على رغم أنني دائمة الشكوى فهذا لا يعني أن تصدقوني، فالتذمر والشكوى والنق ما هي إلا عادات تأصلت فيّ. وعلى رغم أنني أفقد أعصابي على الكبيرة والصغيرة ولا أشعر بالخجل وتأنيب الضمير وتأديب الذات إلا أنني أنصحكم بعدم أخذ عصبيتي على محمل الجد، لأنها دلع. أريد كل شيء وأريده البارحة وفي المقابل لا أريد أن أعمل أو أقدم أي شيء، لا ويا ويل اللي يعاديني يا ويله ويل. دلوعة ومشكلجية وبكاية! وهكذا انتشرت العدوى بيننا. صرتم كلكم أنا. الجميع يتذمر ويشتكي ويئن ويعصب وينرفز ولحد هنا وبس. افرح يا أخي شو بدّك أحلى من هيك بلد. العالم غرق في الأزمات المالية وفلست بنوكه وقفلت دكاكينه وكل يوم ويخزي العين مولات تفتح في السعودية ومطاعم وسوبر ماركتات وماركات عالمية ومحلية وبضائع مستوردة وكل شيء واضح ومرقم ومسعر ومرتب، ويقول لك: ما فيه فلوس! في المقابل ما ان تقول إجازة إلا والجميع"فريرة"حتى الكسول واقف على حجوزاته ويتابعها ليحصل على مقعد في الطائرة ولو في حضن راكب، سواء كان متجهاً إلى الغرب أم إلى الشرق أو محلياً إلى جدة أو الطائف أو أبها. ويخزي العين البنوك متينة وكذلك شركات الأغذية والتأمين خصوصاً الطبية، فالجميع قد انضم إلى قافلة التأمين، وكل شركات الاتصالات وهي نائمة تزيد أرباحها، لأن الجميع سهران على الجوالات والبلاك بيري والفيس بوك. أما شركات الإعلان التلفزيونية فيكفيها أن تبث إلى السعودية لتعيش مية مية، وكل يوم تفتح مدرسة وجامعة واللي عايز يتعلم في الخارج يأخذون له بعثة كمان والمتزوج هو والمدام، إلى درجة أن نفسي راودتني مرات ومرات أن أقدم طلب ابتعاث لبلد حلوة، أهو أشم هوا ومنه أتعلم، ما الحكومة دافعة السكن والإعاشة والتعليم وتذكرة الطيران، يعني وقفت على سعر فنجان قهوة من جيبي؟ لا ما حدا يبغى يدفع من جيبه والكل لازم يشتكي من الملحق الثقافي أو وكيل الوزارة أو أي أحد! وأزيدك عن الأمن وما سمعته من أمي آلاف المرات، الصحة في البدن والأمن في البلد والصلاح في الولد، هذه هي السعادة. كانت دائماً ترددها على مسمعي ليل نهار. لم أشعر بما قالت حتى كبرت وخبرت الدنيا ووجدت نفسي في هذا الشرق الأوسط الملتهب المضطرب والحروب تأكله وأكثر شباب العرب عند أبواب السفارات والقناصل وحتى بعض الذين لم يحالفهم إلا سوء الحظ، ركبوا البحر وحاولوا التسلل إلى أي وجهة بحثاً إما عن الأمان أو لقمة العيش ولله الحمد أنا أقف عند السفارة للنزهة. ولكن عيبي أنني أريد لنزهاتي مال قارون، لأنني نسيت كلمة ستر ومستور ومستورة. فالزوجة اليوم لا ترضى بزوج من دون شقة وسيارة وكريدت كارت مفتوح، وإن رضيت بنت الحلال انعكست الآية فصار هو من يتفرعن ومش عاجبه. معليش الكل يا أخي مش عاجبه، حتى المقيم أخذ العدوى وبطل عجبه وعجبي! ذاك اليوم صادفت عاملاً اشتكى وبكى من راتبه، فسألته ألم تمض عقد عمل في بلدك قبل أن تأتي هنا؟ أجاب نعم وكنت راضياً، لكن ما إن أتيت إلى هنا حتى وجدت العز والرز وأن العامل في الدكان الآخر يأخذ زيادة عني. يا سلام على المنطق! طيب قلت له: هل طالبت بزيادة؟ أجاب: نعم ولكن المدير قال لي: منذ متى وأنت في القصر، قلت أمبارح العصر. صدقاً نحن في قصر، كلنا إن كنا نعيش في الأكواخ أم الشقق أم الفلل أم القصور إلا أننا في قصر المملكة العربية السعودية أدام الله عزها. نعمة لم نعد نقدرها، لأن الإعلام وحب المال والطمع خربط رؤوسنا، وإلا قل لي لماذا من يأتي إلى هذا البلد من أي جنسية كانت لا يتركها! ولو سألته أن يمشي من الباب دخل من الشباك. أوعى يا شاطر وتوعى وخلي بالك على بلدك وأمنك ورزقك وأهلك وتذكر: بالشكر تدوم النعم والحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً. خلف الزاوية ليس بين السعادة والشقاء أكثر من نفس ليس بين الحب والكراهية أكثر من نفس فلنبقي على ما بيننا على هذه النفس التي تجمعنا [email protected]