سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
وصفوا رحيل الثبيتي بالخسارة الكبيرة ... وجموع غفيرة صلّت على جثمانه في المسجد الحرام . مثقفون : سينتظر أبناؤنا ألف عام ... حتى يخرج من رمال "الجزيرة" شاعر في قامة "سيد البيد"
أدت جموع غفيرة صلاة الميت على جثمان الشاعر السعودي الراحل محمد الثبيتي 1952 - 2011 في الحرم المكي الشريف بعد ظهر أمس السبت، ووري جثمانه في مقبرة المعلاة بمكةالمكرمة. وتستقبل أسرته العزاء في منزله الكائن في منطقة جبل النور. وكان المثقفون فجعوا في ساعة متأخرة من مساء الجمعة الماضي، برحيل الشاعر الأهم في الشعر السعودي المعاصر بعد أن وافته المنية في أحد مستشفيات العاصمة المقدسة مكةالمكرمة، إثر أزمة صحية ألمّت به. وكان الراحل قد أصيب بجلطة دماغية قبل عامين بعد مشاركته في الفعاليات الثقافية السعودية في الجمهورية اليمنية. وجاءت وفاة الثبيتي بعد أن قدم تجربة شعرية ناضجة رسخت حداثة شعرية لافتة وراهنت على القدرة الكبيرة التي يمتلكها الشعراء السعوديون في النهوض بالشعر العربي المعاصر، وإخراجه من المحلية للعالمية بكثير من الابتكار والتجديد. وأكد نجل الراحل نزار الثبيتي إن والده أصيب بجلطة ثانية مفاجئة وشديدة في وقت متأخر من مساء الجمعة الماضية، فقد على إثرها الوعي تماماً، ثم حملته سيارة الإسعاف إلى مستشفى الششة بمكة وجسده صامت حتى وصوله إلى بوابة المستشفى، إذ وافته المنية هناك". أعاد شعره قراءة التاريخ والهوية وقال الناقد سعيد السريحي، والدموع في عينيه: انتظرناه ألف عام لكي يأتي، وحينما جاء لم يقم معنا طويلاً انتظرنا شاعراً يعيد شعره قراءة تاريخنا وهويتنا وإرثنا العربي ويقرؤه بتفرد الرؤية التي تجعل المعاصرة حاضرة في قلب الإرث، وتجعل الإرث حاضراً في قلب المعاصرة. الثبيتي لم يحقق هوية فحسب وإنما حقق لنا الهوية التي نترامى إليها: أن نكون عرباً ونكون معاصرين في الآن نفسه. محمد الثبيتي سيد البيد حينما تصبح البيد مصدراً ثريا لتلك الرؤية الشعرية التي نشتم فيها رائحة كل نبض عربي يربطنا بأسلافنا الممتدين، إلى ما قبل التاريخ يحضر فيها البابلي والقرين والمغني والرموز العربية، غير أنها جميعها تحضر لكي تعبر عن همنا الذي نحياه ورؤيتنا التي نرى بها الكون والعالم من حولنا. انتظرنا محمد الثبيتي ألف عام وسينتظر أبناؤنا ألف عام قادمة لكي تُخرج لهم رمال الجزيرة شاعراً في قامة محمد الثبيتي". واعتبر الشاعر عبدالرحمن الشهري رحيل الثبيتي"خسارة كبيرة في المشهد الشعري في السعودية، إذ كان للثبيتي الدور الكبير في تجديد الشعر السعودي وتقديم الحداثة في القصيدة بالصوت الذي يمثله هو وحده، دون أن يكون نسخة مكررة من أقرانه أو ممن سبقوه من الشعراء العظام". وزاد:"لم يكد يحل العام الجديد إلا وتفاجأ الجميع برحيل الشاعر الكبير رحمه الله، وألهم أهله الصبر والسلوان". وقالت الناقدة أمل القثامي إن رحيل الثبيتي"خسارة لا يمكن تعويضها. فمحمد الذي قال أول بيت له:"إذا جاد الزمان لنا بيوم وصالاً جاد بالهجران عاماً"هو من قال:"ستموت النسور التي وشمت دمك الطفل يوماً وأنت الذي في حلوق المصابيح أغنية لا تموت"، رحمك الله يا محمد فموتك موت للنخيل وللصحراء وللشاذلية". وأكد القاص فهد الخليوي أن رحيل محمد الثبيتي،"سيترك فراغاً كبيراً في المشهد الثقافي والأدبي السعودي، وكل ما قدمه الراحل لم يكن يمثل هويته وحده فقط بل هوية عربية بكاملها فقامته الشعرية التي تجاوزت الآفاق عززت مكانة الشعر العربي في خريطة الأدب العالمي، ونسأل الله له الرحمة وأن يلهم أهله الصبر والسلوان". ستارة سوداء وقال الشاعر أحمد قران الزهراني:"لن يكون يوم ال14 من كانون الثاني يناير يوماً عابراً في تاريخ الشعر السعودي والعربي، وهو يسدل ستارة سوداء على مسرح شعري فريد، تميز بعطاء لا يشبهه عطاء، وبلغة جديدة خلقت من لغة، وصورة شعرية جاءت وكأنها لم تكتب إلا من خلاله، لن يمر هذا اليوم دون أن ترى الأجيال الثقافية القادمة هذه الستارة السوداء التي أسدلت على رمز شعري سعودي، حمل بين جوانحه تغيير اللغة والصورة والنمط الشعري ليحدث ثورة في الشعر العربي، ويكون حالة التحول في مشهد تأرجح بين القديم والحديث، حتى جاء محمد الثبيتي ليرسي مفهوم النص الحداثي أو النص الجديد بلغة شفيفة وصورة فاتنة، هذا اليوم يودع الشعر سيد البيد ويودع لحظة شعرية قد لا تتكرر، حتى وإن تعددت الأصوات. محمد الثبيتي في تضاريسه الشعرية جاء ليقول إن الشعر ليست الكتابة السهلة وليست اللغة الاعتيادية وليست الصورة المستهلكة. هكذا يرحل محمد الثبيتي مستعيراً بيت أبي الطيب المتنبي: أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم". رحل محمد الثبيتي وترك لنا إرثاً شعرياً نفاخر به أقراننا من شعراء الوطن العربي، ولكم ظلمنا الثبيتي حين لم نصدره إلى الآخر كما صدرت تونس الشابي وكما صدرت سورية نزار والماغوط وأدونيس وكما صدرت فلسطين محمود درويش، وكما صدرت مصر أمل دنقل وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي. كان بإمكاننا أن يكون الثبيتي رمزاً ثقافياً لوطن يجب عليه أن يرمز مبدعيه. رحل الثبيتي وقصيدته تبلل أرواحنا، وتختلط بدموع لا تتساقط إلا مع صوته الرخيم هو الثبيتي الذي نادانا ذات يوم قائلاً:"أدر مهجة الصبح صب لنا وطنا في الكؤوس يدير الرؤوس"لله كم أدرت رؤوسنا يا سيد البيد... فدم حياً بعطائك الإبداعي ودم حياً في مثواك الأخير". فيما قال الشاعر محمد إبراهيم يعقوب:"حقيقة خسارة عظيمة لحقت بالشعر العربي برحيل الشاعر الكبير محمد الثبيتي رحمه الله، لا أدري هل نعزي عائلته أم نعزي أنفسنا أم نعزي الشعر. لقد كان الشاعر رمزاً شعرياً كبيراً ولا شك، ولا أعتقد أن شاعراً حديثاً في المملكة لم يقف عند هذه التجربة الثرية الفذة، ولم يتأثر بها. إنه سيد البيد، وعاشق الزمن الوردي وعرّاف هذا الرمل رحم الله الفقيد وألهم أهله الصبر والسلوان". ولفت الشاعر أيمن عبدالحق أن الراحل"فارس الإبداع والتجديد، وترك إرثاً شعرياً استثنائياً. الثبيتي تهجى حلماً للشعر فأصبح مشروعه الشعري صحواً يتهجى... قوافل الشعراء من بوابة الريح. رحل الثبيتي وبقي الألق في قصائده إشعاعاً يغوي سابلة الحرف وفراشات الفن المحلق. فلا هم من يخافوا وهج النار ولا يستطيعون التوقف عن إنهاء المشوار". وأبدى الشاعر محمد حبيبي عتبه على وزارة الثقافة"التي لم تستطع إسعاف مريض". وقال الشاعر حسن الصلهبي:"لقد خسر المشهد الشعري السعودي أحد أهم رموزه وهو الشاعر الكبير محمد الثبيتي، ولكنه قبل أن يودع هذه الحياة الفانية كان قد أسس لجيل شعري مبدع يحمل الراية من بعده لا على مستوى الحداثة فحسب، وإنما على كافة المستويات الإبداعية والشعرية". وما يخص قصيدة الشعر الجديدة التي تنطلق من أعماق الحداثة، ولكنها لا تتنصل من جذورها الغائرة في التراث. محمد الثبيتي ليس الشاعر الذي ننعاه لأنه خالد في قلوبنا وفي شعرنا حتى وإن ضمه الثرى - رحمة الله عليه - إلا أننا نتنفس من هواء شعره ونستضيء بقناديل إبداعه، ولا يجب أن تترك هذه الفرصة دون مناشدة أبناء الثبيتي البررة من الشعراء، على المواصلة في حمل الراية والإصرار على التقدم والأخذ بيد القصيدة السعودية إلى آفاقها العربية والعالمية، لأن هذا هو خير ما يمكن أن يبر به هذا الفقيد العزيز، أسأل الله أن يرحمه ويرفعه في جناته ويلهم أهله وذويه وكل محبيه الصبر والسلوان". حياة في سطور ولد الشاعر محمد الثبيتي في الطائف، وحصل على البكالوريوس في علم الاجتماع، وعمل في وزارة التربية والتعليم. وفي رصيده الشعري:"عاشقة الزمن الوردي"،"تهجيت حلماً تهجيت وهماً"،"بوابة الريح"،"التضاريس"،"موقف الرمال". وكان النادي الأدبي في حائل أصدر أخيراً أعماله الكاملة في مجلد واحد، يضم جميع إنتاجه الشعري. وحصل الراحل على عدد من الجوائز. الجائزة الأولى في مسابقة الشعر التي نظمها مكتب رعاية الشباب في مكة سنة 1397 عن قصيدة"من وحي العاشر من رمضان"، وجائزة نادي جدة الثقافي عام 1991 عن ديوان"التضاريس". وجائزة أفضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عام 2000 عن قصيدة"موقف الرمال... موقف الجناس". وجائزة ولقب"شاعر عكاظ"عام 2007 في حفلة تدشين فعاليات مهرجان سوق عكاظ التاريخي الأول. شمعة انطفأت الشاعر الكبير محمد العلي قال إنه صعق حال سماعه الخبر، مضيفاً أنه من المؤسف"أن الكبار أو المبدعين، لا نشعر بهم، وبفداحة صنيعنا معهم، إلا إذا توفوا. الموت هو الطريقة الوحيدة لأن يعترف المجتمع بالمبدع، وهذا شيء فاجع، وشيء تاريخيا يؤسف له، لأن هذا يدل على اللا مبالاة بأي مبدع. والثبيتي فقد في حياته، وفقد قبل أن يتوفى، لم يلتفت إليه أحد، حتى في مرضه، حتى وهو مريض حورب، وأخرج من المستشفى، هذا شيء لا يصدق، شيء غير معقول، على رغم كونه رمزاً شعرياً عربياً، وليس محلياً فقط، بل هو رمز شعري عربيا ككل، لكن ماذا تصنع؟ ماذا تقول؟ الثبيتي حورب في حياته، لم يكن يملك شقة، ولم يكن يملك سيارة، ودائماً مدين، كما رحل وهو مدين، وعائلته على كف الرياح، ألم يكن هذا حرباً؟ وثانياً، أن يخرج من المستشفى في الرياض، من دون أن يشفى، ويترك إلى أن يموت في بيته، أليست هذه إهانة؟ الثبيتي كان شمعة تم إطفاؤها، وللأسف طالبنا كثيراً برابطة أو اتحاد، لكن من يسمع؟ لا رأي لمن لا يطاع. وكتب الشاعر علي الدميني في موقعه"منبر الحوار"، أن الثبيتي"واحد من أعظم شعراء العربية على مر التاريخ. وقد فقدناه وهو لم يزل في قمة عطائه وتألقه الإبداعي. شاعر يمتلك الأدوات الفنية المكتملة لإبداع نص شديد الخصوصية والتميز والإدهاش، مثلما يمتلك الرؤية التقدمية والحس الوطني والبعد الإنساني، الذي يتسلل إلى قلوبنا كلما قرأناه أو استمعنا إليه وهو يرتل علينا فيوض نصوصه، أو كلما أشعلنا قناديل الذاكرة لاستعادة حالاتها. لقد حورب الثبيتي مبكراً منذ"مجزرة الحداثة"عام 1987 وما بعدها، وحورب بعد ذلك وانتهكت كرامته الإنسانية بتواطؤ العديد من الجهات. ولعله واجه الحرب حتى في آخر ساعاته، ذلك أنه ومنذ إصابته"بالجلطة"، قام الإهمال بدور ذلك العدو المفترس، إذ أسهمت فيه الأطراف كافة التي تعاملت مع حاله. وذلك ما يدعو لا إلى الحزن والرثاء وحسب، وإنما إلى الإدانة أيضاً. ومع كل ذلك فإن محمد الثبيتي الشاعر والإنسان، رسم لوحة خالدة، لم تستطع الحروب الظلامية أن تنال من عظمتها، ولن يكسرها الموت ولا النسيان، إذ ستبقى فناراً عالياً، يتأمله محبو الشعر والوطن والحرية، عبر كل الأزمنة وتعاقب الأجيال، وسنبقى نغني معه دائماً:"أدر مهجة الصبح/ صبّ لنا وطناً في الكوؤس". ووصف الدكتور مبارك الخالدي رحيل الثبيتي بالمحزن جداً وقال:"منذ بداية مرضه ونحن في حال حزن عليه، وكأننا نشعر بقرب رحيله عنا، ومن المفجع بالنسبة لنا، انه لم يحظَ بالاهتمام الذي يستحقه كشاعر، وكقامة شعرية وطنية، محلياً، وعلى المستوى العربي أيضاً. محمد من وجهة نظري من أبرز الشعراء السعوديين وأكثرهم تميزاً كشاعر، له صوته الشعري المتفرد، ومن الشعراء السعوديين القلائل الذين حفظنا قصائدهم ومنها:"التضاريس وسيد البيد"، والتي أرجع إليها كثيراً لما تحوي من فرادة شعرية، محمد كما أعتقد شاعر حداثي، كتب القصيدة الحداثية الشعبية، والتي يتقبلها حتى من اعتاد على تذوق وسماع القصيدة التقليدية، هذه ميزة محمد بأنه يمتلك قاموسه الشعري الخاص به والمميز. محمد بمفردة يعد طبقة شعرية، لم أر شاعراً آخر يشبهه في صوته الشعري الخاص جداً، محمد شاعر لا يعوض من دون شك، وبقدر حزني على محمد، وبقدر حبي له، أقول إن من حق المواطن في هذا البلد الثري، البلد الذي وصل خيره إلى جميع أصقاع الأرض، أن يحظى برعاية لائقة. وأشير إلى أنه قبل فترة عقد لدينا مؤتمر حول دعم المملكة للدول الأخرى. أعتقد أن وطن مثل هذا يجدر به أن يوفر أرقى خدمة صحية لأبنائه، المواطنين، المبدعين وغير المبدعين، المثقفين وغير المثقفين. وبهذه المناسبة الحزينة، أجدد المطالبة بتكوين رابطة أو اتحاد للكتاب، يكون بمثابة التشكيل النقابي يرعى شؤون الكتاب، ويطالب بحقوقهم، وتحسين أوضاعهم، إضافة إلى الأدوار الأخرى التي يمكن أن يقوم بها، وفي الأخير أقول بأن محمد كان يستحق عناية أكبر من تلك التي قدمت له، وأعتقد أنه لم يمنح ذلك، على قدر أهميته كرمز شعري، ولا يسعني إلا أن أدع له بالمغفرة، وأن يسكنه الله فسيح جناته".