اطلعت على ما قاله وزير العمل الدكتور غازي القصيبي خلال لقائه مديري مكتب العمل في مقر الوزارة خلال كانون الأول ديسمبر 2008. إذ انتقد القصيبي من يصنفون بعض المهن بأنها وضيعة أو دنيا، ناسياً كيف كنا في الماضي، وكأننا في تاريخنا كله لم نقم بهذه الوظائف، وهذا تاريخ يذكره على الأقل المخضرمون. واطلعت على رد رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإدارة، نائب رئيس جمعية المستهلك الدكتور ناصر آل التويم، إذ يغلب عليه الطابع الشخصي والانفعالي، بعيدة عن الواقع والحقيقة، ويبدو أن الدكتور آل التويم نظر للأمور نظرة المنظر بعيداً عن واقع الحال والممارسة في موقع المسؤولية ومعالجة الأوضاع للمصلحة العامة. وردي على ناصر آل التويم سيكون طبقاً للحديث النبوي الشريف"انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"وليس دفاعاً عن غازي القصيبي. أولاً: حول ما ذكره القصيبي بصدد معاملة بعض المواطنين للأجانب والوافدين للعمل، قال ناصر آل التويم: "قول الوزير مردود عليه من جوانب عدة، فمن نافلة القول إن السعوديين ليسوا ملائكة أو منزهين عن الأخطاء، وأن معظم السعوديين كرماء وبسطاء وأصحاب قلوب طيبة، والشواهد كثيرة، صحيح أن هناك شطحات واستثناءات، لكن يجب ألا تغيب عنه معادلة الفعل ورد الفعل، التي تجسد حقيقة التبادل التعاملي، فالغضب يأتي دائماً بعد السبب، والمعنى واضح في هذا الخصوص... واستغرب آل تويم من وصف القصيبي لطريقة تعامل السعوديين مع العمالة ب"الغرور". وأود أن أرد على قول ناصر آل التويم، إن الدكتور القصيبي لم يقل إن السعوديين إناس غير طيبين، ولم يقل إنهم غير كرماء، فإذا كان آل التويم ينظر للأمور نظرة عاطفية خالية من أي التزام قانوني، فإن القصيبي بصفته مسؤولاً عن تنفيذ التزامات تعاقدية، فبعض المواطنين لا يعترف بأي عقد عمل مع الأجنبي والوافد، فهذا الأجنبي والوافد يعتبرهما كثيراً من أصحاب العمل شيئاً مملوكاً لهم، يحرمونهم من حقوقهم النظامية المنصوص عليها في نظام العمل، ولا يعترفون بحقهم في الإجازات، ولا مكافأة نهاية الخدمة، فيقوم البعض منهم بطرد العامل من غير إعطائه حقوقه ويهدده بالترحيل وسوء المعاملة، مما حدا بالمسؤولين في وزارة العمل بإصدار التعاميم بعدم تهديد أي عامل أجنبي أو وافد عند مطالبته بحقوقه النظامية. يبدو لي أن آل التويم غير قانوني ولا يدرك أهمية تنفيذ الالتزامات التعاقدية، وأنصحه بأن يذهب إلى الهيئات العمالية الابتدائية والعليا ليرى المشكلات التي يعانيها العمال، وكيف تهضم حقوقهم، بل لا تمنح لهم من بعض المواطنين. ثانياً: حول ما ذكره وزير العمل غازي القصيبي عن دور مكاتب العمل، انتقد آل تويم ما سماه مبالغة وزير العمل وصف مديري مكاتب العمل بأنهم يحملون موازين العدالة، قائلاً:"أي عدالة تلك التي يحملونها ومكاتبهم داخلها الرحمة وخارجها العذاب... إلخ"، مستعجباً من ممارسة الوزير للفوقية في التعامل وجلوسه في برجه العاجي. أقول، الحقيقة أن هناك تقدماً في تسهيل الإجراءات من حيث المواعيد ونظر القضايا والملاحظات الواردة، وأبرزها قبول تقديم شكاوى العمال من مكفوليهم. وأنا لا أدري السبب في عدم إيجاد هيئة عليا في جدة والدمام وأبها وحائل، إذ لا يخل ذلك باستقرار القواعد القضائية من وجود هذه الهيئات التي لها الصفة القضائية ولا سيما أن هناك محاكم تمييز شرعية"استئناف"ستقام في مناطق أخرى غير الرياض. ثالثاً: حول انتقاده غازي القصيبي تصنيف بعض المهن بأنها"وضيعة"أو"دنيا"... ذكر ناصر آل التويم تكريس هذا التصنيف بقوله"هناك بالتأكيد وظائف جاذبة عليا ووظائف وضيعة"، وقال"لا اعتقد بأن الوزير سيكون مسروراً إذا ما قبل أحد أبنائه أو بناته بالعمل في تلك الوظائف الوضيعة... وزاد بأن بعض علماء الإسلام وفي العصور الذهبية وافقوا بوجود هذا التصنيف". والرد على آل تويم إن ما ذهب إليه يؤسف له أن يأخذ بتكريس هذه الأقوال، إن من يأخذ بهذه الأقوال ويغرسها في نفوس الشباب إنما يعود بالمجتمع إلى النزعات الجاهلية، لأن هذه الأمور طبيعية وحتمية في المجتمعات كافة. فليذكر ناصر آل تويم أنه منذ سنوات لو قلت لمن يحمل الشهادة الثانوية عليه أن يعمل حارس أمن أو نادلاً في مطعم لكان ذلك شيئاً كبيراً، أما الآن فحامل الثانوية العامة يعمل حارساً للأمن، بل أنا شاهدت شاباً جامعياً يعمل حارس أمن لإحدى الوزارات، وهذا ما قصده الدكتور القصيبي، من نبذ هذا التصنيف الديناصوري الذي يعود إلى القرون الوسطى، فالعمل شرف وعبادة للحاق بركب الحضارة والمدنية. سعود عبدالعزيز الفالح - الرياض