معاناتهم طويلة، وصراعهم مع المرض يتجدد مع كل إطلالة فجر جديد ولا يتوقف. هم مرضى الفشل الكلوي، ومأساتهم المستمرة إلى الأبد تتوج ب"الغسيل الدموي"، وأجهزته الباردة الحادة التي فرضت عليهم الالتصاق بها ساعات طوال، من أجل البقاء. وكأن ما بهم لا يكفيهم، لتزيد معاناتهم بمواعيد مضطربة وأطباء غائبين، وتجهيزات غير مكتملة، بحسب ما رصدته"الحياة"خلال جولة لها على مركز وحدة الكلى في مستشفى الملك فهد في جدة، حيث التقت عدداً من المرضى الذين كانوا ينتظرون دورهم لإجراء الغسيل المعتاد. وبرزت من مطالب لمرضى الذين التقتهم"الحياة"زيادة عدد الأطباء في المركز، والرغبة في سرعة الانتقال إلى المبنى الجديد. وذكر أبو خالد 60 عاماً أنه يعول أسرة مكونة من 21 فرداً، ويعيش في صراع دائم مع الفشل الكلوي منذ نحو سبعة أعوام، مضيفاً:"رافقني المرض خلال السنوات الماضية، ولكنه على ما يبدو بدأ يؤثر علي سلباً في الأيام الأخيرة، فأصبحت أتعب أكثر من السابق ولم أعد أستطيع حتى الصلاة قائماً". وزاد:"مرضى الفشل الكلوي مرتبطون بمواعيد غسيل تصل إلى أربع مرات في الأسبوع، وبعضنا يجد في الصيام مشقة وتعباً". وفي داخل ممرات المستشفى كانت أم محمد الأربعينية جالسة، تنتظر بإرهاق من صارع طويلاً ولا يزال، مشيرة إلى أن معاناتها متواصلة منذ ست سنوات بعد إصابتها بالفشل الكلوي جراء ارتفاع ضغط الدم، حتى أصبحت عاجزة عن الحركة. وقالت:"أراجع المستشفى ثلاث مرات أسبوعياً للغسيل، ولكن مشكلتنا نحن المرضى تكمن في عدم وجود عدد كاف من الأطباء، وأحياناً يتأخر الطبيب عن موعده، فنضطر للذهاب لاستدعائه"! وبالقرب منها ترقد خلود التي لا تزال تسير في ربيعها الثاني من العمر، حيث تجري عملية"غسل دموي"، موضحة بصوت منهك أنها أصيبت بمرض الفشل الكلوي قبل ستة أعوام، بعد أن تزوجت وأنجبت طفلتين، مضيفة:"أنهكني المرض وأبطأ كثيراً من حركتي، نحن نعاني كثيراً، ويزيد معاناتنا، عدم وجود العدد الكافي من الأطباء هنا، فالمريض منا يزور السرير الأبيض ثلاث مرات في الأسبوع للخضوع للغسل الدموي، وبحاجة إلى رعاية دائمة ومتوافرة". وطالب مرافق أحد المرضى فضل عدم ذكر اسمه بإعطاء مواعيد مناسبة للغسيل تراعي ظروف المرضى والتزاماتهم الأسرية، مبدياً استغرابه من إعطاء المرضى السعوديين مواعيد غسيل بعد منتصف الليل، فيما يعطى غير السعوديين مواعيد"في أوقات مناسبة بين ال10وال 11 مساء"، علاوة على إدخال بعض المرضى في غير مواعيدهم المحددة مسبقاً. وأشار إلى أن المركز"يفتقر للخدمات الإنسانية والممرضات السعوديات، ما ينتج منه إحراج كبير، خصوصاً للمرضى كبار السن الذين لا يجيدون اللغة الإنكليزية، إضافة إلى عدم وجود أطباء متخصصين، إذ نادراً ما تجد طبيب خدمة في الطوارئ. وأكدت إحدى مسؤولات المركز الدكتورة نهلة العقيل نقص الكوادر الطبية في المركز، مقرة بحاجته إلى زيادة في أعداد الأطباء، وبعض أعمال الترميم. وأوضحت ل"الحياة"، أن مجموع مرضى المركز يصل إلى 640 شخصاً، في حين يتم إجراء غسيل كلوي لأكثر من 200 مريض، إلى جانب عمل القسم الخاص بالتثقيف، الذي يثقف المرضى بطبيعة معاناتهم، مع إعطائهم نظاماً غذائياً كلاً بحسب حاجته. ولفتت العقيل إلى أن أكثر الفئات تعرضاً للإصابة بمرض الكلى هم الذين يعانون ارتفاعاً في ضغط الدم أو نسبة السكر، مشيرة إلى أن أكثر الأعمار المتوسطة هي أكثر الأعمار عرضة للإصابة، في حين تتنوع أسباب الإصابات بين ارتفاع ضغط الدم والسكر والتهابات الكلى المختلفة وغيرها. وقالت:"يجب على مريض السكر احتواء مرضه وتنظيمه، وكذلك الحال بالنسبة لمريض الضغط"، منوهاً بأهمية متابعة هذين المرضين في العيادات بشكل دوري، والتركيز على العامل الوراثي في الإصابة بمرض الفشل الكلوي.