قبل أسابيع قليلة بعثت برسالة للأخ الدكتور عبدالرحمن العشماوي قلت فيها:"لقد أفسد علينا التلميح وضوح الرأي والرؤية"، تعليقاً على مقال له تحت عنوان "بمنتهى الوضوح"،كما اطلعت على لقاء أجرته مجلة"اليمامة"مع الدكتور فهاد الحمد عضو مجلس الشورى، وكان اللقاء غاية في الموضوعية والحصافة. قبلها قرأنا وشاهدنا مداخلات وتعليقات وطروحات من بعض منسوبي مجلس الشورى نحسبها عملاقة متألقة ناضجة. قال رسول الله"صلى الله عليه وسلم": إذا جاءكم المدَّاحون فاحثوا في وجوههم التراب، وقد كثر المدَّاحون في هذه الحقبة، لذلك لا نريد مدحاً، وكأن مدح المتنبي لكافور أصبح منهجاً هذه الأيام. تأتي مطالبة الأخ عبدالله الطويرقي بإعفاء وزير الصحة لتؤكد أن بوناً شاسعاً بين أعضاء مجلس الشورى في التشخيص والتقويم، وقبل أن أدخل في موضوعه لي وقفات لعلها تعني شيئاً: 1- يقول مالك بن نبي عن تجربة إندونيسيا أواخر الأربعينيات، حين كلفت اختصاصياً ألمانياً هو الدكتور شاخت بوضع مخطط للنهوض باقتصاد إندونيسيا، وكان هذا الاختصاصي وضع مخططاً قاد الاقتصاد الألماني بين عامي 1933 و1936 إلى نهوض عاصف، ففي اندونيسيا وُضِعت إمكانات اقتصادية تحت تصرف الدكتور شاخت، ولكن المخطط عينه الذي نجح نجاحاً باهراً في ألمانيا أخفق في اندونيسيا إخفاقاً ذريعاً... فما السبب؟ 2- شكى هارون الرشيد لخاصته بعد نكبته للبرامكة أنه لو كان يثق في البرامكة لأعادهم لأنه لم يجد أكفأ منهم. 3- أوكل المعتصم وزارة في عهده للفضل بن مروان وهو عامي، فضاق به المعتصم ذرعاً، ما دعاه إلى نكبته ومصادرة أمواله، ثم استوزر أحمد بن عمار وكان جاهلاً بآداب الوزارة وبالأدب واللغة... فسأله المعتصم يوماً عن معنى كلمة"الكلأ"فلم يجبه، فأبدى المعتصم مرارة الحال قائلاً: خليفة أمّي ووزير عامّي! وكان محمد بن عبدالملك الزيات وزيراً قوياً في عهد المعتصم إلا أن الواثق بن المعتصم يكرهه حتى انه أقسم إذا ما آلت اليه الخلافة أن يقتله، فلما آلت الخلافة للواثق استدعى عشرة من الكتّاب ليختار منهم وزيراً ولم يجد منهم أحداً يصلح للوزارة... فصام الخليفة الواثق ثلاثة أيام واستوزر عدوه. 4- كان من خلفاء بني العباس في العصر العباسي الثاني من اشتكى لحاجبه بأنه لم يوفق بوزراء أكفاء أمثال من أستوزرهم من سبقه من الخلفاء العباسيين فكان الرد:"يا أمير المؤمنين إن أولئك الخلفاء اعتمدوا على المقتدرين وأنت اعتمدت على الثقات". 5- أوصى نيلسون مانديلا في حفلة تنصيب خليفته تامبوموبكي زعيماً خلفاً له لجنوب أفريقيا قائلاً:"أرجو أن تُحِط نفسك برجال لا يقولون لك إلا نعم". هنا ندخل في نقاش فيه قيل وقال، فمجلس الأمة الكويتي له أخطاء مؤكدة، ولأن الكمال لله وحده، فإن أخطاءه لم تضعف اعجاب المواطن الخليجي بل والعربي به، فهل لنا أن نسأل الأخ عضو مجلس الشورى إذا كان رأيه بإعفاء وزير الصحة على طريقة مجلس الأمة الكويتي؟... إذا كان كذلك فإن الطويرقي لم يوفَّق للتشخيص إلا إذا كان يبحث عن وزير لا يتعقبه. وفي مداخلة لمناقشة ما طرحه الطويرقي قال صاحبي: ممكن أن نجد من يبحث عن موضوع ليقال قالها فلان... على رغم أنها أنانية ضيقة، وقد نجد آخر يكون مدفوعاً فتلك ظاهرة نشاز يلفظها المجتمع الثقافي والمهتمين بالشأن العام... قلت: وإذا كانت هموم المواطن والبنية التحتية تختزل في وزارة الصحة فهنا تكمن الخطورة. حقيقة إن وزارة الصحة تعيش اليوم نقلة نوعية مميزة في عهد وزيرها الدكتور حمد المانع، وعلى رغم كرهي الشديد للثناء لمسؤول لأنه يعمل بمقتضى مهام جهازه ومؤتمن عليه الا أنه عندما تضل الواقعية طريقها فهو أشد كرهاً. فإذا كان الوزير. أي وزير. يده عفيفة وقلمه نظيف ووزارته طاهرة من أوكار المحسوبيات ومتفهم لسياسة بلده، ويقود وزارته بكفاءة واقتدار، فهل يُطالب بالاعفاء؟ ... أخيراً لنا أن نسأل الأخ الطويرقي كعضو مجلس الشورى: ما معايير نجاح الوزير؟ وهل مررت بها على وزارات أخرى؟ ربما شيء من"حتى"دفعه للمطالبة ودفعني للتعقيب... [email protected]