استبقت السلطات المصرية شهر رمضان المبارك بحظرٍ شاملٍ لما بات يعرف في أوساط المجتمع المصري بالخيم الرمضانية، والتي تزخر موائدها العامرة عادةً بما لذ وطاب من صنوف المطعوم والمشروب، وكانت تلك الخيم قد شهدت في حقبةٍ من الحقب - سجالاً مراً، ونقاشاً عاصفاً حيال إباحتها من حرمتها تبعاً للمهنة الفنية لصاحب الخيمة، مغنٍ كان أم طبالاً، ممثلاً أم رقاصاً! غير أن عملية الحظر الأخيرة لم تكن لها أي علاقةٍ بمهنة صاحب الخيمة، بل خوفاً من تفشي أنفلونزا الخنازير بين مريديها، نظراً لتكدس الصائمين في ردهات وزوايا هذه الخيم، وما يسببه هذا الازدحام من عوامل انتقال العدوى بسبب اختلاط الأنفاس. لن أحدثكم عن هذه الأنفلونزا المرتبطة أساساً بالحيوان، ولا عن خلاياها العنقودية، كأنفلونزا الدجاج وجنون البقر وحمى الوادي المتصدع إلخ... والتي تسبب الإنسان بعبثه في جينات الحيوانات، وطبيعة الأعلاف المعدلة والمقدمة لتلك الحيوانات في ظهور هذه الأنواع الغريبة والفتاكة من هذه الأمراض، ذات الزخم الإعلامي الذي لا تخطئه عين المشاهد على مائدة التلفاز. السلطات السعودية حظرت بدورها جمع التبرعات لإقامة هذه الخيم، دفعاً لفيروس أنفلونزا الإرهاب، أجارنا الله وإياكم منه، وهو فيروس لا دين له ولا هوية، وهناك فرق جوهري بين جمع التبرعات وبين إقامة الإفطار الجماعي التطوعي المباح قانوناً وخلقاً، كي لا يخلط أحد من الناس بين الأمرين. وعلى رغم مكافحة السلطات المصرية لفيروس الخنازير، والسعودية لفيروس الإرهاب، يتفشى بين بعض الصائمين فيروس من نوعٍ آخر، له علاقة بسوء الخلق، وقلة الصبر واحتمال الأذى، ويدور رحاه داخل تلك الخيم تحديداً! إذ تتعالى بعض الصيحات احتجاجاً على القسمة، واعتراضاً على استئثار جنسيةٍ ما بلبنٍ الخلفات، مقابل الألبان البقرية لمصلحة جنسيةٍ مضادة! ولقد شهدت بنفسي حروباً ضاريةً اضطر فيها القائمون على تلك الخيم إلى الاستعانة بعد الله برجال الأمن لفض الاشتباك، لأن زيداً من الناس دلق قدراً كاملاً من المكرونة على رأس عمروٍ لم تعجبه القسمة الضيزى! علقت في ذاكرتي صورة صاحبنا الذي انسابت فوق هامته خيوط المكرونة في عراكٍ غاب فيه الصبر والحلم وسعة الصدر، لمصلحة فيروس العداوة والبغضاء والكراهية! ما أحوجنا لاستحضار معاني الصوم الحقيقية.