سجل اللاعب هدفاً فخرّ ساجداً تعبيراً عن فرحه، هذا كل ما في الأمر، غير أن بعض الأقلام أرادت أن تجعل من هذا الأمر الصغير أموراً كبيرة، فبنتْ عليه أوهاماً وظنوناً بحجم الجبال، ورأتْ فيه توظيفاً دنيوياً خطيراً إي وربي رأته خطيراً! وخصومياً، مقصوده إغاظة جماهير النادي الخصم، واستُحلبت لأجل هذه السجدة العابرة فتاوى كثيرة... المفارقة العجيبة هنا: أن الذين كانوا يستنكرون استصدار الفتاوى في بعض العادات اليومية والحوادث العابرة، ويعدون ذلك من التشدد وتضييق مجاري الحياة على الناس، ويستنكرون أن يُزجّ بالدين في كل قضية، هم أنفسهم الذين يريدون أن يضيقوا على اللاعبين مساحة الملاعب الواسعة أن تتسع لسجدة عابرة! وهم أنفسهم الذين توهَّموا فيه توظيفاً دنيوياً وخصومياً، بل تجاوزوا ذلك إلى الطعن في نية من يفعل ذلك من اللاعبين. ولو أن أحد المحسوبين على التيار الديني فعل هذا، فابتدأ استنكارها أول مرة لرُمي بهذه التهمة..تهمة التحجير والتشديد والطعن في النوايا! القضية لا تستحق كل هذا التوجس والاستنكار، ولا كل هذا الاشتغال، ولكن قضية أن تحصل هذه المفارقة من أولئك الذين يستنكرون هذا المنهج من غيرهم، ثم يقعون فيه، هي القضية التي تستحق أن يُلتفت إليها هنا... تابعوا ما يستنكره هؤلاء هذه الأيام من فتاوى تحرم الاحتفال بعيد الحب، ثم تأملوا بأي شيء يتحججون؟ إن أكبر ما يتحججون به هو أن هذا تشديدٌ في مسألةٍ عابرة لا تعدو أن تكون شارات ومظاهر عفوية للتعبير عن مشاعر وجدانية جميلة! وعلى هذا نقول: فما بالها سجدات اللاعبين ليست كذلك؟! ربما تذرّع بعضهم للتفريق بين المسألتين بأن السجود عبادةٌ، والقاعدة في العبادات أنها توقيفية أي موقوفة على ما جاء في الشرع . وفي هذا التفريق نظر ظاهر، فسجود الشكر ليس كسجود الصلاة، ولا كسجود التلاوة من كل وجه"حتى يصح فيه كل هذا التشديد، فسجود الصلاة وسجود التلاوة عبادتان موقوفتان على الشرع، سببهما شرعي محض، أما سجود الشكر فرمزٌ للتعبير عن شكر نعمةٍ من النعم الدنيوية أو الدينية، إن صلحت فيها النية عملاً بالسنة فالساجد بها مأجور، وإلا فهي حركةُ تذللٍ وشكرٍ لله سبحانه. ولو أن مسلماً قصد أن يسجد لله غير السجدات الشرعية المرتبطة بأسبابها المشروعة رغبةً منه في الخضوع لله والتذلل له والانطراح بين يديه"ليدعو، أو ليشكر، فهل يُرمى في ذلك بالبدعة؟ على أنه قد وقعت في هذه المسألة أوهامٌ من بعض الباحثين تحتاج إلى تصحيح، فاللاعب لم يُرِدْ بسجودِه صلاةً حتى نشترط عليه شروط الصلاة"كالطهارة واستقبال القبلة وستر العورة كما افتى بذلك بعضهم ، إنما هي لحظة تعبيرٍ عن فرحة بسجدة شكرٍ عابرة، فكان ماذا ؟! ربما لم يُرِدْها اللاعب عبادةً محضة بقدر ما كان يريدها رمزاً وشعاراً يفتخر به، أوليس في السجود لله مفخرة للمسلم؟! كما توهم بعضهم أن سجود الشكر لا يكون إلا على حصول شيء من النعم الدينية"كحصول التوبة أو إتمام حفظ القرآن، فتبع هذا الوهم تضييق منهم لصور الشكر على الناس! ومهما يكن فتبقى المسألة هينة محتملة الوجهين، لا يثرب على من فعلها لِمَ فعلها، ولا على من تركها لِمَ تركها. وإنما القصد مما تقدم هو لفت الأنظار إلى تلك المفارقة! * أكاديمي في الشريعة. [email protected]