ها نحن نطوي صفحة جديدة وعاماً جديداً"عام 2008"، بأحزانه وأتراحه، لنفتح صفحةً جديدة ونبدأ عام 2009 الجديد، بأحزانٍ جديدة - قديمة، وآلام مدمية في فلسطينوالعراق. ولكن على رغم أحداث غزّة المأسويّة والمحزنة، سأحاول أن يكون مقالي الأول لهذا العام مقالاً خفيفاً، عسى أن تكون هذه السنة سنة خير وسلام على الأمّتين العربية والإسلاميّة. لست"خبيراً"في التنبّؤات والتحليلات حول القضايا العالمية والمالية أو الجيوسياسيّة. وعلى رغم ذلك، سأذكر بعض توقّعاتي للعام الجديد 2009. فإذا ما نظرنا إلى الأخطاء الجسيمة في توقّعات بعض الخبراء للسنة الماضية 2008، في ما يتعلّق بالكساد العالمي، وانهيار أسواق المال، وأسعار البترول التي أخبرونا بأنّها ستتجاوز ال"200"دولار، أظنّ أنّه يحقّ لي أن أعلن بعض التوقّعات للسنة الجديدة، ولو لم تصدُق، ففي النهاية لن أكون الوحيد الذي يفشل في توقّعاته، كما لا أظنّ أن أحداً سيحتفظ بمقالي هذا، ليعمل بتوقّعاتي، أو ليذكّرني، في بداية 2010، بضعفٍ في توقعاتي وتنبّؤاتي للمستقبل. فليسمح لي إذاً، القارئ الكريم، أن أٌدلي ببعض التنبّؤات وبعض الأحداث التي أتوقّع حصولها خلال السنة الجديدة، وهي سنة ستتسارع فيها الأحداث، وتشهد تغيّرات جذرية في العالم، سواءً على الصعيد السياسيّ، أو البيئيّ، أو الأمني... كما تشهد تغيّرات في المنطقة قد تبدو بسيطة أو دون أهميّة تُذكر، ولكن سيكون لها أثر كبير على المدى البعيد. وأبدأ بالرئيس الأميركي باراك أوباما الذي أتوقّع أنّه سيركز على السياسة الاقتصادية الداخليّة، وسيستمرّ في اتباع السياسة الخارجية الأميركية نفسها في المنطقة العربية، وإن كان سيضع قفازّات ناعمة، لن تساعد في إخفاء اليد الحديديّة من تحتها! كما سيبدأ حواره مع كلّ من الدولة الإيرانيّة، بعد خسارة أحمدي نجاد في الانتخابات الإيرانية، والجمهوريّة العربيّة السوريّة، وذلك بعد أن تباشر من جهّتها الحوار مع اسرائيل، على رغم أن المحادثات السورية الإسرائيلية والأميركية لن تٌسفر عن أيّ جديد لهذا العام. أما لبنان فسيعيش سنة متقلّبة، ولن تُسفر الانتخابات النيابيّة في شهر أيار مايو القادم، عن فوزٍ كاسحٍ لايّ من طرفيّ النزاع 8 آذار أو 14 آذار. كما قد نشهد مجدّداً بعض الاغتيالات ولو بشكل محدود، وسيبقى الوضع مضطرباً، مترقّباً لنتائج المفاوضات السورية - الإسرائيلية، ويبقى الخيار الأخير في يد"حزب الله"، كونه الوحيد القادر على تهدئة الوضع الداخلي، إذ يبدو أنّ الطرف السوري قد سحب منه الغطاء بعد مفاوضاته المباشرة مع اسرائيل. ممّا سيُسفر عنه حكومة وحدة وطنية لبنانية ضعيفة، يشارك فيها الغالبية من جهّة، وذلك لضمان استمرار المحكمة الدولية التي تحقّق في جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، والمعارضة من جهّة أخرى، وذلك لتتمكّن من تعطيل المحكمة، أو على الأقل لحماية نفسها من التُّهم الموجّهة إليها. أما في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، فبعد فرض الحصار المقفر على قطاع غزّة، وتجويع أهلها، وقصفهم جوّاً، ستتفاقم الأزمة ويزداد الوضع سوءاًً، ويستمر الاحتلال، حتّى ترضخ الضفة للأمر الواقع. كما ستشتدّ الفرقة بين حركتيّ حماس وفتح، ولن تُسهم الانتخابات في إرضاء أي من الطرفين - هذا إن حصلت - وستزداد معاناة الشعب الفلسطيني نتيجة الاحتلال الإسرائيلي والصراع بين القيادات الفلسطينية. ويبقى العرب على انقساماتهم باستثناء دول الخليج العربي، التي ستشهد نجاحات وتطوّرات بسيطة، ولكن مهمّة على الصعيد الاقتصادي. ولكنها ستشهد نمواً بطيئاً، وعليها توخّي الحذر، خصوصاً أن العلاقات العربيّة ستتحسّن مع العراق، وسيشهد تحسّناً في وضعه الأمني. أمّا إيران، فستستمر في التسويف والمماطلة في ملفّها النووي، وسيقف العالم مكتوف الأيدي، دون أي حيلة، ولن يتمكّن من منعها من تطوير سلاحها النووي. أمّا من الناحية الاقتصادية، فستعاني سنة 2009 من سوء الوضع الاقتصادي العالمي، خصوصاً في الدول الأوروبيّة، التي ستعاني أكثر من أميركا والدول الآسيويّة للخروج من الأزمة المالية العالمية. وستستمرّ هذه الأزمة حتّى منتصف عام 2010، قبل أن يعاود الاقتصاد الأميركي انتعاشه من جديد. وستستمرّ أسعار البترول في الانخفاض حتى الربع الأخير من السنة، ولكن الاقتصاد في دول الخليج سيتمكّن من التكيّف مع هبوط هذه الأسعار. أمّا أسعار المعادن، خصوصاً الذهب، فستشهد ارتفاعاً ملحوظاً، قبل أن تعود للهبوط في أواخر السنة أو بداية السنة القادمة. وتوقّعي أتى نتيجة نصيحة أحد الأصدقاء لي في الاستثمار في شراء الذهب، ولكن كما عهدت النصائح التي تُقدّم إليّ - وهي تكون مخطئة عادة إذا ما عملت بها، وصحيحة إذا لم أعمل بها - لذلك أتوقّع ارتفاعاً مستمراً في أسعار الذهب والمعادن. أمّا بالنسبة لسوق الأسهم السعوديّة والخليجيّة، فهي ستستمرّ بالتحسن ولكن بحذر، دون قفزات مهمّة - لأن الهوامير محروقو الأصابع، والصغار تأدبوا من السنة الماضية - لذلك ستستقر سوق العقارات السعودية، ويستمرّ الطلب الكبير على السكن دون أي ارتفاع ملحوظ في الأسعار. إنّ كل ما سبق وذكرته هو مجرّد توقعات غير علمية، ولكن أستطيع أن أجزم أنها تناهز، لا بلّ تتفوّق على توقّعات وتحليلات"الخبراء"، الذين يظهرون في الفضائيات العربية والأجنبية، أو يكتبون في الصحف والمجلات. إنّ مشكلة الخبراء تكمن في أنّ تحليلاتهم تقرأ وتحلّل ما حصل في الماضي، في محاولة لوضعه في قالب منطقيّ، يفهمه القارئ العادي"ولكنّهم يعجزون عن التحليل أو النظر إلى المستقبل بطريقةٍ منطقيّة بعيدة عن الاستنتاج من أحداث الماضي لتبرير توقّعاتهم المستقبليّة. * المدير التنفيذي لمؤتمر"فكر" [email protected]