عانى العالم برمته من موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة، التي ضربت شرقه وغربه وشماله وجنوبه، وعانى المسلمون على وجه أخّص من تلك الموجات، التي تغلغت في حياتهم برمتها لتضرب آثارها شهر الصوم والجود، لاسيما أن طقوس رمضان عند الإفطار تختلف عن غيره من الأشهر، بل وتتميز بسرها الأثير في تجمع الأسر المسلمة على طاولة طعامٍ خاصةٍ أعدت للاحتفاء بقطع الصوم مع تكبيرة أذان المغرب. وذكرت إحدى الصحف الخليجية أن بعض خطباء الجمعة في تلك الدولة، التي تصدر منها الصحيفة حثوا التجار على تقوى الله تعالى، وعدم رفع الأسعار على الناس، كما حثوا الناس على التقليل من مظاهر الإسراف، التي قد تصاحب إفطارهم وتبضعهم لهذا الشهر العظيم، وهي لفتة تستحق الإشادة والتقدير، وينتظر من أئمتنا لعب هذا الدور أيضاً بالتضرع إلى الله تعالى بأن يدفع عن أمتنا الغلاء والوباء. غير أنني توقفت عند فتوى منسوبةٍ لأحد أهل العلم في دولةٍ مغاربيةٍ تحرم أكل الزلابية عند الإفطار، بحجة البدعة المحدثة في الدين! وأكل الزلابية عند أولئك القوم على الإفطار يشبه تناول الحلويات الشرقية باختلاف أسمائها لدى رعايا دول العالم العربي. ولفت نظري من خلال الردود على الخبر الطريف، قول:"أحدهم لا تكمن المشكلة في أكل الزلابية، بل في القدرة الشرائية للمستهلك"! أما الآخر فقال:"ألحظ ارتفاعاً لا تخطئه العين في أسعار الزلابية، وإذا استمر هذا الارتفاع غير المبرر في سعرها، فإنني قد أضطر إلى التوقف عن أكلها من دون الحاجة إلى فتوى من أحدٍ"! يقول الكاتب الساخر ياسر قطامش:"كنت اقلب فى أوراق والدى القديمة، فوجدت مفكرة جيب خاصة بجدي الحاج عباس أفندي - شيخ البلد آنذاك - كتب فيها بخط يده مشتريات رمضان سنة 1942، وكانت 30 قرشاً ثمن 5 ارطال لحم نصف كيلو، و320 مليماً ثمن 10 أوقية سكر، و8 قروش ثمن قدحين فول، و45 قرشاً ثمن 5 أرطال سمن بلدي، و22 قرشاً للزبيب، و40 قرشاً لقمر الدين، و22 قرشاً للقراصية، و40 قرشاً للفستق، وبحسبة بسيطة نجد أن تموين رمضان لمدة أسبوع على الأقل هو 240 قرشاً، وعلى رغم هذا كتب جدي على هامش المفكرة"قاتل الله الحرب، فقد أشعلت الأسعار"كان يقصد الحرب العالمية الثانية. أعتقد ان جدي عباس لو عاد إلى زماننا ورأى الأسعار الآن، لمات مرة ثانية بالسكتة القلبية"!