يحرص المجتمع الأحسائي على عادات شعبية في العام عموماً، وفي شهر رمضان خصوصاً، اكتسبتها الأجيال تلو الأخرى، إلى أن أصبحت تلك العادات من موروثات ذلك المجتمع. وإن بدت في نظر الآخرين أنها عادية وموجودة في كل مجتمع وبيئة، تبقى الصبغة الأحسائية موجودة على تلك العادات بشكل لافت. ومن تلك العادات الشعبية لعبة الفيشة"الفرفيرة"، التي يحرص كثير من الأطفال على لعبها في ليالي رمضان في مناطق المملكة كافة، إلا أنها في الأحساء وسيلة للتربية على الاعتماد على النفس، وتعليم اكتساب المال بالعرق والجهد، ويقول ميثم حسين آل داود، الذي يبلغ من العمر 12 عاماً ويمتلك لعبة"الفرفيرة":"أحرص يومياً بعد انتهاء الإفطار على إخراج لعبتي الخاصة خارج المنزل، في مكان خصصته لها وزودته بالإضاءة اللازمة، وساعدني أخي في ذلك". وحب ميثم لممارسة اللعبة وتحديه زملاءه فيها،"جعلني أطلب من والدي شراءها لي قبل رمضان تحديداً"، وأراد ميثم، الذي تعلم من والده الاعتماد على النفس أن يرد الدين له، فاستغل موقع بيته في وسط الحارة وتجمع كثير من أصدقائه حول اللعبة، ما دعاه إلى تأجيرها عليهم،"فدرّت عليّ في اليوم الواحد نحو 50 ريالاً، وبمجرد أن جمعت نحو 800 ريال، وهي قيمة اللعبة، أعطيتها لوالدي مقدماً له شكري"، وفرح والد ميثم بصنيع ابنه واعتماده على نفسه، واستمتاعه بلعبته المفضلة. وتعجّ حواري الأحساء في رمضان بأنشطة متنوعة، وتعتز كل حارة بباعة الكبدة والبليلة والذرة والبطاطس من سكانها، وتشجعهم على ذلك من خلال الشراء منهم، وعدم الشراء من باعة آخرين في الحواري المجاورة،"ما يمثل تعاضداً اجتماعياً واقتصادياً واكتفاءً ذاتياً"، بحسب البائع صبري الصقر، ويضيف:"أمارس بيع الكبدة والبطاطس والبليلة منذ أربع سنوات، وكان رأسمالي في البداية نحو 300 ريال، ومع تشجيع أهل حارتي بشرائهم مني، ثبتُّ أقدامي في تلك المهنة". ويوضح أن"بعض الزبائن يفضل الكبدة في سندويتش، وآخرين يطلبونها في صحن مصطحبة بملعقة"، وأشار إلى أنه يستمر في البيع حتى"الساعة الثانية صباحاً". وإن كان الصقر امتهن بيع الكبدة طوال العام فإن خليفة، الذي يتخذ من حارته في الهفوف في حي السليمانية مقراً له، يمارسها"كهواية فقط في شهر رمضان المبارك، وأقوم بطهي كبدة الإبل فقط، وأستقبل زبائني كالمعتاد من بعد صلاة العشاء مباشرةً"، وتعلو في داخل الأحياء السكنية وخارجها أصوات الأطفال في ليالي رمضان أثناء اللعب، وتجولهم وحركتهم من مكان إلى مكان، ما يمثل رواجاً للباعة، ويقول أحمد الباقر ونايف عبدالوهاب:"اعتاد الأهالي في الأحساء على مشاهدة شباب حاراتهم يبيعون الكبدة والبليلة والذرة والبطاطس، وكذلك أصحاب الفيشة"الفرفيرة"في أماكن متفرقة ومنتشرة في داخل الحارات وعلى الشوارع العامة"، ويقوم الأهالي بتشجيع هؤلاء الشباب ومساعدتهم بالشراء منهم"، واعتبرا أن هذا العمل يسهم في"إكساب الشبان الصبر والاعتماد على النفس". ويقوم الباعة قبل شهر رمضان بأيام قليلة بالاستعداد له بصنع"كوشة"صغيرة، وتجهيزها بالمعدات الخاصة، مثل الأواني وأدوات طهي الكبدة والبطاطس والبليلة والذرة والشطة والخل والكمون والملح وغيرها، ويرى يحيى العوفي أن"هؤلاء الباعة أفضل من الشبان الذين يرتادون المقاهي ويلعبون الورق".