نستقبل شهر رمضان المبارك، شهر العبادة والقرآن والتواصل والتراحم، وشهر السعادة، بالفرحة والابتهاج، فهكذا تعودنا أن نستقبله حتى الماضي القريب... لكن هذا الضيف العزيز على قلوبنا بدأنا نفتقد الكثير من وهجه وروحانيته التي تميزه عن باقي الشهور، إذ لم يعد بالنسبة للكثيرين من جيل اليوم ذلك الشهر الذي ينتظره الجميع بشوق ولهفة، لينعموا بأجوائه الدينية والإنسانية، وينهلوا من بركاته وإفاضاته، لم يعد لهم ذلك الزائر العزيز الذي يعطر بنفحاته وبركاته الأجواء، وينثر البهجة والتفاؤل بالخير، لم يعد شهر رمضان كما كان في الأمس! لم يعد - كما كان - شهراً للأعمال الصالحة والعطاء والبذل والسخاء والإيثار، ولم يعد شهراً للتقارب والترابط والتراحم والتزاور، ولم يعد ذلك الشهر الأثير إلى قلوب الكثيرين من جيل اليوم، أو الضيف الذي نتشوق لمقدمه! قد أكون من الأجيال المحظوظة التي شهدت رمضان الفضيل بكامل بهجته وروحانيته، فما زلت أتذكر كيف كانت الأسر تستعد لقدومه، وكيف كانت تخطط لاستقبال أيامه ولياليه صياماً وقياماً لطلب الرحمة والمغفرة وتلاوة القرآن الكريم، والإكثار من الدعاء ومحاسبة النفس والتزود بصالح الأعمال، ما زلت أتذكر الأهازيج الجميلة الخاصة بهذا الشهر الكريم التي تتوزع على طول أيامه، ابتداءً من مقدمه الميمون ومروراً بليلة النصف، أو ما يطلق عليها خليجياً"القرقيعان"أو"الكريكشون"، ثم لياليه الأخيرة التي تسبق العيد. إن شهر رمضان لمن هم من جيلي أو من سبقه يُعد وقفة صادقة مع النفس، لمحاسبتها على التقصير سواء في حق الله أو في حق الناس، ذلك هو رمضان الأمس الذي أعرفه وأتذكره جيداً، بذكرياته الجميلة التي ما زالت محفورة في ذاكرة إنسان هذا الوطن. أما رمضان اليوم فشيء آخر جديد على مجتمعنا، ولا علاقة له بقدسيته، إذ لم يعد شهر العبادة، ولا التراحم ولا التزاور كما عرفناه، بل أصبح شهراً للسهرات والمسلسلات الهابطة والخيم"الرمضانية"المليئة بما لذ وطاب من أكل وشرب وسواهما، ما أفقد هذا الشهر الفضيل روحانيته وقدسيته، للأسف الشديد، لم يعد شهر رمضان كما كان، وكذلك حال كل أشيائنا الجميلة، فشهر رمضان هذا العام، على موعد مع مائدة كبيرة ومتنوعة من المسلسلات التركية التي بدأت ب"إكليل الورد"و"سنوات الضياع"وحتماً لن تنتهي ب"نور"، فالأخبار القادمة من بحر الأناضول ومهد الخلافة العثمانية تبشر الصائمين بسلسلة طويلة لا تنتهي من المسلسلات التركية التي تزخر بنجوم مثل مهند ولميس ويحيى ونور. أيضاً الجزء الثالث من"باب الحارة"أصبح جاهزاً للعرض في شهر رمضان، وهل هناك أفضل من هذا التوقيت! لقد ابتعدنا أو أُبعدنا ? لا فرق - عن مضامين وأهداف الشهر، فأخذناه الي أجواء وفضاءات غير مناسبة، واعتبرناه شهراً للتسلية والمتع الزائفة والمسابقات والسهرات البعيدة كل البعد عن دور جوهره وهدفه الإيماني النبيل! وها نحن نزداد عاماً بعد عام تفريطاً في تكريم هذا الشهر بالانقطاع عن أجوائه وعاداته من عبادة وتواصل وتلاوة القرآن، مثلما نزداد بُعداً عن أجمل وأحب قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا النبيلة الجميلة، لتحل محلها قيم وعادات دخيلة علينا لا تمت لتراثنا وهويتنا بصلة، نحن في حاجة ماسة وضرورية لإعادة الاعتبار لشهر رمضان الكريم بكل ما فيه من عبادة وصلاة وتراحم وتزاور وبهجة وفرحة، بالاهتمام بما كان عليه في الأمس، فهل نستطيع ذلك بدءاً من رمضان هذا العام؟ [email protected]