وصف الشاعر محمد العلي، الطيب صالح ب"علم من أعلام الرواية، والقامة الشاهقة"، لافتاً إلى أهمية طرحه الروائي"للتناقض بين الشرق والغرب"، مشيراً إلى أن صالح"بلغ أوج توهجه في روايته الثانية"موسم الهجرة إلى الشمال". وتابع بأن منجزه الروائي اللاحق"جيد، بيد أنه لا يرقى إليها". كما أعرب عن أسفه بأن صالح"انتهى روائياً منذ زمن"، منوهاً إلى أن"ثمة مبدعين عمرهم الإبداعي قصير". ونفى بأن يكون ذلك"لعيب في إبداعهم، وإنما إلى التنشئة، والتوتر النفسي الذي سرعان ما يخبو". وأكد أن"كثيراً من الشعراء تعرضوا إلى هذا الانطفاء مثل: رامبو، وغيداء المنفى، التي لم يرق نتاجها الأخير إلى منجزها الإبداعي السابق". أما الشاعرة فوزية أبو خالد فقالت أن الطيّب صالح الروائي: "رحل من زمان، وبالتالي فرحيله لن يؤثر في أثره الروائي كونه وضع بصمة روائية في السبعينات. وهذه البصمة كانت من القوة والجمال والتأثير وأهمية الموضوع والشكل الفنّي، حيث استمرت إلى يومنا هذا بعد 40 سنة من اصدار"موسم الهجرة إلى الشمال"، فعندما نتكلم عن تجربة روائية مكتملة من حيث المضمون والشكل والبعد الحضاري، إذ إن روائية الطيّب صالح تتميز بأنها تتكلم عن مضووع بدأ الناس الآن يتحدثون عنه، ألا وهو"نحن والآخر"أو العلاقة الملتبسة بين الشرق والغرب. تلك العلاقة المزيج بين الدهشة والاعجاب للمنجز الابداعي والتقني للغرب، وبالشعور والالم والرفض لممارسة الغربي وهيمنته، فهذه العلاقة الممتزجة بين الحب والكره والعداء والصداقة في الوقت نفسه، تحدث عنها الطيب صالح بشكل فذ ورائع في السبعينات"، مشيرة إلى أن مشروع الطيب صالح انتهى في روايته"موسم الهجرة إلى الشمال". رفض الجواز البريطاني ويرى الأديب عبدالله الناصر أن الطيب صالح"ظاهرة من ظواهر الرواية العربية النادرة التي لن تتكرر بسهولة. فالطيب صالح يختلف عن بقية الروائيين، وذلك لتجربته الثرية بالثقافة العربية والانكليزية. فهو استفاد من تنقلاته بين الغرب والشرق إن تشكل لديه مزيج من الثقافات وظّفها في اعماله الادبية. إضافة إلى تمكنه من اللغتين العربية والانكليزية بشكل رهيب، فالطيب قاص وكاتب سيرة من الطراز الاول، ومحلل نقدي بارع، وحافظ للشعر كالمتنبي وذي الرمة، إضافة إلى حفظه للقرآن الكريم، على رغم حياة الطيب في بلدان وثقافة مختلفة الا أن الطيب يتميز بإيمانه العميق وعروبته، والدليل رفضه استبدال الجواز السوداني بجواز سفر بريطاني، على رغم أنه عاش أكثر من 50 سنة في بريطانيا. وذكر الناقد محمد الحرز، أن"رحيل أي مُبدع يُخلف ثغرة كبيرة في المشهد الثقافي". وقال:"إن رحيل الطيب سيترك أثراً"، متمنياً:"إنشاء مؤسسات في الوطن العربي تعنى بمُنجز المبدعين بعيد رحيلهم، لردم الفراغ الذي يخلفه رحيلهم لدى الرأي العام". وأضاف أن"الجمهور يحتاج إلى مُنجز مُبدع، وليس إلى المُبدع فقط، حتى يصل إلى الناس بطريقة أكثر حوارية". وطالب المثقفين ب"تأمل الموت". وعده"نوعاً من ولوج الحياد المطلق". واعتبر الشاعر عبدالله السفر، وجود الطيب روائياً"اكتمل منذ أكثر من ثلاثة عقود، إذ طرح علاقة الشرق بالغرب، والثقافة السطحية، وكيف تتصعد إلى قيمة روائية؟، عبر رواياته"موسم الهجرة إلى الشمال"، و"ود حامد"، مضيفاً ان"ما رحل اليوم هو وجوده الجسدي والصحافي". وأبدت الكاتبة سماهر الضامن، شكها في"أن يخلف رحيل الطيب صالح أثراً أكبر ما خلفه وجوده من أعمال وكتابات". لافتة إلى أنه"كان ينجزها بحب، ويوجهها إلى قرائه باحترام، خوّله أن يسجل اسمه بين أهم مئة كاتب في العالم، وأن تكون أعماله نقطة يصعب أن يتجاوزها الدارسون أو المهمومون في الثقافة والإبداع الأدبي". وأضافت:"ربما خسرنا وخسرت الثقافة العربية برحيله شخصاً". واعتبرت الناقدة شمس المؤيد، أن"الأمة العربية والإنسانية خسرت قيمة حقيقية برحيل الطيب صالح". وقالت:"إن المبدع الحقيقي ثروة لا تُعوض". واعتبرته"قامة روائية مثل نجيب محفوظ"، فيما عدت بقية الروائيين ب"التابعين لهما"، مشيدة بمنجزه الروائي، الذي"رفع اسم وطنه السودان". وأبدت أسفها"لعدم حصوله على جائزة نوبل". وأكد الناقد محمد العباس أن الطيب صالح"قامة مهمة في الأدب العربي، وأثره الإبداعي مشهود في روايته، موسم الهجرة إلى الشمال"من حيث انطلاقة العمل من السودان البلد الذي يزاوج بين الروحين العربية والأفريقية، ومن حيث المضامين أيضاً، والبناء اللغوي، والنفسي وتصوير العلاقة بين الشرق والغرب على كل المستويات، لافتاً إلى أن"موسم الهجرة"لاقت صدى واسع في الأوساط العربية والغربية، معبراً عن أسفه بأن الطيب"غادر المشهد الروائي منذ عقدين ونصف العقد من الزمن، وابتعد عن الإنتاج الإبداعي بمعناه الحقيقي". وتابع العباس:"أردنا أن نقرأ المنجز الروائي للطيب فعلينا العودة إلى مركزياته، التي كانت نقطة تحول حقيقية فاجأت الجميع". من سيضوي البيت احتفالاً؟ وتتساءل الشاعرة أشجان هندي:"إذاً، من سيضوي البيت احتفالاً بعرس الزين؟ ومن ذا الذي سيوجّه قوافل الهجرة صوب الشمال؟ أستاذنا الكبير الطيب صالح: وداعك خسارة باذخة في أناقة حزنها... كأناقة حضورك البهي حين رأيتك منذ زمن بعيد في الرياض، فأثنيت على هذه"البنت القادمة من موسم الصحراء"كما قلت يومها في حضور أستاذي الدكتور منصور الحازمي وآخرين. ثم رأيتك بعدها في لندن وتحدثنا. يا سيدي: نسيت أن أخبرك أنني في آخر مرة رأيتك فيها ولم ترني أنت، إذ كنتَ أنت على عجلةٍ من أمرك كما كان يبدو"فقطعت الطريق من جانب مركز التسوق التجاري/الوايت ليز في حي"كوينز وي"وسط لندن. يومها كنت مسرعًا"فلم أرغب في إيقافك لاحتساء كوب قهوة، ولكنني لو علمت أنها ستكون المرة الأخيرة للاحقتك حتى آخر شوارع"الكوينز وي"الضيقة، ونهايات شوارع لندن الممتدة، فقط لأقول لك: إنني باقية على حب إبداعك أيها الكبير، إبداعك الذي لا يشبه الآخرين، وإنني أحب روحك المرحة بأناقة مترفة، روحك الصافية صفاء نظراتك حين تفكر بهدوء". وتخاطبه بتأثر ولوعة قائلة:"رحلت إذاً يا لون البن الأفريقي المعتّق؟ رحلت إذاً يا صاحب المواسم!؟ رحلت إلى موسم هجرة سنوجّه بوصلاتنا جميعاً صوبه يوماً ما. يوماً ما يا نكهة البن التي ضاقت ببذخ رائحتها المترفة عواصمنا العربية ? كما تفعل دائماً- فغادرتَ إلى عواصم غربية تجيد تخزين روائح القهوة المميزة... وغادرتنا جسداً هناك أيضاً في لندن، ألم يكن لجسدك مكانٌ يجيد احتضانه بيننا، في عواصمنا العربية الكثيرة، القادرة فقط على إضاعتنا، ثم البكاء على رحيلنا بعيداً عنها!". ويقول الروائي يوسف المحيميد إنه كان يشعر بأن العام الماضي عام حزين، بفقدان أسماء تعلّم منها:"درويش الذي علمني لغة الكلام، ويوسف شاهين الذي علمني لغة البصر، وها نحن نفتتح العام الجديد بفقدان أحد معلمي السرد الحديث في الرواية العربية، ولعل كثيراً من الدارسين والباحثين والمبدعين، يتذكرون الطيب صالح حين يرد اسم"موسم الهجرة إلى الشمال"أو العكس، بل إنه مجرد ذكر اسم مصطفى سعيد، يعني اسم الطيب صالح، على رغم أن أعماله الأخرى، إن لم تكن تضاهي رائعته تلك، فهي لا تقل عنها كثيراً، كم كانت"عرس الزين"و"دومة ود حامد"وغيرهما من أعماله لافتة ومؤثرة في الرواية العربية الحديثة، بل لعل من أكثر المواقف نبلاً وشهامة وجرأة، إعلانه توقفه عن كتابة الرواية، إذ لم يعد لديه جديد، وبالتالي لا جدوى من تكرار صوته الخاص...رحم الله صوت السودان الأصيل". في ما لا يقدر الروائي عبدالحفيظ الشمري على وضع أحد بديلاً أو من الممكن أن يسد فراغه:"من كرمكول إلى لندن رحلة الشقي السارد. في رحيل هذا القطب الروائي العربي اللامع لا نستطيع أن نضع في خانته أحداً، ربما نقول عنه بدلاً منه فالراحل الطيب صالح ظل وفياً للسرد ومشبعاً بالنثر ومولعاً بالحكاية، فمنذ أن كنا نصافحه على مدى أعوام ماضية من خلال مهرجان الجنادرية. وقد شكل الطيب مع الراحل عبدالله نور، يرحمهما الله، سجالاً أدبياً إبداعياً يذكرنا بطريقة أو بأخرى أن جيل الرواد هم أولئك المخضرمون، الذين بدأوا يتساقطون واحداً تلو الآخر. ويقول الروائي محمد المزيني:"لا أدري أي خلخلة عقلية وأي ضعضعة روحية يحدثهما نبأ وفاة الرجال المهمين بحجم سيد الهجرة إلى الشمال الطيب صالح. كيف سأخط في حضرة مهابة موته تلك التي تتشح بها ساعات وداعه الأخير حروفاً تميعها حرارة المفاجأة، وهو الذي شحذ همة أقلامي الرصاص لكتابة روايتي الأولى"مفارق العتمة"كيف؟ حسبنا برحيله أنه لم يعد ينظر إلينا من خلال الريح ولا بين سعف النخلة ولا من حقول القمح، وحسبه من روحه أنه لم يعد يستقي حكمته من نخلته العتيدة الضاربة في عمق التاريخ.