعو في وليمة 7 ايار (مايو). ورأيتك امس تنتخبه. وحسناً فعلت. كل خيار آخر كان سيفتح ابواب الفتنة. اختارته طائفته فلا مجال لكسر ارادتها وان توافرت الأصوات. التغيير العميق الذي اصاب طائفته الكريمة غيّر قواعد اللعبة والنظام. ضاعف الحاجة اليه. انه مشكلة احيانا. وصمام امان في غالب الأحيان. بارع. يعرف اللعبة. قصة السقف وكيف تتبدل الرياح. ليس الاقوى في طائفته لكن الاقوى يحتاج اليه. ولا بد منه للخروج من المأزق. اثبت «الاستاذ» انه «الاستاذ». حسناً فعلت. لم يكن امامك غير الكأس فشربت. وأنت الآخر كم سمعتك تقول ان الحريرية مأساة. وانها افسدت البلاد والعباد. وان همك الاول. تحرير البلاد منها. وطي صفحتها. ولوحت بإجراءات وتحدثت عن محاكمات. ولاحظت انك لم تجرؤ على تسمية آخرين كانوا شركاء فاعلين منذ التسعينات. استوقفتني هذه الشجاعة العوراء. هذا الضعف المقصود في البصر. وقلت ان صناديق الاقتراع ستقول كلمتها. وان الأكثرية الوهمية لن تعود. وانها كانت صنيعة المطابخ الاقليمية والدولية. ثم تحدثت الصناديق وفجعتك. اسقتك كأس السم. وها أنت تحاول تعزيز حصتك في حكومة برئاسة سعد الحريري. تتذرع بضرورة المراقبة لتبرير المشاركة. سقيتهم كأس السم فسقوك. كم كان اجدى لو رحمت صورتك قليلاً. لو رحمت البلد قليلا. لو خفّضت معدل التخصيب. لو فعلت باكراً لكنت الحل والمرجع. اطرد مستشاريك. في المعادلة اللبنانية لا بد من كأس السم. وهي ليست قاتلة. وتساهم احياناً في زيادة المناعة. وظيفتها تذكير من يسرف في الانتصار. ومن يذهب بعيداً في الأوهام. مهمتها منع الانقلابات الكاملة. يتجرع السياسي هذه الكأس في طائفته. او يتذوقها من يد طائفة اخرى. هذه هي المعادلة اللبنانية. اسألوا نبيه بري. ووليد جنبلاط. وميشال عون وسمير جعجع. كأس السم جزء من الوفاق الوطني. عليك ان تلعب مع من لا تحب. وان ترقص مع من تكره. وان تغازل من لا تستسغ. تسقي وتشرب. من اسقوا البلاد السم باغتيال رفيق الحريري يستعدون لتجرع السم. زعامة نجله سعد اوسع وأصلب. كلامه أشد وضوحاً. ترسانة علاقاته العربية والدولية ليست بسيطة. لم يكن ثمة خيار غير بري. ولا خيار غير سعد. طائفته بايعته والصناديق انتخبته. ساهمت سنوات القسوة في تصليب هذا الملاكم الشاب. حوّلته قطبا وعلمته أسرار المعادلة اللبنانية. رئاسة الحكومة اللبنانية تلزم شاغلها بتجرع بعض السم خصوصاً حين يكون اسمه سعد الحريري.