قبل أيام رحل الناقد السينمائي المصري علي أبوشادي، الذي ولد العام 1946 في قرية ميت موسى، بمركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية. حصل على ليسانس الآداب - جامعة عين شمس عام 1966م، ثم ديبلوم الدراسات العليا من المعهد العالي للنقد الفني - أكاديمية الفنون عام 1975م. تدرج في مناصب عدة منها الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، ومستشار وزير الثقافة للشؤون الفنية، ومستشار صندوق التنمية الثقافية للشؤون الفنية ورئيس قطاع الإنتاج الثقافي، ورئيس المركز القومي للسينما، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة، ورئيس الرقابة على المصنفات الفنية، وعضو المجلس الأعلى للثقافة، وعضو مجلس الإدارة المنتدب للشؤون الفنية - شركة مصر للصوت والضوء والسينما، ورئيس مجلس إدارة شركة مصر للسينما والإنتاج الإعلامي. ومن المعروف أنه كان لعلي أبو شادي، نشاطات ثقافية وسينمائية من بينها دوره كرئيس تحرير لمجلة «سينما» - الثقافة الجماهيرية، ونائب رئيس تحرير مجلة «الثقافة الجديدة»، ورئيس تحرير مجلة «الثقافة الجديدة»، ورئيس لجنة تحكيم مسابقة جمعية ساويرس للسيناريوات (فرع كبار الكتاب). وأصدر كثيراً من الكتب منها السينما التسجيلية في السبعينات، والسينما التسجيلية - مقالات ودراسات، والفيلم السينمائي، وأفلامنا التسجيلية وجوائزها الدولية، والسينما والسياسة - طبعة ثانية، والفن بين العمامة والدولة مع كمال رمزي ومادلين تادرس، وسينما وسياسة - طبعة ثالثة (2003). السينما والسياسة العلاقة والأفق تعدّ العلاقة الجدلية بين السينما والسياسة، من الإشكاليات الفكرية طرحت للنقاش منذ عقود، والتي ما زالت وإلى اليوم، تسيل الكثير من المداد، وتؤسس فضاءات عدة للنقاش. وذلك بفعل التجدد، والدينامية، والتطورات المتسارعة التي تميز مجال السينما، وكذا عالم السياسة. إن التطرق إلى علاقة السينما بالسياسة، يعيدنا قليلاً إلى الوراء، أي إلى فترة ظهور الفن السابع، أما السياسة فقد كانت ظاهرة اجتماعية قديمة قدم الإنسان نفسه. هذا، وقد كانت السينما في بداياتها الأولى أداة فعالة للتأثير في الجماهير كما كانت السياسة ذات تأثير كبير في هذا الفن، إذ كانت الإنتاجات السينمائية الأولى كفيلم «الدارعة بوتمكين» ل «إيزانشتاين»، وفيلم «الدكتاتور الكبير» ل «شارلي شابلن»، قد تناولت تيمات سياسية بامتياز، على رغم طابعها الساخر. بهذا تطور التناول السينمائي للقضايا السياسية في المدارس السينمائية الإيطالية، والفرنسية، والإنجليزية، وغيرها، وتعرضت كثير من الأفلام للمنع ولمقص الرقيب. وقد عرف الإنتاج السينمائي المرتبط بالسياسة بعض الركود، بسبب ظهور أفلام الخيال العلمي بهوليوود. إلا أن تيمة السياسة ستعود بقوة إلى السينما، لاسيما بعد فشل إحدى أهم التجارب الاشتراكية بالاتحاد السوفياتي وظهور مجموعة من التحولات السياسية على المستوى العالمي. وبهذا اتجهت السينما إلى تناول قضايا حقوق الإنسان، والقمع السياسي، والحريات العامة، والحقوق الثقافية واللغوية، وحقوق الأقليات والشعوب الأصلية، والذاكرة السياسية، وغيرها من المواضيع ذات العلاقة بحقوق الإنسان عموماً والمجالات السياسية في شكل خاص، وبهذا أضحت السينما آلية فعالة في صناعة الحدث السياسي، وفي التأثير فيه، بفضل سهولة انسياب رسالتها الفنية إلى المتلقي. لقد استخلص النقاد السينمائيون فكرة مفادها أن السينما في عالم اليوم أصبحت تساعد السياسة، إذ إن هذه الأخيرة بدأت تقلد السينما، على حد وصفهم، حيث أن الفن السينمائي أصبح سباقاً إلى بلورة الأفكار السياسية، واستشراف المستقبل الإنساني المنشود، الذي تسوده قيم العدالة والتعايش. في هذا السياق قد تكون السينما الحقيقية هي تلك التي لا تهتم بالرسائل السياسية إنما بالفن، كما أراد هتشكوك أن يعبّر في إجابته هذه. ولكن، حين تستشف الرسائل - سياسية كانت أو أخلاقية أو حتى جمالية - من ثنايا الفيلم لا من مواعظ مباشرة، تغدو المسألة مسألة خيار، ولا تصبح السينما الملتزمة متهمة سلفاً، تقبع على حافة الإبداع... بل تتحوّل إلى سينما قادرة على لعب دور كبير في ملامستها شرائح عريضة في المجتمع ومحاكاتها وعي مشاهديها بما يمكن أن يحدث ثورة في الذهنيات، طالما أن الرسائل السياسية ليست مقحمة على القصة بل من قلب الحكاية. هنا لا يعود في الأمر انتهاك لجماليات العمل السينمائي أو تغليب فن الوعظ الحكائي على فن جماليات الصورة... ففي ظل الظروف السياسية المتأزمة، وضعف الوعي السياسي بدور الفن السينمائي، قلّما يمكن أن يحمل فنان سينمائي كاميرته ويصوّبها ناحية مواضيع من خارج الحركة السياسية والاجتماعية المتأزمة. وقلّما يتمكن سينمائي أن ينأى بنفسه إلى حدّ يصبح بينه وبين السياسة مسافة تجعله قادراً على تحقيق عمل إبداعي لا عمل يوثّق الوقائع أو يُطلق مواقف لا أكثر. وفي هذا الإطار يأتي كتاب «السينما والسياسة» لعلي أبو شادي الذي يضم مجموعة من الدراسات والمقالات التى حاولت رصد تلك العلاقة المبتادلة بين السينما والسياسة... والسياسة هنا تعني النظام السياسي، تم نشر معظمها فى مجلة «فن» اللبنانية و «الكواكب» المصرية، وصحيفة «الحياة اللندنية» وذلك خلال الفترة من (1991- 1997) وبعضها لم ينشر من قبل. ويرى «أبوشادي» فى كتابه أن بين السينما والسياسة في مصر علاقة معقدة شديدة التشابك، والتداخل حين طلبت السياسة دعم السينما، فرّت السينما من الميدان وخذلت السياسة لكنها استدارت لتطلب من السياسة أن تعطي وتمنح، وحين أعطت ومنحت تصرف البعض بسفه وسفاهة وأهدر المال العام في اكتشاف الأصداف العطنة وإن أثمر عن غير قصد العديد من اللآلئ والدرر التي ما زالت تزين على رغم أنف الكثيرين. رحل أبوشادي خير من أبدع بين السياسة والسينما، في رحلة طويلة من العمل في الصحافة، كما في مؤسّسات رسمية مختلفة سالفة الذكر... وله كتابات عديدة عن السينما التسجيلية، من دون أن يتغاضى، نقدياً، عن ارتباك العلاقة بين السياسة والمجتمع والمؤسّسات من جهة أولى، والاشتغال السينمائيّ من جهةٍ ثانية.