إن إيقاع الحياة السريع جعلتنا كغيرنا من بني البشر نعيش لحظات خوف وتوجس من الشخص الذي لا نعرفه، وتمر بنا في طريقنا كثير من الأحداث التي لا نلقى لها بالاً ولا نكترث لها، ولكن القصة القصيرة"الواقعية"التي سأرويها في السطور التالية جعلتني أعيد تفكيري في كثير من الأمور، بل أعادت لي الطمأنينة واليقين بأن المروءة"سيدة الأخلاق"ما زالت حية ترزق وأن أهلها ما زالوا على قيد الحياة وليس كما أخبرنا الشاعر بقوله: مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاةُ؟ فقالت كيف لا أبكى وأهلي جميعاً دون خلق الله ماتوا! اصطحبت عائلتي لتلبية دعوة زواج في أحد قصور أفراح الرياض وكانت الساعة قد تجاوزت ال11 مساء وشاء الله أن تعطلت السيارة في منتصف الطريق فقدتها بالكاد إلى أقرب"مخرج"وتركتها على جانب الطريق وترجلت عنها فإذا بإخوة كرام دفعتهم المروءة لتقديم يد المساعدة، ولكني شكرتهم وانصرفوا. طلبت من سائق سيارة أجرة أن يحملنا إلى مكان الدعوة وكان السائق شاباً سعودياً علمت منه فيما بعد أن اسمه"سعد الحارثي"وأنه طالب في كلية الهندسة وعندما وصلنا إلى مكان الدعوة ونزلت من السيارة وهممت بدفع الأجرة تفاجأتُ بأن الشاب يحلف بأغلظ الأيمان بأنه لن يأخذ ريالاً واحداً من قيمة الأجرة بل ذهب إلى أكثر من ذلك وكتب لي رقم جواله وطلب مني أن أتصل عليه ليعيدني إلى منزلي في أي ساعة كانت. بعد أن أمضيت وقتاً ممتعاً مع أهل العريس ودعتهم وركبت سيارة أجرة وقبل أن تنطلق بنا السيارة لأمتار عدة إذا بالأخ سعد يتصل ويخبرني أن سيارتي تعرضت لمحاولة سرقة وطلب مني انتظاره بقربها. وما لبث أن وصل إلينا سعد واتصل بجواله على سيارة"سحب"وظل منتظراً معنا حتى وصلتنا سيارة السحب في تمام الساعة الثانية والنصف صباحاً ولم يقف عند ذلك الحد بل أصر على توصيلنا إلى منزلنا. وصلنا والحمد لله إلى منزلنا وعقارب الساعة تقترب من الثالثة صباحاً وعندما دفعت لصاحب السيارة الساحبة أجرته التفت إلى الشاب سعد وسألت عن قيمة الأجرة التي يريدها وكنت عازماً على أن أعطيه أي مبلغ يطلبه نظير جهده الذي قام به ووقته الذي أمضاه معنا، ولكن سعد الحارثي رفض رفضاً قاطعاً أن يأخذ مني أي ريال قائلاً،"لا أريد منك جزاءً ولا شكوراً إنما فعلت ذلك لوجه الله تعالى". شكرته على صنيعه ودعوت الله في تلك الساعات الباكرة من يوم الجمعة أن يوفقه لما يحب ويرضاه وهو وحده القادر على ذلك، وقلت بعد أن ودعته وانصرف: إن وطناً فيه شباب أمثالك حري به أن يفخر بشبابه وإن جيلاً فيه شباب من أمثالك هو جيل يبشر بخير كثير.