اطلعت على ما نُشر في"الحياة"، العدد 16695، بعنوان"السينما في انتظار ممانعة أو جواز مرور"... لكني أقول إن الموقف النبوي الحضاري في بناء الإنسان والحياة والمجتمع، كان تدشينا ًللتاريخ، ذلك أنه ولادة لثقافة المناعة لا المنع، ثقافة مبنية على العقل الواعي والنفس الرضية والإرادة الراسخة التي تخلق سلوكاً يفرق بين الخطأ والصواب. من السهولة الاستغراق في عقلية التحريم، التي لا تُعدّ حلاً، ولكن من الصعوبة إيجاد فقه التحضر والاقتحام والمبادرة والبناء على أساس التحلي بالمسؤولية... إن الدين ثقافة عاقلة تقوم على جلب المصالح لبني البشر، فالشرائع دوماً كانت في خدمة الإنسان يريد الله بكم اليسر. من هنا لا يمكننا اعتماد ذهنية التحريم طريقاً لبناء المجتمع، أو التعامل مع أي مستجد أو مستحدث، وإذا كان بعض الإسلاميين أسرعوا في فترات سابقة إلى نظرية سد الذرائع، ومارسوا هذه الفكرة بطريقة مغلوطة، حتى صرح بعضهم بضرورة"الإجهاز على التلفاز"في موقف تحريمي غريب، إلا أنهم ما لبثوا أن تجاوزوا تلك الطريقة وبدأوا في التريث قبل استصدار الفتوى بل والمشاركة، حتى بلغت نسبة القنوات الدينية والفضائيات الإسلامية 19 في المئة من مجموع المحطات العربية. يغيب عن الكثيرين من المتحدثين باسم الإسلام"إنسانية الشريعة"، ذلك أن الثقة بالإنسان المحور الذي ينبثق منه الفعل بحرية وإرادة ومسؤولية ومن ثم يقع الثواب والعقاب"الثقة بالإنسان الدعامة الأولى في كل أحكام الشريعة"... الإسلام لا يُدافع عنه برد فعل بل بفعل مؤسس على القراءة المتأنية للواقع. الشيء الذي يستحق فعلاً أن نتوقف عنده ليس مشروعية السينما أو لا! فما أعتقده أنها مسألة محسومة بقاعدة مفادها"الفن يأخذ حكم موضوعه"، فلا إطلاق في التعامل معه وكذلك السينما، وعوضاً عن فكر التجريم أو التحريم للسينما، لما لا نفكر في طريقة أخرى ،كيف نتعامل مع السينما؟ من الأفضل والأهم أن ندرس المحتوى السينمائي أي ماذا سنقدم؟ لا أعتقد أن أحداً سيتخذ موقفاً عدائياً ضد فيلم مثل"Apocalypto"، الذي اعتمد على مقولة"وول ديورانت"في موسوعته"قصة الحضارة":"لا يمكن احتلال حضارة عظيمة من قوة خارجية إذا لم تدمر تلك الحضارة نفسها من الداخل أولاً". إن السينما ليست تجمعاً للعشاق أو مأوى للفارغين، إنها أكثر من متعة عند من يقدر ذاته ويعرف معنى لحياته، ما الذي يمنع من سينما تقدم أفلاماً من إنتاج فاهم لا يعشق الهوامش أو الأطراف، ولكنه يقدم فناً باسماً يعيش الحياة باسم الإنسان ويدافع عن عقلنا، لا يغازل عواطفنا، وهو فن نأمل أن تقدمه السعودية... سينما لا تقدم ما يطلبه الجمهور، بل ما ينبغي أن يطلع عليه الجمهور، بالإمكان حصول ذلك لو قام تعاقد فريد بين شركات إنتاج مع كتّاب لهم رؤى مغايرة، أو لهم مقدرة على تنمية الحس الذوقي للجماهير، مع أصحاب رأسمال ضخم لإنتاج فن سينمائي لا يحاكي المواضيع"الراكدة"، أي الماضوية من قصص تختصر تاريخنا بالملاحم والغزوات فقط فقد عافها الناس، ولا السائدة مما هو معروف فقد ملها الجمهور ، نريد سينما مميزة مهنياً ومتقدمة موضوعاً تسهم في إيجاد الفكرة المؤثرة والبسمة الهادفة والنقد العلمي لأوضاعنا وعاداتنا غير السوية، وبقالب فني راقٍ يحمل بصمة عربية بنكهة عالمية أولاً، وفي دعم اقتصاد المجتمع ثانياً فقد بات لا يخفى المردود الهائل لبعض الأفلام الأميركية. دعونا من الذين يعشقون الوقوف على الأطلال، ممن يجيدون التشكي والهجاء، أو يقاتلون بسيوف خشبية، ويريدون منا أن نفكر فقط بعقلية الانسحاب والأموات!... دعونا من الذين يظنون أن إدارة الساعة إلى الوراء أفضل الحلول، أو يفرون من الشهود والوسطية، فربما فهموا أن ثلثي الرجولة الهروب!... دعونا من كل هؤلاء ولنفكر في ما بعد السينما، أي"رسالة السينما"... ماذا سنقدم وكيف؟ علاء الدين آل رشي - الرياض المدير الإعلامي في مركز"الناقد الثقافي"[email protected]