تقول سلوى بنت راشد الحميد:"لو أن أحداً قال لجدي عبدالله أن حفيدتك سلوى ستصبح وزيرة للتربية والتعليم يوماً لضحك من كلامه واتهمه بالمبالغة... ولكن بحمد الله ثم بفضل خادم الحرمين الشريفين صار هذا ممكناً". وأنا أقول -على رغم قربي من الحدث-:"يا سلوى لو أن أحداً قال لي انك ستعتلين منصة الخطابة في هذا المؤتمر ويتاح لك أن تدلي ببيان وزاري عن رؤيتك لأولويات وزارة التربية والتعليم... ربما كنت ابتسمت ساخراً وقلت بعيدة عن شواربنا". الحدث جاء في اليوم الثالث من أيام المؤتمر الإقليمي العربي الثالث لحماية الطفل، والأبطال هم مجموعة من الشابات والشبان أعطاهم منظمو المؤتمر الفرصة لمناقشة وزراء التربية والتعليم والثقافة والإعلام والشؤون الاجتماعية والصحة. شابتان وشابان جلسوا جنباً إلى جنب مع الوزراء وصفتهم رئيسة الجلسة الدكتورة مها المنيف بأنهم أمل المستقبل لتولي المسؤولية فكانوا على قدر المسؤولية وعلى قدر النضج الفكري وعلى قدر المسؤولية الاجتماعية في الرؤى التي طرحوها في كلماتهم، ما جعل الكلمات التي ألقاها الوزراء تبدو باهتة وجامدة. كان الوزراء يتحدثون بلغة البيان السياسي -واثنان منهم مازالا في الأسابيع الأولى من تولي المسؤولية- عن الأعمال التي قامت بها وزاراتهم تجاه حماية الطفل، وكان من الواضح أنها أعدت من الأقسام البيرواقراطية في هذه الوزارات، ولذا لاحظت رئيسة الجلسة أن وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله سجل صفحتين من الملاحظات عن الأفكار التي طرحتها الوزيرة الشابة سلوى الحميد، ومعرفتي بمدى الرؤية التي يتمتع بها الأمير فيصل تجعلني أؤكد لكم ما قالته رئيسة الجلسة ان كثيراً من الأفكار التي طرحتها سلوى ستجد طريقها للتنفيذ أو على الأقل للبحث المعمق. سلوى طرحت رؤاها بنضج عن مثلث الفقر والمرض والجهل، وقالت بلسان الوزيرة المسؤولة واقتداء بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"...وأنا أخشى لو أن طفلاً تعرض للاعتداء والظلم، أن يسألني عنه ربي، لم لم أعلمه وأهيئه لأخذ حقوقه". وقالت أيضاً انها تعبر عن رأي الشباب الذي يطمح للقضاء على الجهل ولخلق جيل على درجة عالية من الكفاءة والإبداع، ولتطوير التعليم ليلائم المستقبل وروح العصر. وزير الثقافة والإعلام المستقبلي نواف آل الشيخ، قال بثقة واعية ان وزارته ستقدم برامج إعلامية تحترم عقل الطفل، وتقدر أسلوب تفكير الشباب، وقال انه يدرك لأنه في موقع المتلقي الآن أن ما يقدم لا يتواءم مع روح العصر لأن المقدمين يتجاوز عمرهم أضعاف عمر المتلقين من الأطفال والشباب، وأن هؤلاء المقدمين لا يدركون ما وصل إليه عقل أطفال وشباب هذا العصر من انفتاح على ثورة المعلومات. وكان واضحاً وهو يشير إلى أن كثيراً من البرامج الإعلامية تنمي حالة العنف لدى الأطفال وبالتالي فهي تزيد ما يتعرضون له من عنف العقاب الجسدي والنفسي. المفاجأة الثالثة كانت في البيان الذي أدلت به وزيرة الشؤون الاجتماعية القادمة دينا خالد عسيري التي استشهدت بالحديث النبوي كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، ونادت بالمسؤولية الاجتماعية والفردية في رعاية الطفل، ولم تكتف بذلك بل انها قدمت برنامج عمل مفصل بنقاط واضحة تصل إلى أهدافها لدعم تماسك الأسرة والقضاء على الخوف الذي يملأ قلب الطفل. وأشارت بوضوح إلى الإشكالات التي يعاني منها المجتمع وأدت إلى البطالة ومن ثم إلى العنف والجريمة. وزير الصحة القادم محمد بن عبدالله الفوزان أشار إلى أن وزارته ستزيد من المرافق المخصصة لعلاج الأطفال والشباب الذين يتعرضون للعنف أو الذين يقعون في شرك إدمان المخدرات، وقال انه سيوفر اختصاصيين نفسيين مدربين بشكل جيد في المدارس ومراكز الأحياء الصحية، كما أكد أنه سيشدد العقوبات على الأطباء الذين يصدر منهم أخطاء تؤدي أحياناً إلى إعاقات دائمة أو ضرر، وقال أيضاً انه سيغير من الطرق العقيمة المتبعة حالياً في التوعية بأهمية الغذاء الصحي. الوزراء الحاليون الذين عقبوا على بيانات وزراء المستقبل عبروا عن سعادتهم بما طرح، بل ان وكيل وزارة الصحة الدكتور منصور الحواسي الذي مثل الوزير في الجلسة دعا وزير المستقبل للمشاركة في جلسات العصف الذهني التي تعقد في الوزارة لتطوير الخدمات الصحية. ولمن وسوس له الشيطان ?مثلي- بالاعتقاد بأن هذه كانت تمثيلية محكمة السيناريو، كان عليه أن يستمع للأسئلة والتعقيبات التي جاءت من مجموعة من الشابات والشبان الذين أعطيت لهم مقاعد المقدمة في القاعة، هذه الأسئلة والتعقيبات كانت على مستوى مماثل من الوعي الناضج الذي ملأني تفاؤلاً بمستقبل هذه البلاد مادام أن لدينا مثل هذا الجيل القادم. المؤتمر في مجمله كان صورة بديعة بحضور نخبة رائعة من المختصين والمختصات، في تمازج علمي جميل تحت سمع وبصر ومشاركة وفود وزارية عالية المستوى من الدول العربية، ومن المنظمات الدولية والإقليمية ذات العلاقة بالموضوع. والمؤتمر كان رسالة واضحة المعالم بأن الاهتمام بالطفل في بلادنا يقع في أعلى سلم الأولويات. وجاءت هذه الجلسة، وهذه البيانات الوزارية من حكومة الشباب لتقول لنا آباء وأمهات ان نعتني بأطفالنا وأن نحسن رعايتهم وأن نهيئهم ليكونوا قادة المستقبل. المؤتمر بلغ وأشهد الله والعالم علينا فهل سمعنا؟ هل وعينا؟