عند تسلمه مهماته، يواجه رئيس الولاياتالمتحدة، باراك أوباما، تحديات معقدة ومترابطة وخطيرة بالشرق الأوسط، بدءاً بتراجع العنف في العراق، واقتراب إيران من حيازة قنبلة نووية، وتعثّر عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وتقويض مجموعات إسلامية مُسلحة سلطة الحكومة في لبنان والأراضي الفلسطينية، الى تراجع مكانة الولاياتالمتحدة بالمنطقة جراء فشل الأعوام الأخيرة. وشأن ميل الأوضاع بالعراق الى الاستقرار إفساح المجال أمام الإدارة الأميركية الجديدة للانصراف الى معالجة أزمة مشروع ايران النووي الخطير. وقد يعترض بعضهم على سعي الولاياتالمتحدة الى حل مشكلات الشرق الأوسط من طريق مبادرات سياسية تشرك الحلفاء الإقليميين وأوروبا وروسياوالصين. ويتذرع هؤلاء بأن الولاياتالمتحدة بددت ما يكفي من الوقت والمال وأرواح جنودها في هذه المنطقة. ويسيء هؤلاء تقدير أهمية مشكلات الشرق الأوسط، وارتباطها بأمن الولاياتالمتحدة. ويترتب على التصدي للتحديات العالمية المعاصرة، وهي مكافحة الإرهاب والحد من الانتشار النووي وضمان أمن الطاقة، معالجة مشكلات الشرق الأوسط. وإثر انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، هيمنت الولاياتالمتحدة على الشرق الأوسط من دون منازع. ولكن نفوذها تقهقر، في الأعوام الأخيرة، جراء الإخفاق في حل النزاع العربي - الإسرائيلي، والحرب الطويلة في العراق، والفشل في حمل الأنظمة العربية المتسلطة على انتهاج سياسات ديموقراطية. ولكن، وعلى رغم الإخفاقات، تنظر معظم دول الشرق الأوسط الى الولاياتالمتحدة على أنها القوة الأعظم قدرة على مساعدتها لبلوغ أهدافها. وحريّ بالولاياتالمتحدة الموازنة بين مصالحها وقيم الحرية والديموقراطية موازنة"قابلة للدوام". فأنظمة منطقة الشرق الأوسط معظمها تتجاهل مطالب شعوبها الشرعية. لذا، تنشط قوى المعارضة في هذه الدول في الجوامع. ويستحيل تذليل المشكلة من طريق الدعوة الى انتخابات مبكرة وحرة. والأحرى دعم الولاياتالمتحدة سيرورة رفع القيود عن العمل السياسي والحريات العامة في هذه المجتمعات، وبناء المجتمع المدني، وتعزيز القيم الديموقراطية، وإرساء حكم القانون واستقلال القضاء، والإقرار للمرأة بحقوقها. ولا شك في أن النفط هو ركيزة الاقتصاد الأميركية. ويسوغ هذا مكانة مشكلات الشرق الأوسط البارزة في سلم أولويات الولاياتالمتحدة. ويسهم استهلاك الولاياتالمتحدة النفط في تعزيز نفوذ الأصوليين المتطرفين في إيران وغيرها من الدول. وعلى إدارة أوباما السعي الى خفض استهلاك الطاقة وترشيد هذا الاستهلاك، والترويج لمصادر بديلة للطاقة، أي انتهاج سياسة خفض الطلب على النفط، وإبطاء عجلة التغير المناخي، ولجم حركة نقل الثروات من الغرب الى إيرانوروسيا وفنزويلا. فخفض متوسط استهلاك الطاقة يغير طبيعة التحديات الاستراتيجية بالشرق الأوسط. ولعل السياسة النفطية هي صنو السياسة الخارجية في المنطقة. والحق أن أوان إيلاء الولاياتالمتحدة ملف إيران الأهمية التي يستحقها آن. وأفلحت الولاياتالمتحدة في إطاحة نظام طالبان ونظام صدام حسين، وهما ألد أعداء طهران، وشرعت أبواب الشرق الأوسط على النفوذ الإيراني. وطلبت الدول العربية مساعدة الولاياتالمتحدة في كبح الهيمنة الإيرانية. ولكنها باءت بالخيبة. وعلى رغم هذه الخيبة، ترحب الدول العربية، ومنها سورية التي باشرت مفاوضات مع اسرائيل لتحسين علاقاتها مع واشنطن والخروج من المعسكر الشيعي في النزاع المستجد، بأداء دور الولاياتالمتحدة دوراً فاعلاً في المنطقة. وفي وسع الولاياتالمتحدة استعادة نفوذها في المنطقة من طريق بلورة سياسة اعتدال ومصالحة ومفاوضة وإصلاح سياسي واقتصادي مثمرة. ففي حال لم تكبح إيران وتيرة تخصيب اليورانيوم، قد تنجح في تجميع ما يكفي من اليورانيوم المتدني التخصيب لإنتاج مواد صنع قنبلة نووية في ولاية أوباما الأولى. وأغلب الظن أن تحتاج إيران الى عام أو عامين لحيازة أسلحة نووية. وتجاوز ايران العتبة النووية يحمل دول الجوار والولاياتالمتحدة معها، على حسابات أمنية مختلفة. وإذا سددت إسرائيل ضربة عسكرية الى ايران، قد تندلع الحرب على الجبهة مع لبنان، ويغلق مضيق هرمز، وترتفع أسعار النفط، وتتعاظم الهجمات على الأميركيين بالعراق وأفغانستان. وفي حال امتنعت إسرائيل عن مثل هذه الضربة، بقيت ايران في دائرة احتمالات خطيرة. فقد يفضي أي سوء تقويم لأفعال طرف من الطرفين الى ما لا تحمد عقباه. ومن أبرز أولويات إدارة أوباما التوصل الى تفاهم مع قوى رائدة للحؤول دون بلوغ ايران مراحل متقدمة من برنامجها النووي. ولكن موسكو قد تميل، إثر حرب آب أغسطس 2008 على جورجيا، إلى انتهاج سياسة موروثة من الحرب الباردة، وإلى دعم قوى تزعزع استقرار الشرق الأوسط العسكري، وضمان غطاء ديبلوماسي لها. وفي وسع إدارة أوباما اقتراح مجموعة من الحوافز على روسيا تحملها على التعاون في سبيل كبح نشاط إيران النووي. ومن هذه الحوافز دعم الولاياتالمتحدة عضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية، وتقييد انتشار منظمة الصواريخ الباليستية الأميركية بأوروبا، والتأني في توسيع"الناتو"، والتوصل الى ترتيبات مالية تعود بعوائد مجزية على موسكو، مثل إنشاء بنك وقود نووية روسية. وتيسر موافقة روسيا على الاشتراك في ضبط نشاط ايران النووي انضواء الصين في حلف يكبح إيران. وعلى أوباما أن يحمل القادة الصينيين على إدراك المخاطر المترتبة على أزمة ايرانية. فهذه، اذا انفجرت، ألحقت الضرر باقتصاد بلادهم، وزعزعت استقرار الصين السياسي. وحريّ بإدارة أوباما مباشرة مفاوضات مباشرة مع الحكومة الإيرانية. فتوجيه ضربة عسكرية الى منشآت ايران النووية يؤخر برنامجها النووي بضعة أعوام، ويتهدد القوات الأميركية بأفغانستان والعراق. وفرص نجاح عملية قلب النظام الإيراني عسكرياً، أو من طريق انتفاضة داخلية، ضئيلة. وقد لا تثمر المفاوضات المباشرة مع ايران. فلا يبقى امام الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي سوى الانتقال الى الخيارات العسكرية. وسبق أن واجه القادة الإيرانيون معضلة الاختيار بين مصالح الثورة وبقاء الدولة الإيرانية، وقدموا الثانية على الأولى. ويجدر بإدارة أوباما العمل على فصل مصالح الدولة الإيرانية عن مصالحها الثورية، واستجابة مصالح الدولة أولاً. وهدف المفاوضات الإيرانية - الأميركية المباشرة، إرساء نظام إقليمي جديد تتعاون فيه ايران مع دول الجوار، وتقبل ببسط نفوذها سلماً، والتخلي عن المواجهة وزرع الاضطراب، وعن نشر السلاح النووي. وحريّ بإدارة أوباما طمأنة العرب وإسرائيل وتركيا، قبل مباشرة المفاوضات مع طهران. فدول منظمة التعاون الخليجي ومصر والأردن تخشى أن تضحي واشنطن بمصالحهم لقاء الانفراج السياسي مع طهران. فيقتضي ذلك إشراك واشنطن هذه الدول في مبادرتها الديبلوماسية تجاه ايران، واستشارتها، وتوفير ضمانات نووية لها، في حال أخفقت مساعي تقييد البرنامج النووي الإيراني. وعلى واشنطن ثني إسرائيل عن تسديد ضربة عسكرية الى منشآت إيران النووية قبل مباشرة المفاوضات مع طهران، ومنح إسرائيل والعرب ضمانات نووية في مواجهة إيران. وعلى واشنطن إدراج المفاوضات الأميركية - الإيرانية في إطار متعدد الأقطاب، والاحتذاء على مفاوضات الدول الست مع كوريا الشمالية، والتخلي عن رهن المفاوضات مع ايران بتعليقها تخصيب اليورانيوم، ومناقشة"حق"ايران في التخصيب، وإيران أبرمت اتفاق الحد من الانتشار النووي، وربطه بتقييد برنامج التخصيب والرقابة عليه للحؤول دون انفلاته من القيود. ومن المفترض أن تتزامن هذه المفاوضات مع مفاوضات موازية تتناول تطبيع العلاقات الأميركية - الإيرانية، ودعوة طهران الى الكف عن مساندة"حماس"و"حزب الله"، وعن معارضة السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، والى تناولها دور ايرانبالعراق. وفي أثناء المفاوضات، ليس على الولاياتالمتحدة أن تتخلى عن خيار توجيه ضربة عسكرية الى ايران. وحريّ بأوباما ألا يؤجل موعد هذه المفاوضات الى حين انتخاب رئيس ايراني جديد، في حزيران يونيو المقبل. ولا شك في أن تحريك عجلة عملية السلام الإسرائيلي - العربي في أثناء المفاوضات الأميركية - الإيرانية يلفت اهتمام ايران الى ما قد يتهدد نفوذها مع تقدم عملية السلام على المسار السوري مع اسرائيل، وانخفاض سعر النفط. فسورية هي وسط النفوذ الإيراني في لبنان وفلسطين. وفي الماضي، عرقلت إيران مفاوضات السلام العربية - الإسرائيلية مخافة العزلة الإقليمية. ويوفر تزامن المفاوضات الإيرانية - الأميركية مع عملية السلام مخرجاً لإيران، وسبيلاً الى حماية مصالحها القومية والأمنية من طريق التعاون مع الولاياتالمتحدة. ولا شك في أن مفاوضات السلام بين إسرائيل وسورية يسيرة، وتذليل مشكلات هذه المفاوضات يسير، على خلاف مشكلات السلام الفلسطيني - الإسرائيلي. وسبق ان أبدى قادة إسرائيليون الاستعداد لإعادة هضبة الجولان الى سورية، في التسعينات. ولكن الإسرائيليين ترددوا في الخطو خطوة حاسمة مخافة ألا تطّبع سورية علاقاتها بهم غداة رد الجولان. وشأن نجاح مفاوضات السلام بين سورية وإسرائيل تقويض النفوذ الإيراني على حدود إسرائيل الشمالية والجنوبية. وفك سورية علاقاتها الاستراتيجية بإيران هو رهن تطبيع الولاياتالمتحدة علاقاتها بدمشق. ولا شك في أن الولاياتالمتحدة خسرت شطراً من نفوذها بالشرق الأوسط جراء إهمالها النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. فعليها اقتراح حلول لإنهاء هذا النزاع، وتفادي إضاعة الفلسطينيين والإسرائيليين الوقت في المفاوضات، على ما فعلوا في السابق. وحريّ بإدارة أوباما حض الفلسطينيين على مكافحة الإرهاب والإسرائيليين على وقف الاستيطان، وزيادة المساعدات للضفة الغربية، ورفع القيود عن حركة المواطنين، وإشراك العرب في جهود السلام، وحملهم على الوفاء بالتزاماتهم المالية تجاه السلطة الفلسطينية، والاشتراك في عملية السلام، عوض انتظار ختامها. وقد تخفق مفاوضات السلام ما لم تدعَ"حماس"، وهي تسيطر على قطاع غزة منذ حزيران يونيو 2007 ويؤيدها ثلث الفلسطينيين، الى المشاركة فيها. ويجب أن تحمل"حماس"على إدارك أنها مسؤولة عن مصير أهل غزة، وأن الولاياتالمتحدة لن تتحمل هذه المسؤولية. وإذا انهارت التهدئة بين"حماس"وإسرائيل، واجتاح الجيش الإسرائيلي غزة، وجب على الولاياتالمتحدة أن تسعى الى إنشاء قوة دولية قيادتها عربية تعيد بسط سلطة السلطة الفلسطينية، وتشرف على الانسحاب الإسرائيلي. عن ريتشارد هاس رئيس" كاونسيل اون فورين ريلايشنز" ومارتن انديك مدير"سابن سنتر فور ميدل ايست بوليسي" ،"فورين أفيرز"الأميركية، 1-2/2009 نشر في العدد: 16721 ت.م: 14-01-2009 ص: 24 ط: الرياض