انتهينا الأسبوع الماضي من مقال"التوتر في الخليج"الذي تناولنا فيه تحليل المواقف والعوامل لكل الأطراف المشاركة في هذا التوتر من الولاياتالمتحدةوإيران وإسرائيل، ووضحنا أن المواجهة لن تحدث بين هذه الأطراف بسبب العوامل التي ذكرناها في ذلك المقال. واليوم تتناول المؤثرات والدلائل التي تعطي انطباعاً بأن هناك صفقه كبرى بين مختلف الأطراف المشتركة في أزمة الملف النووي الإيراني المثير للجدل، الذي ما هو إلا وسيلة للوصول إلى صفقة كبرى بين الولاياتالمتحدة الأميركية وإيران حول مختلف القضايا الشائكة بين البلدين مثل العراقولبنان، وإمدادات النفط والمصالح المشتركة الأخرى بينهما. إن المتتبع للعلاقات الأميركية الإيرانية منذ انتهاء الحرب العراقيةالإيرانية يرى أنها تتجه إلى الاستقرار شيئاً فشيئاً، فالدور الإيراني في حرب الخليج على العراق وحرب أفغانستان اللتين قادتهما الولاياتالمتحدة الأميركية كان بناءً وفاعلاً لمصلحة الطرفين، ما عزز الانطباع السائد بوجود تبادل مصالح سياسية واستراتيجية بين الطرفين، تؤدي في ما بعد إلى نمو المصالح المشتركة بينهما، خصوصاً السياسية والاقتصادية و بشكل مباشر تجعل من الطرفين شريكين فاعلين. إن مؤشرات الصفقة الكبرى بين الطرفين بدأت تظهر من خلال معطيات إقليمية ودولية عدة، يكون للطرفين فيها علاقة مباشرة أو غير مباشرة وهي: 1- المصالحة اللبنانية في الدوحة: تمت مصالحة الفرقاء اللبنانيين في العاصمة القطرية"الدوحة"، بعد التصعيد العسكري من حزب الله رداً على قرارات الحكومة اللبنانية بشأن شبكة اتصالات الحزب والمسؤول الأمني لمطار رفيق الحريري الدولي، إذ تدخلت إيران وسورية بشكل مباشر في هذه المصالحة لتسهيل نجاحها، واتفاق الفرقاء على آلية تشكيل الحكومة اللبنانية وانتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشيل سليمان. 2- المفاوضات السورية الإسرائيلية: قامت تركيا برعاية مفاوضات غير مباشرة بين سورية وتركيا، في وقت كان يعتقد الجميع أن قنوات التفاوض مسدودة بين الطرفين، خصوصاً بعد تدمير ما أطلق عليه مفاعل نووي في سورية، واغتيال عماد مغنية المسؤول العسكري لحزب الله في دمشق. 3- تشكيل الحكومة اللبنانية: في كل الأزمات الإقليمية والدولية يكون الوضع في لبنان مؤشر تأزم أو انفراجاً للوضع في الشرق الأوسط، نظراً لتشابك المصالح والتدخلات الإقليمية والدولية في هذا البلد. 4- الحوار الفلسطيني في دمشق: اجتمعت الفصائل الفلسطينية في دمشق، بينما كان محمود عباس يزور سورية في خطوة الهدف منها مصالحة هذه الفصائل، تمهيداً للتأقلم مع الوضع الذي سيسود في المنطقة. 5- مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط: دعت فرنسا إلى مؤتمر يدعو للاتحاد من أجل المتوسط يجمع الدول المطلة على البحر المتوسط مع أوروبا، في محاولة لإنشاء اتحاد بين هذه الدول يتضمن التعاون لحل مشكلات المنطقة السياسية والاقتصادية، وعلى رأسها مشكلة الشرق الأوسط في محاولة للنفاذ إلى هذه الدول من خلال هذا المشروع. 6- الدعوة السورية لدور فرنسي فاعل ورعاية أميركية: دعت سورية خلال مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط إلى دور فرنسي فاعل في عملية السلام في الشرق الأوسط ورعاية الولاياتالمتحدة لهذه العملية في خطوة تمثل مدى رغبة سورية في التقارب مع فرنساوالولاياتالمتحدة الأميركية وخروجها من أزمة الملف اللبنانيوالإيراني. 7- اللقاء السوري اللبناني في فرنسا: اجتمع الرئيس السوري مع الرئيس اللبناني وبرعاية فرنسية قطرية لكسر الحاجز بين الطرفين في التواصل بعد انسحاب سورية من لبنان، وفي خطوة أظهرت مدى التأثير الفرنسي في جانب المقاربة بين الطرفين وتنشيط سبل الحوار بينهما. 8- تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل: تمت صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل، على رغم التوتر الظاهري بين الطرفين، خصوصاً بعد اغتيال عماد مغنية في دمشق، ومقتل الجنديين الإسرائيليين اللذين تم أسرهما في إسرائيل عام 2006. 9- دعوة الرئيس الفرنسي للرئيس السوري بالتوسط في موضوع الملف النووي الإيراني وقبول الأخير لهذه الدعوة واستعداده لزيارة طهران لبحث سبل تخفيف التوتر بين إيران والدول الغربية. 10- رفض الولاياتالمتحدة الأميركية للتوجه الإسرائيلي بضرب المنشآت النووية الإيرانية، بحسب ما ذكر الكاتب الإسرائيلي ألوف بن في صحيفة"هآرتس"في مقال عنوانه"صفعة أمريكية لإسرائيل"! يتبين من خلال استعراض المعطيات التي تم ذكرها أن التوتر بين الولاياتالمتحدةوإيران يتجه إلى التهدئة والوصول إلى تفاهم بين الطرفين حول مجمل القضايا الشائكة في المنطقة، إدراكاً منهما بأن المواجهة لن تكون في مصلحة الطرفين، ما جعلنا نعود بذاكرتنا عن الدور الفرنسي قبل وصول ساركوزي إلى الرئاسة، عندما قال الرئيس السابق جاك شيراك في مقابلة مع صحيفة"نيويورك تايمز"في يناير كانون الثاني 2007:"أود القول انه في واقع الأمر ليس من الخطورة أن تحصل إيران على قنبلتها النووية الأولى ثم تليها الثانية لا حقاً في وقت ما، الأمر ليس بكل تلك الخطورة"ما يدل على أن الدور الفرنسي أصبح حيوياً في معالجة بعض القضايا الشائكة في الشرق الأوسط كالقضية اللبنانية والملف النووي الإيراني، إذ أظهرت الديبلوماسية الفرنسية حماسةً بتفعيل الدور السوري سواء في لبنان أو في التوسط في قضية الملف النووي الإيراني، إذ عبّر الرئيس السوري بشار الأسد خلال اجتماعات الاتحاد من أجل المتوسط والتي انعقدت في باريس عن رغبته في القيام بهذه الوساطة. إن هذه الصفقة هي في مصلحة الولاياتالمتحدة الأميركية لإبعاد التأثير الروسي الصيني، وما تفعيل الدور الفرنسي مع إيران والدول والمنظمات المتحالفة معها إلا خطوة أولى في هذه الصفقة، إذ نرى تأهيلاً للدور الفرنسي من الولاياتالمتحدة الأميركية ليلعب دوراً فاعلاً في حلحلة بعض الملفات العالقة والساخنة، وذلك من خلال مشروع"الاتحاد من أجل المتوسط"ليكون الخطوة الأولى لمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، ويحل محل المشاريع الأخرى التي حاولت بعض الأطراف الدولية والإقليمية تنفيذها في السابق وفشلت بسبب عوامل محلية وإقليمية ودولية. * عضو مجلس الشورى.