لا ندرك نحن الصائمين معاناة الأجيال الغابرة مع شهر الصوم المبارك رمضان، فمهما زادت درجات الحرارة عن الحد المقبول، وارتفع أتونها اللاهب، فإن لدينا - في وقتنا الحاضر - من الوسائل الحديثة، ما يساعدنا في التخفيف من شدتها وكبح جماحها، على العكس مما كان يعانيه الآباء والأجداد من انعدام هذه الوسائل المساعدة على التأقلم مع تلك الأجواء، إذ يروي شيخ نجدي ناهز العقد التاسع، أنه كان يعمل في مزرعةٍ للأسرة نهار رمضان القائظ وهو ممسك عن الطعام والشراب، وأن شدة القيظ أوقعته أكثر من مرةٍ على الأرض، بفعل نقص السوائل في جسده وشح الطعام. ويروي شيخ آخر طريقة الحصول على شيءٍ من النسمات الباردة في تلك الحقبة، عن طريق نضح الماء فوق الجسد والاضطجاع في ظل حائطٍ، أو تحت ظل شجرةٍ، أو النوم بجوار الأواني الفخارية الحافظة للماء، استجلاباً لليسير من البرودة التي لا تسمن ولا تغني من حرٍ. مع أن غالبية الرواة اتفقوا على أن عملهم في رمضان كان مضنياً للغاية، وكان ينصب في مجمله على الزراعة والرعي في بيئةٍ صحروايةٍ جافةٍ لا تعرف الرحمة! ودار الدهر دورته وحل رمضان في أواخر شهر آب أغسطس هذا العام، وبدأت الشكاوى والتذمر والتأفف بين الناس، مع امتلاكهم للوسائل المناسبة لمقاومة آثار الحرارة، من ماءٍ باردٍ وأجهزة تكييفٍ لا تنبس ببنت شفةٍ، ووسائل مواصلاتٍ حديثةٍ وسريعةٍ مكيفةٍ، وأعمال مكتبيةٍ لا تمت بصلةٍ للزراعة أو الرعي، تجلب النعاس والخدر أكثر من جلبها للنشاط. بل إن بعض أرباب الأسر قد يعاني أشد المعاناة إذا طلبت منه الزوجة إحضار شيءٍ من السوق ولم يعثر عليه، أو عثر على شبيهه ولكنه يختلف معه في اسم الماركة ودولة المنشأ، وأصبحت أصناف الطعام على الموائد طقوساً لا بد منها وإلا لم يصح ذوق الصيام في عرف عشاق بعض تلك الأنواع! وليس هناك من حاجةٍ لتعداد شيءٍ من هذه الأصناف، إلا أنني سأحدثكم في موضوعٍ مقبلٍ عن أزمةٍ غريبةٍ وقعت عقب حرب تحرير الكويت مباشرةً، حينما انعدمت السمبوسة من أسواق مدينة الرياض! إذ لا يتسع مقام البسط هنا لرواية أبعاد تلك المأساة الغذائية.